حسين علي محمد - درس في استئناف القتل

حين خرجتُ من البيت ـ في الحادية عشرة صباحاً ـ لأدرس محاضرةً في النصوص العباسية لطالبات قسم اللغة العربية .. تركتُ القاضي في التلفاز يُقلبُ أوراق الرئيس العراقي السابق صدام حسين في قضية «الدجيل» .. قبيل النطق بالحكم!
هذا القاضي الجهبذ .. الساهرُ على قضية العدالة.. لماذا أراه زائغ النظرات؟!!
تركتُ القناةَ مفتوحة .. وخرجت ..
المذيعُ في فضائية «الجزيرة» في قطر يُحاور ضيفاً قانونيا من القاهرة ويسأله: لماذا دافعَ عن صدّام، ويسأل ضيفاً قانونياً آخر من بيروت: هل أنت قلق على العدالة المفتقدة في المحكمة؟!! .. ويستبق الضيفُ الثاني الحكمَ وأصداءه بتوقع صدور حكم إعدام على صدّام!
القاضي زائغ البصر، والمذيع مع ضيفيه يتناوبان تقليبِ أوراقَ الحكم المنتظر، ومدى شرعية المحكمة التي قامت في ظل الاحتلال!
العسكري الأمريكي الأسودُ يضعُ فوهة كاتم الصوت على رأس القاضي .. ويعده بامتلاك حدائق بابل، ومبلغ محترم في مصرف سويسري .. وحراسة مستمرة طوال أربع وعشرين ساعة .. ومقبرةٍ لائقةٍ له بجانب تمثال الحرية في أمريكا العامرة!
حين خرجتُ من البيت.. وتركتُ القناة مفتوحة .. لم يكن القاضي قد حكم بعدُ على صدام حسين بالموت شنقاً!
لكنني حين عدتُ بعد ساعةٍ ونصف، كان القاضي قد أصدر حكمه ..
وجدتُ فوهةَ كاتم صوتِ العسكري الأمريكي .. قد ابتعدت عن رأس القاضي .. لتفسح مكاناً للغطٍ يترددُ من الخليج إلى المحيط، وتنقله الفضائيات العربية، وصداه يتردد في خرائب العراق:
ـ من أين تأتي (للقاضي وللموتى الذين انتصر لهم) الضربةُ القاتلة المقبلة؟!!

الرياض 6/11/2006م


* من مجموعة «عندما تكلم عبد الله الصامت!» لـ د. حسين علي محمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى