غفران حداد - مذكرات قاصة.. قصة قصيرة

دهمتني هستريا الاكتئاب والأفكار السود، والأقراص المهدئة بدأت تشتاق الى شفتي لتعانقها مرتين في اليوم بعد ان عصفت بي المشاكل من كل صوب، في زمن تصورت لبرهة من الوقت أنني أعيش بمأمن عن مشاكل من تربطني بهم صلة دم، جسدي يقول أنني على قيد الحياة، يتنفس بصورة طبيعية، يأكل ويشرب، ولكن روحي تشتاق الى الموت في كل لحظة، تشتاق لتلحق بمن فارقوني عن هذه الحياة، عمتي سعدية التي ماتت ظلما، ماتت مشلولة، ماتت جائعة من ظلم وعنف عمي اشتاق اليها كثيرا، اشتاق لحنانها ولسؤالها عني فبعد رحيلها لا يوجد صدر حنون ضمني واحتواني كما كنت، اشتاق الى الموت ولكن بالتأكيد ليس مثل موتها بعد ان رضخت للجبروت والظلم، أنا امرأة تمردت على كل شيء من حولها، تمردت على التقاليد البالية بعدم إكمالي تعليمي، تمردت على ان اظلم وأرضى بالظلم ودفعت الثمن باهظا لأجل حريتي واستقلالي من حولي.

مرت السنون وانا أظن بأنني أصبحت امرأة لها كيان وحضور في المجتمع أصبح الكل يعرفني من رجال في السياسة والإعلام والفن، ولكن بقيَّ قلبي ينبض بالحزن يعيش وحيد في ظل وجود عشرات الرجال من يودون ان ينالوا محبته بأي ثمن، ربما قوة شخصيتي في صدهم وأهانتهم بصورة متكررة جعلهم يتشبثون بي أكثر.

حتى التقيت (سيف) كان نقيب شرطة، شجاعا، كان رجلا بنظري لا يشبهه أحدا، عجز قلمي عن وصفه في جلّ قصصي وقصائدي، كان حنونا، مثقفاً قال لي انه رجل منفصل، وما جذبني إليه أكثر كان يريد ان تكون علاقتنا رسمية بأسرع وقت ممكن، ولا اعرف كيف ومتى تقدم لخطبتي، أصبح خطيبي أمام الجميع حبيبي الذي عوضني عن ما تألمته في هذه الحياة لكنه أصبح سيفا حادا على حياتي كلها على فرحي على سعادتي التي لم اظن انني بنيتها على رمال متحركة، كان كاذبا بكل شيء وكان سبب مشاكلي معه تدخل بما يسمى اهلي، من ام لم اعرف حنانها يوما كانت تفرق في محبتها بين الذكور والإناث ما يهما سعادة ولديها، أما ابي فلم يكن يوما لي عون ولم ينصفني في حياته قلت له مرة، بأنك ستموت وفي عنقك دمي فجدي مات وهو ظالم لأخته وعمي سيموت وفي عنقه دم عمتي سعدية إما أنت ففي عنقك دمي انا فأنت المسئول عن معاناتي ومشاكلي مع زوجي وأنت المسئول عن دموعي وعن جوعي في بيت لم يكن الا سجنا، لن أسامح أحدا منهم على الإطلاق لا أمي ولا أبي ولا إخوتي الذكور او الإناث، أصبح الجنون قريب مني والموت منه اقرب حياتي عبارة عن مجموعة احزان لا تنفك إلا بالرحيل عن هذه الحياة. لقد نفذت علبة السكائر ولم ينتهي حديثكِ عن الألم يا صغيرتي قال لي صديقي طبيب الأسنان إسماعيل، التفتُ اليه وانفجرت عيناي بالدموع، رتب على كتفي ومسح دموعي قائلاً”هذه ليست نهاية العالم، عليكِ ان تعلمي ان الحياة أجمل مما تظنين )وأردف بالقول”غدر الأهل والزوج لا يساويان شيئا اما لآلئ دموعكِ صدقيني”، “أحاول أن أصدقك لكن جرحي كبير انه ينزف بشكل يومي وأنا … ” قاطعني بوضع أصابع كفه على فمي وقال “إن كان ينزف فالزمن كفيل بمداوته أنت اكبر من أي جرح”.

كم سهلةٌ بالفم كلمات صديقي الطبيب خسرت كل شيء الا عشقي للرب ولولا قربي منه وزيارتي لأهل البيت عليهم اللام لكنت الآن في مستشفى المجانين من دون شك، ومن يدري لربما انا مجنونة بالفعل والا لماذا احدث نفسي لساعات طويلة ولا اشعر بوجود من حولي ينصتون لكلامي الابله ولا احس بهم ؟، ولماذا أتناول اقراص مضادة للإكتئاب ان كنت بخير وانسانة طبيعية؟ ولماذا ولماذا، اسئلة كثيرة تداهمني من دون اجوبة ؟، “قلت لكِ كفى اهدئي الحياة جميلة لم تغب الشمس يوما عنا برغم الزلازل والفيضانات برغم الأعاصير والسيول، هذا دليل انه يوجد يوم جديد علينا ان نعيشه بحلوه ومره” قال وهو يبستم بهدوء يلفه الحزن، ضحكت وأدار رأسه نحوي وضحك قائلا ” نعم اضحكي لا احد يأخذ من هذه الحياة شيئا صدقيني، اليوم الذي يمر لن يعوض، لا تفكري بما حصل أمس من غدر وأوجاع فكري باليوم وغدا “ابتسمت بوجه صديقي لكي لا اجعله يقلق عليَ أكثر وكذبت عليه بتصنع بأنني ســــأكون على ما يرام.

ودّعته وأنا امشي وحيدة على شارع أبي نؤاس تأملت المياه والعشاق في الحدائق وأنا اردد مع نفسي سيكون أحدكما خائنا لا محالة” لا اثق انه يوجد حب حقيقي في هذه الحياة ومن أين تأتي إليّ الثقة واقرب الناس غدروا بي أهلي وزوجي، الحب والإخلاص كذبتان كبيرتان لا يدركانها إلا المغدور.

انني أرى روح عمتي تناديني وروح إدريس تناديني، وصديقتي سالي تناديني انتظروني لا تتركوني وحدي أنا قادمة إليكم

التوقيع فلانة – الخميس المصادف 27 من شهر شباط

“حبيبتي اتركي الدفتر الذي في يدكِ ” قال كاظم، “مؤكدٌ يا حبيبي ان الفتاة التي انتحرت في نهر دجلة كانت تعاني الكثير من اهلها وممن تحب، يبدو انها قاصة فهذا الدفتر يحتوي على يومياتها وعلى الكثير من القصص غير الكاملة، حبيبي كم هي مسكينة”…..! قالت نور .

“اتركي هذا الدفتر مكانه نعم ضعيه قرب حقيبتها ولنغادر المكان بسرعة ستأتي الشرطة بعد قليل ونحن في غنى عن الأسئلة التي ستطرح لقد بدأت الناس تقترب هيا حبيبتي بسرعة ….بسرعة”.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى