علي حسين - فـي صحبة الكتب.."الغريب" الإنكليزي الذي تحول إلى "اللامنتمي" العراقي (5)

في نهاية الخمسينات ظهر في المكتبات كتابان ، الاول لمؤلف لم يكن معروفا آنذاك اسمه كولن ولسن ، وكان عنوان كتابه " اللامنتمي " والثاني لواحد من ابرز الكتاب الروس بوريس باسترناك " الطرق الهوائية " . الكتابان صدرا عن دار نشر بيروتية شهيرة آنذاك هي " دار العلم للملايين

التي تخصصت من خلال صاحبها المترجم الشهير منير البعلبكي بنقل روائع القصص العالمي.
ولأن الكتابين جديدان في موضوعهما ، فقد نالا انتشارا واسعا في صفوف القراء والمثقفين . لكن الغريب ان قلّة هي التي التفتت الى اسم المترجم الذي نقل هذين الكتابين الى العربية بلغة أنيقة ، كان اسمه أنيس زكي حسن : شاب متوقد بالحماس والمعرفة ، حصل على شهادة من دار المعلمين العالية حيث تتلمذ على يد جبرا ابراهيم جبرا ، والذي اصبح فيما بعد أقرب أصدقائه اليه ، وفاز بجائزة الترجمة في المسابقة التي اعلنتها مؤسسة فرنكلين عن ترجمة كتاب "مغامرات الأفكار"، لهوايتد ، ثم عرف الناس اسم انيس زكي حسن المترجم الذي قدم الى العربية "اسطورة سيزيف" لألبير كامي و"تاريخ الأدب الانكليزي" لايفانز ، و"أربع خطوات نحو الفن الحديث"، لفينتوري و"الإنسان الصرصار"، تأليف دوستويفسكي و"سقطة" البير كامي و"العودة إلى ميتوشالح"، لبرنارد شو .
في مقدمته لكتاب "الطرق الهوائية" لباسترناك ، يحدثنا أنيس زكي حسن عن منهجه في الترجمة فيقول :" يؤسفني أن أقول أن أغلب مترجمي وناشري هذه الكتب لم يكونوا أمناء قط.. وكانت الكتب تحمل اسم باسترناك كاملاً فقط.. أيها القارئ العزيز إنني آسف على مالك، وعلى وقتك، وعلى الأدب وعلى باسترناك وعلى الجحيم.. واللعنة على ، شيء واحد أريد أن أهمس به في أذن القارئ أرجوك.. قد تحاول الدعايات أن تستغل باسترناك فتجرك وتجره إلى عوالم لا أظنك تثق بثباتها واستمرارها وصدقها، أرجوك.. إنني أقدم إليك فن باسترناك فأقرأ فن باسترناك. ودعنا مرة واحدة، لحظة واحدة، ثانية واحدة، نكون ذلك القلب الواحد الكبير، الذي نتشدق به، ونبكي عليه، ونجرد سلاحنا لندافع عنه، ونطعنه، ونحن فيه. ولا نفهمه، ولا نريد أن نفهمه، شيء واحد فقط هو هذا.. وأنت تعرفه.. وو.. كفانا عنجهية." وهو منهج يدل على ان صاحبه يتميز بلقطات الذكاء الحاد والحساسية البالغة الاهداف ، والعشق للمعرفة.
ولم يكتف انيس زكي بالترجمة ، كان يدرك ان الادب العراقي بحاجة الى تجديد فكتب الرواية ، وابتدأها بـ"الاخطبوط" عام 1958 التي طبعتها دار نشر عراقية بنسخة سيئة الطباعة ، مليئة بالاخطاء ، جعلته يقرر ان يتلف النسخ التي تسلمها من الناشر ، ما جعل العثور عليها شاقا . اما روايته الثانية "السجين" التي نشرها عام 1961 وبمساعدة دار العلم للملايين بعد ان حققت كتبه المترجمة اقبالا كبيرا وخصوصا كتاب "اللامنتمي" الذي اعيد طبعه في عام واحد ثلاث طبعات متتالية ليصبح اشهر كتاب يترجم الى العربية في عقد الستينات .
ورواية "السجين" قريبة الشبه للروايات العبثية ، وكأنها متأثرة بما كتبه سارتر في "الغثيان" ، موضوعها الاساسي هو البحث عن الحرية .
يقول الروائي :"اراد السجين بعدئذ ان يتخلص من المستوى الحشري للحياة ، فطرد زوجته نهائيا ، وترك العمل بالمصلحة التي كان موظفا فيها ، وهجر الاماكن التي ارتادها مع الاصدقاء مرارا وهام على وجهه في الأزقة والطرقات متجها الى الشارع المؤدي الى الحقيقة او الى احد وجوهها : الحرية بالتحديد ولم يعنِه مطلقا ان يشير اليه الناس بأنه مجنون ، وهو لم يتخلص من المستوى الحشري للحياة فقط ، بل اراد ان يرتفع على المستوى البشري فراح يسبق البشرية الى اليوم الذي تحرق فيه كل ما لديها من اوراق وسطور وتبدأ الحياة فعلا ، لأن الحقيقة لا تظهر الا حين لايعود صاحبها في حاجة اليها على الإطلاق " ص25
************
حين أصدر كولن ولسون كتابة الأول والأشهر"اللامنتمي" عام 1956كان في الرابعة والعشرين . وهو الكتاب الذي جلب له المال والشهرة العريضة و تُرجم إلى مختلف لغات العالم. في ذلك الوقت أبدى عدد من النقاد الإنكليز ازدراءهم واستخفافهم بـ (الجهد) الذي بذله المؤلف واعتبروا جهده مجرد سياحة في سير ونتاجات قادة الفكر الأوروبي ودراسته مصادر وينابيع الفلسفات. ومحاولته إيجاد روابط بين سير هؤلاء المفكرين وما قدموه من نتاج، لكن القراء ضربوا بالحائط بكل صرخات النقاد ليضعوا الكتاب لسنوات على عرش الكتب الأكثر شهرة ومبيعا وليتحول صاحبه إلى واحد من أبرز نجوم المجتمع البريطاني.
كان الكتاب قد كتب في إحدى قاعات المطالعة بالمتحف البريطاني، عندما كان ينام على فراش متنقل في شارع هامبستيد هيث. كان ابناً لعامل في أحد المصانع الصغيرة، ترك دراسته في السادسة عشرة،ونجح في التهرب من الخدمة العسكرية بحيلة صغيرة. مارس في شبابه مهناً غريبة ليتفرغ لقراءة كل ما كان ينشر في ذلك الوقت، ويواصل تسجيل ملاحظاته في سجل كبير استدان ثمنه من أحد الأصدقاء.
يحدثنا كولن ولسون في كتابه"رحلة نحو البداية" الذي ترجمه الناقد المصري الراحل سامي خشبة عن قصة كتابه الشهير هذا قائلا:"قبل أن أنشر كتابى"اللامنتمى" فكرت وقلت لنفسى ينبغي لهذا ان يعيد الأمور إلى نصابها ويعيدها إلى الحياة. ثم فجأة أصبحت في التلفزيون تحت الأضواء المركّزة، ألقى التشجيع لكي أتشاجر.. أو في افتتاح معرض للفن.. مع أحد اللوردات ألقى التشجيع لكى أناديه باسمه المجرد.. في حفلة يشير إليّ الضيوف باعتبارى مثل الأعجوبة الطبيعية، أو يهاجمنى ناقد.. فما علاقة كل هذا بكتاب"اللامنتمى"؟..لقد كان شيئا لا يصدق، وكان أكثر غباءً وجنونا من كل ما كان بوسعى أن أتخيله، ولم يكن على علاقة مطلقا بأي شيء أهتم به. كان استعراضا ساخرا فكاهيا للنجاح.
في ذلك الصباح من يوم الأحد، حينما ظهرت أول عروض الكتاب، فكرت بينى وبين نفسى قائلا،إننى كسبت وفزت وأحرزت هدفي. ثم حينما مرت أسابيع الدعاية، تبينت كل ما فعلته عدا ذلك، تبينت أننى لم أحرز هدفي. وأن المعركة قد انتقلت فحسب إلى جهة أخرى، وبدأت أكتشف حقيقة ما قاله سارتر من ان الجحيم هم الآخرون" ..وفي اليوم التالي ظهرت صحيفة"ديلى إكسبرس" بعنوان يقول: (كولن ولسون يعترف بأنه مخادع) ونقل عني أنني قلت: "إن اللامنتمى قد كتب بناء على قصد زائف تماما".
************
اللامنتمي بين انيس زكي وكولن ولسون
في مقال نشر بمجلة العلوم اللبنانية يلخص انيس زكي حسن الأفكار التي يطرحها اللامنتمي : "وانا اترجم كتاب اللامنتمي تحاشيت كتابة مقدمة عن المؤلف والكتاب واكتفيت بان اترجم مقدمة الناشر الانكليزي بناءً على طلب من صاحب دار النشر الذي كان مترددا بنشر الترجمة العربية لكتاب لا يدخل ضمن اختصاص الدار التي اشتهرت بأنها تقدم روائع الاعمال الادبية - يقصد دار العلم للملايين - الا ان القارئ العربي ظل منذ صدور الكتاب يحاصرني بالسؤال عن اللامنتمي، ورغم ان مقدمة الطبعة العربية جاء فيها من ان اللامنتمي هو الإنسان الذي يدرك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية من أساس واهٍ، والذي يشعر بأن الاضطراب والفوضوية هما أعمق تجذرا من النظام الذي يؤمن به قومه . واعتقد ان هذا الملخص يسلط الضوء على المشكلة التي يطرحها الكتاب ، هل اللامنتمي يناقش قضايا ادبية خالصة ؟ بالتاكيد هذا الرأي كان سببا في النظرة القاصرة التي وجهت للكتاب ومؤلفة، اذا اعتبره الكثيرون مجرد استعراض لقراءات شاب وجد متسعا من الوقت ليجلس في مكتبة المتحف البريطاني ويقوم بتلخيص الكتب ، بينما الحقيقة ان هناك جانبا مهما في الكتاب لم يثِر اهتمام النقاد العرب، واعني به الجانب السايكلوجي والذي حاول من خلاله مؤلف اللامنتمي ان يوليه اهتماما كبيرا .. اذن اللامنتمي كتاب يناقش سايكولوجية الابداع اكثر من كونه كتابا يقدم خلاصات لعدد من المؤلفين".
يُعرّف كولن ولسون اللامنتمي بأنه الرجل الغامض :" انني ارى نفسي في المرآة الطويلة الضيقة المعلقة في واجهة ذلك المحل ، قادما يلوح علي َ الشحوب والنعاس "
هذه السطور من رواية "الجحيم" لهنري باربوس الذي يضرب به ولسون مثلا على اللامنتمي النموذجي في الأدب الحديث ، رجل غامض يلجأ إلى غرفته في الفندق ليغلق بابها ويعيش ليراقب الآخرين من ثقب في الحائط. انه كما يقول باربوس"يرى اكثر واعمق مما يجب" وهو لا يرى إلا الفوضى. ويتبع ولسن طبيعة اللامنتمي خلال رواية كامو"الغريب" و أعمال أرنست همنغواي الأولى ، ويقر ولسون بأن الجو الذي يتميز به عالم اللامنتمي المعاصر جو كريه جدا.ان هؤلاء الأشخاص لا يرفضون الحياة فحسب وإنما يعاديها الكثير منهم.ان عالمهم المجرد من القيم هو عالم أشخاص بالغين، والفرق بين عالم البالغين وعالم الأطفال هو احد الفروق الرئيسية بين عالم القرن العشرين وعالم القرن التاسع عشر.
ويتبع ولسون اللامنتمي الرومانسي في"آلام فرتر" لغوته، وفي اللصوص لشيللر، وكثيرين غيرهم مثل هولدرلن و رامبو و مالارميه ورلكه و بروست. على ان مشكلة اللامنتمي هي في جوهرها مشكلة حية. ولهذا فإن ولسون يعود من الأدب إلى الحياة نفسها فيعتبر فان كوخ و لورنس و نجنسكي لا منتمين. إنه يختارهم باعتبارهم ثلاثة نماذج للامنتمي يتميز كل واحد منهم بمميزات خاصة ينافس بها الآخرين في انتمائيته. ميزات في العقلية والشعور والجسد. ألا نجد ان الطريق التي شقها كل واحد من هؤلاء لم تكن مثمرة في حد ذاتها؟
ذلك ان الأمر انتهى بفان كوخ ونجنسكي إلى الجنون.في حين لم يكن انتحار لورنس العقلي ليقل عن جنون نجنسكي. وينتهي ولسون إلى ان اهم ما يشغل بال اللامنتمي هو عدم رغبته في ان يكون لا منتميا.إلا انه لا يستطيع ان يتخلى عن كونه لا منتميا لأنه لا يريد ان يكون بورجوازيا عاديا،فليس ذلك بالحل الصحيح ، ان مشكلته هي كيف ينطلق إلى الأمام. إلا ان لورنس ونجنسكي وفان كوخ إنما عادوا إلى الخلف فاندحروا جميعا.
يريد اللامنتمي ان يكون حرا وهو يرى ان صحيح العقل ليس حرا، ولقد وجد نيتشه الذي يتناوله ولسون بالبحث أيضا حلا في إخباره العالم، بأن جميع الناس يجب ان يكونوا لامنتمين.أما لامنتمو تولستوي فقد هربوا من انفسهم بتمسكهم بإنكار الذات باعتبار انه جوهر المسيحية. و ينتهي هذا الفصل بدوستويفسكي الذي يخصص له ولسون معظم ما تبقى من الكتاب محللا أعماله تحليلا دقيقا ذلك لأن أعمال هذا الكاتب تمهد الطريق لتطورات جديدة.
************
في الخامس والعشرين من أيار سنة 1974 وصل كولن ويلسون الى دمشق بدعوة من اتحاد الكتاب العرب في سوريا ، وفي المركز الثقافي العربي بدمشق يلتقي كولن ويسلون بمعجبيه من العرب ، ويلخض لنا الناقد السوري المعروف حسام الخطيب في مقال نشر بمجلة "الموقف الادبي" بعنوان " كولن ولسون وتجربته الفكرية " ما دار من حوار بين صاحب اللامنتمي والقراء العرب ، حيث فوجئ الكاتب البريطاني بأن معظم الحضور قرأوا كتابه ولديهم ملاحظات مهمة عنه ، لكن الجمهور حسب مقال الدكتور الخطيب فوجئ بأن ولسون ركز في حديثه على الجوانب النفسية دون الثقافية والأدبية ليقول لهم:" حين كتبت اللامنتمي لم اكن مهتما بالناحية الاجتماعية وانما عنيت بالظاهرة السيكولوجية ، وفي البدء لفت نظري ان هناك لحظات معينة في حياة كل انسان يشعر خلالها بالسعادة وبالقيمة وهو يستمتع استمتاعا شديدا بهذه اللحظات ، ولكنه يحس بعد انتهائها احساسا حاداً بالخيبة " . وحين يسأل احد الحضور ما هي مشكلة اللامنتمي يجيب كولن ويلسون : في المجتمع الحديث عدد كبير من الناس لايستطيعون احراز المكانة المعتبرة التي ينشدون ، ولكنهم من الذكاء بحيث يقبلون المكان الذي يعطى لهم ، وبين هؤلاء فنانون وادباء وهم يقفون بين العناصر القيادية والعناصر القابلة للقيادة" .
************
اللامنتمي عراقي بالأصل والنسب
ترجم كتاب (اللامنتمي) إلى العربية عام 1957 وقد استطاع المترجم أنيس زكي حسن من ان (ينحت) تعبير (اللامنتمي) بعد ان وجد انه أنسب وأفضل تسمية عربية للعنوان الإنكليزي الأصلي للكتاب " outsider " ، ومنه أخذ الكتّاب والنقاد العرب يتداولون هذه التسمية وظلت حتى الآن هي المعتمدة في الدراسات الأدبية.. وقد انشغلتُ كما انشغل غيري بمعرفة أهواء وميول هذا المترجم،فعرفت انه قاص عراقي ينتمي إلى جيل الخمسينات ترجم العديد من الكتب ،كما نشر العديد من القصص القصيرة في مجلة "أهل النفط" ومن بعدها في مجلة (العاملون في النفط) وكلتا المجلتين كان يشرف عليها الروائي والمترجم القدير جبرا إبراهيم جبرا الذي جمعتني معه جلسات من الود،سمحت لي ان اسأله ذات يوم : أين اختفى أنيس زكي حسن؟ ابتسم جبرا ابتسامته المعهودة ليخرج بعدها صوته خفيضا كعادته حين يتكلم:
وما الذي ذكّرك به وهو من جيل سبقك بعقود؟
-لأنه توقف عن الترجمة!
نظر إليّ جبرا من دون ان يتكلم ولاحظت في عينيه ظلال حنين إلى ماضٍ جميل..
-يبدو أنني أثرت شجونك يا أستاذ؟
- بالعكس ذكّرتني بصديق كان ولايزال من أعز أصحابي..لكنه عنيد! هل تدري انه توقف عن الترجمة لإحساسه ان ما ينشر في الغرب من أفكار لا يستحق التوقف عنده ، ليس هذا فقط بل هو رفض عروضاً من دور نشر عربية لترجمة أعمال أخرى لكولن ولسون لقناعته أنها لا ترتقي إلى مستوى الكتب التي ترجمها للمؤلف نفسه وهي اللامنتمي.."سقوط الحضارة".. "المعقول واللامعقول" في الأدب الحديث..ولكون كولن ولسون حسب رايه تحول إلى كاتب استهلاكي يكتب الرواية البوليسية وكتب الشعوذة. ويضيف جبرا ان أنيس أخبره ان كتاب اللامنتمي هو اهم ما كتبه كولن ولسون والكتب التي جاءت بعده هي شروح لكتاب اللامنتمي.
ولكي يرضي جبرا فضولي فقد أخبرني أن أنيس زكي حسن خريج دار المعلمين العالية يجيد الإنكليزية وعمل مديرا لدائرة الصحف الأجنبية في وزارة الخارجية العراقية ثم حصل على وظيفة في الأمم المتحدة.
ونسيت أنيس زكي حسن إلى أن وقع في يدي كتاب "وداعا أيها الملل" لأنيس منصور وهو مجموعة مقالات كان قد نشرها في صحيفة الأهرام، ولأن منصور من المهتمين بالفلسفة فهو قد درسها على يد عبد الرحمن بدوي في الخمسينات وعشق الفلسفة الوجودية تيمناً بأستاذه فأصدر وهو شاب كتاباً باسم (الوجودية) يعدّ من أوائل الكتب العربية التي تناولت هذه الفلسفة. فقد خصص كتاب "وداعا أيها الملل" للحديث عن فلسفات العبث واللامعقول والتمرد..وفي الفصل المسمى "المنتمي واللامنتمي" وجدت أنيس منصور مثلي يبحث عن شخص اسمه أنيس زكي حسن، لكنه على العكس مني حظي بمقابلة الرجل وتحدث معه: "ظهر فجأة وبلا مقدمات كتاب عنوانه الغريب..وقد ترجمه إلى العربية أنيس زكي حسن وهو من أدباء العراق بعنوان (اللامنتمي)، وعندما قابلته في بغداد في أوائل السبعينات عرفت منه أنه تعب كثيراً حتى وصل إلى هذه الكلمة وهي لاشك كلمة موفقة.. وهي تدل إلى حد بعيد على المعنى الذي يريده كولن ولسون من ان الإنسان اللامنتمي هو الذي لا يرتبط بأحد ولا يلتزم بشيء وهو يحس انه وحده وان وحدته هي السجن الذي اختاره لنفسه"
ووجدت في كتاب أنيس منصور أجوبة لبعض تساؤلاتي حول أنيس زكي وترجمته لكتاب اللامنتمي، لكن السؤال المهم أين اختفى أنيس زكي حسن؟ لم أجد له إجابة إلى ان طالعت مقالة كتبها أنيس منصور في جريدة الشرق الأوسط عام 2008 تحت عنوان"ولكن أين أنيس زكي حسن"يقول فيه: "لم أنسَ أديبا عراقيا اسمه أنيس زكي حسن ترجم كتاب (اللامنتمي) وانه صاحب هذه الكلمة البديعة وأدهشني كيف عثر عليها.. وحاولت ان أعرف أين هو، ولم اجد جوابا وإنما كلهم يقولون لا نعرف أين اختفى وكتبت في الأيام الماضية عنه،وفجأة قرأت على الإنترنيت رساله منه يشكرني انني مازلت أذكره وأنه يعيش في أحد أحياء باريس، واننا سوف نتواصل مادمنا أحياء إن شاء الله".
************
وفي سيرته الصادرة حديثاً عن دار المدى بعنوان «حلم غاية ما» والتي ترجمتها القديرة لطفية الدليمي يقول ويسلون انه وضع مائة كتاب حتى الآن. لكنني أعتقد ان كولن ولسون سوف يدخل التاريخ والذاكرة الأدبية تحت عنوان واحد هو «اللامنتمي». الكتب الأخرى كانت تكراراً أو استفاضة لفكرة واحدة وثقافة واحدة برغم سعتها الهائلة. والحكم والهدف كانا واحداً لديه: أن يكتب.
في آخر حوار أجري مع كولن ولسون قبيل وفاته بعام واحد قال لمحررة النيويورك تايمز"آمل العيش إلى أن اكمل 93 عاماً، السنّ التي رحل فيها كاتبي المفضل جورج برنارد شو. "
وحين تسأله كيف سيكون نعيه؟ يقول"لا يهمني ذلك فعلاً.. إنني أنظر إلى نفسي باعتباري الأكثر أهمية بين كتّاب القرن العشرين. وسأكون أحمق إن لم أدرك هذا"!



* عن جريدة المدى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى