عبد الفتاح كيليطو - العقــوبة... ترجمة : إسماعيل أزيات

كاتب وقد تسلّم للتّو نسخة من آخر كتبه، نسخة طريّة تماما، جدبدة تماما، عرضها بافتخار على طفلته الصّغيرة. "انظري، أنا الذي كتبت هذا الكتاب"، قال لها. حتى يؤثّر في مشاعرها بدرجة أكبر، لفت انتباهها إلى اسمه على الغلاف أعلى العنوان. مقطّبة حاجبيها، صاحت ناقمة : "أنسختَ كلّ هذا ؟"
كان يرتقبُ أن يكون مثيرا للإعجاب، لزم عليه أن ينكفئ.
أنكرت ابنته صفته ككاتب مشبّهة عمله بانتساخ رخيص، بعقوبة مماثلة لتلك التي يتمّ إنزالها بالتّلاميذ المشاكسين. الأسوأ من ذلك أيضا أن يكون خضع لمعاقبة أشدّ شناعة : أن ينتسخ كتابا بأكمله عوض ورقة أو ورقتين. لكن ما كان يتراءى للتلميذة الصّغير صادما أكثر ملاحظتها أن يكون تقبّل هذه اللّعبة الخرقاء من تلقاء نفسه، من خلال عمل اختياري ومُبيّت.
خلال برهة وجيزة من الزّمن، تبنّى وجهة نظر تلميذة المدرسة. مهما يكن من أمر، لا معلّم أكرهه على أن "ينتسخ"، لا سلطة عليا أجبرته على هذا العمل المرهق والبغيض. إذا ما كان امتنع عن ذلك، فلم يكن ليتحدّى أيّة سلطة ولم يكن ليجلب على نفسه أدنى عقاب... على إثرمراهنة مشوّشة مع نفسه، تكفّل وبلا تروّ، بعمل لا نتيجة له، بمهمّة سخيفة. خطر على باله عندئذ الكتّاب العرب القدماء الذين، هم بأنفسهم، كانوا يرغبون أن يشتغلوا تحت الطّلب؛ في تصديراتهم، لم يكونوا ليغفلوا ذكر التعاقد الذي هو في الأصل من منشأ كتبهم. حينما لا يأمرهم الأمير بالكتابة، كانوا يحافظون، على الرّغم من ذلك، بوهم الطّلب بتوريط صديق أو، في الدرجة القصوى، بتوريط القارئ. كانوا يستجيبون، بطيبة قلب، كما يجزمون، لعرض قدّمه شخص ما.
لم تصرالبنتُ الصّغيرة؛ كانت قد نسيت هذ الحكاية. تخلّى عندئذ عن أن يشرح لها الفارق بين الكتابة والنّسخ ( إضافة إلى العناء الذي كان سيلقاه في ذلك فعلا). فضّل أن يبقيها في سذاجتها، في هذا العالم السّحري حيث لا أصالة، لاانتحال، لااختلاق، حيث كلّ نص هو إعادة إنتاج أمينة لنص آخر، وحيث الأثرالشخصية ينحصر في شكل الأحرف، وفي الأخطاء الإملائية المحتومة. أمّا فيما يخصّ اسم الكاتب على الغلاف، لم يكن بطبيعته أن يربكها : ألم يكن من عادتها أن تسجّل اسمها على بطاقة تلصقها فوق دفاترها وكتبها المدرسية ؟




Le cheval de Nietzsche, Le Fennec 2007, p: 9_10

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى