علياء مصطفى مرعي - ألم الفقد.. ( قصة قصيرة )

كانت الشمسُ قد أوشكَت على الغروبِ حينما توجَّهْتُ إلى المكتبِ لأحتسيَ قهوتي المُعتادة، اقتربْتُ من النافذةِ مُتأملاً الحديقةَ الواسعةَ المُحيطة ببيتي الكبير مُسبِّحًا الخلَّاقَ لعظمةِ هذا المشهد الخلَّاب.

ثُمَّ تذكَّرت:
"تمتلكُ كُلَّ ما يتمناه شخص، هل لديك أيُّ أُمنياتٍ لم تتحقَّقْ؟"
كان هذا تعليق أحدِهم على صورتِي الأخيرة في الجريدةِ الوطنية، بعدما تم افتتاح فرعٍ آخرٍ لشركتي الدولية، نظرَ بسطحيةٍ إلى ما ظهر للعوامِ دون أن يدريَ ما خلفَ الكواليس، ليته امتلك كُلَّ تلك الشُهرةِ وامتلكْتُ أنا فقط زوجتي لوقتٍ أطول.
قطع حبلَ أفكاري صوتُ صغيري الذي لم يتعدَّ الرابعة يهتفُ بحماس:
"أبي، أبي، اكتشفْتُ أن لدي قوًى خارقة."
ضحكت لعفويتِه، واستوعبْتُ أنه يخلقُ حديثًا معي؛ فسألْتُه باهتمام:
"وماهي يا تُرى؟"
"أستطيعُ قراءةَ الأفكار."
أسندْتُ رأسي على يدي، ونظرْتُ إلى عينِه مُباشرةً قائلاً بتحدٍ:
"إذًا أخبِرني فيمَ أُفكِّر الآن."
رد بتلقائية:
"أنك تُحبُّني كثيرًا."
ثُمَّ قطب حاجبيه وأكمل:
"أبي، أنت دائمًا ما تُخبرُني بهذا، ليست قواي ما اكتشفت ذلك."
ضحكْتُ وضممْتُه إلى صدري بقوةٍ فغمغم:
"أوتدري ما يدورُ برأسي؟"
عندئذٍ علمْتُ ما سيئولُ إليه الحديث، وشعرْتُ بقطراتٍ دموعِه التي بدأت تسيلُ على كتفي، أسرد دون أن ينتظرَ ردي:
"اشتقْتُ إلى أُمي، طالت رحلتُها العلاجية كثيرًا، وأشد ما يُثيرُ دهشتي أنها لم تتصلْ بي قط، هل يمنعون الهواتف في المشفى؟ أم هي رغبتُها في عدم حديثِي؟ أبي، أوليس بإمكانِنا زيارتها ولو حتى لبضعِ دقائق فقط؟"

ليتني أستطيعُ إخبارَه أن والدتَه لن تتصلَ أبدًا، آل تفكيري إلى أن أجعلَ مُساعدَتي تقومُ بهذا الدورِ وتحادثُه على أنها والدته عساه يهدأ، لكني في نَفسِ الوقتِ أخافُ أن يزدادَ أملُه في عودتِها، لم أدرِ بمَ أُجبه فوجدتني أُشتِّتُ انتباهَه إلى الأضواءِ التي بدأت في السطوعِ من سطحِ المبنى، تنعكسُ على الزينةِ في شُجيراتِ الحديقة، فتظهرُ تدرُّجات من ألوان الباستيل بطريقةٍ ساحرة، تنمُّ عن ذكاءِ مُهندسٍ صمَّم الأمرَ بعناية.
يبدو أن صغيري فطن إلى هروبي، فاتجه بنظرِه إلى الأضواء، ثم سأل بأملٍ خائب:
"هل بإمكانِك على الأقل اصطحابي إلى مدينةِ الألعابِ الترفيهية؟".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى