محمد السيد علي بلاسي - الترجمة... ومشكلاتها

ان حاجة أي امة من الامم الى الترجمة، حاجة هامة واكيدة، وبخاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه، اذ اتسع مجال الاتصالات بين الشعوب، وتبع هذا تبادل المنافع بينهم عن طريق الترجمة، ونقل الاثار العلمية من لغة الى اخرى.
ولعل للعرب قديما -الفضل في تنبيه الاذهان، وتفتيح الاذان الى اهمية الترجمة وفاعليتها، وذلك بترجماتهم للثقافات الاجنبية من " فارسية" و" هنديــــــــــــــــــة" و" يونانية"...
وليس من الغريب ان يقال : ان اول حركة خطيرة للترجمة في التاريخ ، انما ظهرت على ايدي العرب في اواخر العصر "الاموي "، حيث تناولت ضروبا عديدة من النتاج العقلي، بفضل تشجيع الخلفاء للترجمة ، حتى ليروى ان " الخليفة المأمون كان يعطي على الكتاب المترجم وزنه ذهبا(1)
كما انشا الخليفة " المامون " في " بغداد"830 م " معهدا رسميا للترجمة " مجهزا بمكتبة اطلق عليه اسم " بيت الحكمة" فكان هذا المعهد – من وجوه كثيرة – اهم المعاهد الثقافية التي انشأت بعد الفتح الاسكندري، والتي استت في القرن الثالث قبل الميلاد، وفي حدود سنة 856 م جدد الخليفة " المتوكل " " مدرسة الترجمة " ومكتبتها في بغداد...
وان كان قد سبق هذه الحركة الواسعة في الترجمة جحركات من جانب غير العرب –الاانها كانت في المجال السياسي فقط، كما كان من القياصرة الاكاسرة"، اذا كانوا يتخذون في دواوينهم تراجمه، وكذلك فعل القدماء " المصريين " و" الحيثيين".
غير ان للعرب الفضل في ان جعلوا من الترجمة صناعة، وعملا فنيا خطيرا حيث بذلوا من اجله جهودا كبيرة، حتى اصبح للترجمة هذا المكان العظيم عند سائر الشعوب.

مفهوم الترجمة:
يذكر " ابن منظور" في " اللسان": ان الترجمان والترجمان: المفسر للسان، وفي حديث " هرقل ": قال لترجمانه: الترجمان، بالضم والفتح:هو الذي يترجم الكلام، أي ينقله من لغة الى اخرى ، والجمع : التراجم ، التاء والنون زائدتان.(2)

عدة المترجم:
الترجمة نظام دقيق، يحتاج ممن يخوضه ان يتسلح بما يلي:
1-ان يكون قد اعد اعدادا فنيا يناسب المادة التي يتولى ترجمتها، ولا يكفي للمترجم الذي يمارسها ان يكون ملما الماما جيدا باللغة المنقول عنها، واللغة المنقول اليها.
2-لابد للمترجم ان يكون له الصلاحية التامة من الناحية اللغوية والفنية، ولكل فن نظامه الخاص في الترجمة.
3-كل علم من العلوم له جهاز خاص من حيث الاسلوب والمصطلحات وطريقة الاداء، ونحو ذلك من اللوازم التي لابد ان يكون المترجم ملما بها ومتمرسا عليها، قبل ان يعالج ترجمة أي اثر من الاثار.(3)
4- ان يتسلح المترجم بثقافة واسعة في الناحيتين:
اللغة والمنقول عنها والمنقول اليها.
5- ان يكون عاملا بدلالات القاموس العادية والشائعة.(4)
6-دراية المترجم بموضوع الترجمة ومعرفته بالعالم، واستخدامه للمنطق السليم وقدرته على الفهم السليم للاشياء .(5)

الوان الترجمة:
وضح لنا مما تقدم: ان الترجمة ظاهرى طبيعية، ترتبت على اختلاف الشعوب والجماعات، وتجاورها، واتصال بعضها ببعض، وهي ظاهرة تزداد وضوحا على مر الزمن، وتطورت في مختلف شكولها وأنواعها على مر القرون، وتطورت خصائصها بتطور الجماعات البشرية نفسها، وتنوع نشاطها والظروف التي تحيط بها، وتدرجت من حال الى حال شان كل مظاهر الحياة البشرية...
والترجمة منذ كانت وحتى الان تنقسم الى ثلاثة أقسام:

*اولا- الترجمة الشفوية:
وتعتمد عليها تلك الشعوب التي لم تعرف للكتابة سبيلا، اذ تستخدم هذا النوع من الترجمة في معاملاتها مع غيرها من الأمم، ولا يزال هذا اللون قائما إلى يومنا هذا في كثير من الأقطار، اذ من المعلوم ان هناك لغات في العالم –لعلها أكثر عددا من غيرها –لم تعرف الكتابة في أثناء عمرها الطويل، ولا يزال أصحاب تلك اللغات يمارسون الترجمة الشفوية في تنظيم علاقاتهم بجيرانهم.
غير انه ثمة وظيفة أخرى للترجمة الشفوية، اذ تستخدم في محاورات الساسة ومفاوضاتهم، كما تستخدم في الاجتماعات الدولية الكبيرة، التي يشهدها
مئات من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم وأصقاعه، كالاجتماعات الدورية –مثل- رابطة العالم الاسلامي، او المنظمات الدولية المتخصصة..
وقد تطور نظام الترجمة الشفوية في هذه الاجتماعات وتطور منها ما يسمى (الترجمة الفورية)، حيث يضع كل من الحاضرين سماعة على إذنه، يسمع بها الحديث باي لغة يشاء من اللغات الرسمية، وهي الآن " الفرنسية"، و" الانجليزية"، و" العربية"، و" الاسبانية"و" الروسية..." فايا كانت لغة الخطيب، فان هناك اشخاصا يترجمون على الفور، الى كل لغة من اللغات المذكورة ...

*ثانيا-الترجمة التحريرية:
وتعني نقل مفهوم الكلام من لغة الى اخرى نقلا تحريريا في أي مجال من المجالات...
وفرق بين " الترجمة التحريرية" و" الشفوية": لان العبارة الشفوية مهما كان شانها لا تعدو ان تكون عبارة عابرة والترجمان الشفوي قلما يحاسب على دقة اللفظ وحسن اختياره، وهو مضطر عادة الى الإسراع، كيلا يعطل السامع والمتكلم أما الذي يترجم تحريريا، فانه عادة لا بد له ان يتوخى الدقة في النقل، حتى تكون الترجمة صورة صادقة بقدر الإمكان...(6)

* نشاطات الترجمة التحريرية:
أ-نشاط ديواني او مصلحي او صحفي:
اذ ان كثيرا من الهيئات يدخل في صميم عملها أن تتصل بهيئـات اجنبية، كما تتلقى رسائل بلغات اجنبية، ولا بد في كلتا الحالتين من الترجمة من لغة الى اخرى، ويدخل تحت طي هذا النشاط ، الترجمة المتصلة بحرفة الصحافة ، حيث لا تعدو نقل الانباء الخارجية، وهذا اللون من الترجمة لا يجد
ب- نشاط سياسي:
ويتناول الرسائل الخطيرة بين اشخاص ذوي خطر من أمثال: الملوك والرؤساء والأمراء والزعماء، وكثيرا ما يتطلب ترجمة هذه المراسلات اذا كانت بلغة غير لغة المرسل اليه...
ج- نشاط يتناول الآثار العقلية:
وهو الذي يتصل بامر ثابت على مدى الايام، ولذلك يجب ويتطلب في انجازه كثيرا من العناية والتأني ، لان الترجمة هنا تتناول بعض الآثار العقلية ، تلك الآثار التي يتألف منها التراث الثقافي لكل جيل من الناس...
هذا الطراز من الترجمة للآثار الفكرية هو الطراز الخطير، حيث انه يتناول المؤلفات التي ترجع الى جميع العصور قديمها وحديثها. والذي يعتبر اهم مظاهر النشاط للمترجمين في وقتنا هذا.
ومع ان ما يكتبه الكتاب وما يؤلفه المؤلفون لا يكون دائما من الآثار الباقية، والتي تستحق البقاء، فان المترجمين لا ينشطون لترجمة أي اثر الا اذا رئى انه يستحق البقاء ولو الى حين ...
وترجمة الاثار العقلية يطلق عليها بعض الكتاب:
(الترجمة الفنية)، نظرا لانها تحتاج –بحق –إلى خبير متمرس يقوم بترجمتها وفق نظام معين، فكم من كتاب ضاعت فائدته حين أسندت ترجمته الى شخص غير خبير بمادة الكتاب، فلم يستسغه القراء، ولم يستطع مترجم آخر ان يجازف بترجمته، لأن الكتاب من الوجهة النظرية قد ترجم فعلا، وملأ رفافه المكتبات، وسيظل في الأغلب الارجح متبوا على تلك الرفاف لا يبرحها...

* أقسام الترجمة الفنية:
ان ترجمة الكتب والمقالات والرسائل، مع اختلاف موضوعاتها، قد دعا الكتاب لان يكونوا شديدي العناية والحرص بهذا الضرب من النشاط، أسوة بسائر ضروب النشاط الفكري، ولذا فقد قسموا هذا اللون من الترجمة الى اقسام ثلاثة ناظرين الى ناحيتين:
الاولى: مادة الكتاب.
والثانية: طريقة الاداء والاسلوب.
واضعين في الاعتبار مؤهلات المترجم في كل قسم من الاقسام الثلاثة:
القسم الاول: ما كانت المادة اهم شيء في الكتاب، ويجيء الاداء والاسلوب في المرتبة الثانية كالمواد العلمية –مثلا- من رياضة، وطبيعية، وفيزياء، وهندسة، وكيمياء ...
وهذا اللون لابد لمن يتصدى لترجمته ان يكون على علم باصول العلم الذي ينقله وبمصطلحاته في اللغتين: المنقول عنها والمنقول اليها.
القسم الثاني : ما كانت مادة الكتاب في المكان الاول ، ونافستها في هذا المكانة : سلامة الاسلوب وطريقة الاداء ، ويدخل في هذا الباب : العلوم الاجتماعية والفلسفية، وكتب التاريخ والسياسة والتشريع...
ولا بد لمن يتصدى لترجمة هذا اللون: ان يكون اسلوبه رصينا، سهل التناول، بعيدا عن التعقيد والاغراب ، وان يكون ملما بالموضوع أي يترجمه المام الخبير به المحيط بجميع اطرافه.
القسم الثالث: ما كان جمال الأسلوب وحسن الاداء وروعة العبارة، من اخص مميزات الكتابة، الى جانب غلبة عنصر الخيال والابتكار عليه، وهذا بالطبع هـــــــــو " العمل الأدبي" الذي يشمل الشعر والنثر الفني والقصصي والمسرحيات والمقالات الادبية...

* الاثار الادبية... والترجمة:
والترجمة الادبية من اهم الموضوعات جميعا في الترجمة، لان الاثار الادبية تتبوا اعلى مكان في الحياة الثقافية والتراث الثقافي لكل امة، لذلك كانت ترجمة الاثار الادبية اهم واوسع نشاط في ميدان الترجمة كله، فهي الترجمة التي لابد للمترجم ان يتخير لها اللفظ، وان يعنى فيها بجمال العبارة كعنايته بنقل ما اشتملت عليه من المعاني: فالكلام الجميل، يجب ان ينقل الى كلام جميل.وما يحسه من يقرأ الاصل يجب ان يشابهه من يطالع الترجمة...
لذا كان على القائم بترجمة الاثار الادبية، ان يمتثل لما يلي: حتى ياتي بالثمرة من ترجمته:
1- ان يكون ادبيا راسخ القدم في التأليف الادبي.
2- يجب ان يكون ملما بالاصول السليمة للقيام بعمل الترجمة.
3- يجب ان يقرأ العمل الادبي جميعه.
4- محاولة نقل الاثار والامثال الى عبارات ادنى الى ذلك.
5- المحافظة على روح النص .(7)

ثالثا-الترجمة الآلية:
ازدادت اهمية الترجمة في السنوات الأخيرة واتسع دورها في المنظمات الدولية المختلفة التي تتطلب ترجمة الوثائق الحكومية المقدمة من الحكومات المشتركة بها الى لغات اخرى كما هو ملاحظ في "السوق الأوروبية المشتركة" التي تتفق اكثر من نصف ميزانيتها على الترجمة.ويحتاج العلماء الى ترجمة سريعة للتقارير ونتائج الأبحاث التي ينشرها اقرانهم بالبلدان الاخرى. كما تقوم وكالات الاستخابارات للعديد من الدول بترجمة كميات هائلة من الوثائق والمعلومات.
وتجد هذه المنظمات صعوبة في الحصول على المترجمين المؤهلين القادرين على ترجمة هذا الكم الهائل من المواد وليس ادل على ندرة المترجمين من قيام " هيئة الامم المتحدة" بتعيين مترجمي اللغة العربية وتدريبهم على نفقة " الأمم المتحدة" لعدم توافر المترجم الجيد الذي يمكن ان يمارس عمله فور تعيينه.وفي ظل عالم تحركه الاقتصاديات يصبح الامل في ان يقوم الحاسب بالترجمة اربعا وعشرين ساعة يوميا دون اجازة او علاوة حلما يستحق ان تنفق من اجل تحقيقه الاموال...
ومنذ ظهور الحاسب الرقمي "Digital Computer"في اواخر الاربعينات ، فكر علماء الحاسب في الاستفادة من سرعته الفائقة في البحث عن الكلمات وامكانية تخزين القواميس ثنائية اللغة فيه لعمل برمجيات للترجمة من لغة لاخرى...(8)
ولقد مرت برمجيات الترجمة الآلية منذ الخمسينات حتى الوقت الحاضر بمراحل وتطورات نجملها فيما يلي:
الجيل الاول -1946-1966:
تركزت المحاولات الأولى في " الولايات المتحدة" على الترجمة بين اللغـــــــــــــة " الروسية" و"الانجليزية"، وكان التصور لدى علماء الحاسب انه يمكن استخدام طرق حل الشفرات السرية اليت اعتمدت على تحليل تكرار الحروف والكلمات في عملية الترجمة الالية ، وكان القاموس ثنائي اللغة من اهم مكونات برمجيات الترجمة .وكانت عملية الترجمة تتم على النحو التالي: يدخل النص المطلوب ترجمته الى الحاسب الذي يقوم بمطالعة كلمات النص كلمة كلمة ويبحث عنها في اقلاموس وعندما يجدها يستخرج الكلمة المقابلة لها باللغة الأخرى ويضيفها إلى النص المترجم دون أي محاولة لفهم النص او حتى تحليله من الناحية الصرفية او النحوية او الدلالية، وكان الأمر لا يزيد في حقيقته عن كونه ترجمة حرفية أي كلمة بكلمة، على انه في بعض الاحيان كان ياتي بنتائج مشجعة.
فلنتصور -مثلا- أننا أدخلنا إلى الحاسب احد القواميس " إنجليزي –عربي"، وطلبنا من الحاسب ترجمة الجملة التالية:" Ali Left Cairo yesterday"سيبحث الحاسب عن الكلمة الاولى في القاموس ثنائي اللغة الذي سيتضمن بالطبع أسماء الأعلام وسيجد أمام كلمة Ali اللفظ العربي " علي" فيضع اللفظ العربي على راس النص المترجم، ثم يبحث عن الكلمة الثنائية وهكذا وعندما ينتهي يكون قد كون الجملة التالية:" علي غادر الى القاهرة أمس.
و" ليس من الصعب إدخال بعض المعلومات الى الحاسب، كوضع الفعل في اول الجملة العربية دائما، وبهذا نحصل على الجملة: غادر علي إلى القاهرة أمس.
ونظرا لان التجارب الاولية قامت على جمل محدودة مثل المثال الذي اعطيناه أعلاه، فقد تحمس العلماء لإمكانية بناء برامج لترجمة كافة النصوص، وتدفقت الأموال لتمويل العديد من الأبحاث في هذا المجال .
ونستطيع ان نوجز سمات المحاولات الأولى فيما يلي:
1- الاعتماد على القاموس الاكتروني ثنائي اللغة.
2- استخدام طرق حل الشفرات السرية.
3- اعادة ترتيب الكلمات.
4- اعتبار الكلمة هي الوحدة اللغوية الأساسية للترجمة.
5- عدم النظر في بنية الجملة لتحديد العلاقات النحوية المختلفة بين اجزائها.
6- كان من اهم المشاكل اللغوية هي الكلمات التي تنتمي لاكثر من نوع صرفــــــــي "Homographe".
7- عدم دراسة تأثير السياق على معاني الكلمات.
8- لم بكن للتحليل الدلالي دور في برمجيات الترجمة الآلية، وكانت التوقعات كبيرة جدا نوجزها فيما يلي:
1-ان يقوم الحاسب بعمل المترجم.
2-ان تكون دقة الترجمة بنسبة 95%.
3-سرعة فائقة للآلة.
4-ان تقوم الآلة بترجمة أي نص سواء كان نصا علميا او أدبيا.
الا أن العلماء فوجئوا بمدى تعقيد اللغة الإنسانية وكم المعلومات الهائل المستخدم في الترجمة.
فاللغة الإنسانية غامضة بطبيعتها ومعظم الجمل لها معان مختلفة ونحن لا ندرك هذا لأننا نسمع الجمل في سياق معين ونستخدم معرفتنا بالعالم كي نختار تلقائيا المعنى المقصود.
وقد ادرك العلماء فس الستينا استحالة قيام الحاسب بعملية الترجمة في ظل التقنية المتاحة في ذلك الوقت.ودارت تقارير العلماء حول القضايا التالية:
الفرضية الاولى : تتطلب الترجمة الجيدة حدا ادنى من فهم النص.
الفرضية الثانية: من الصعب جدا ان يقوم الحاسب بفهم النص.
الفرضية الثالثة: الترجمة الالية غير ممكنة.
ومن تم: صدر قرار " اكادمية البحث العلمي بالولايات المتحدة " في عام 1966 م بعدم جدوى البحث في هذا المجال ووقف التمويل.
الجيل الثاني –الثمانينات:
ويرى انه ان كانت الترجمة الجيدة تتطلب حدا ادنى من فهم النص الا انه لم يعد من الصعب الان ان يقوم الحاسب بفهم النص، بحيث اصبح من الممكن لدى الحاسب الالي ان يفهم النصوص اللغوية عن طريق استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي...(9)
ولقد توصل –مؤخرا- بعض علماء وخبراء الكومبيوتر لا يتعدى حجم حقيبة اليد الصغيرة .وذكروا انه يعتبر اول مترجم فوري نقال محمول في اليد يقوم بترجمة العديد من الجمل التي يسمعها من لغة معينة الى عدة لغات .
واشار هؤلاء العلماء الى ان هذا الجهاز لا يتعدى وزنه نصف كيلوغرام، ويعمل بالبطارية ،وتلحق به اشرطة صغيرة في حجم اليد، وكل شريط مختص بلغتين معينتين يترجم بينهما مثل :" الانجليزية والفرنسية"...
تستطيع ان تختار الشريط حسب اللغة التي تريد التعامل معها، وتضعه داخل الجهاز لتحصل على مترجم فوري رهن إشارتك...(10)
وقد استخدم في هذا الاختراع " علم الذكاء الاصطناعي "(11) خاصة في برامج الترجمة، وهو يعيد من أحداث العلوم المستخدمة في الكمبيوتر...

* مشكلات الترجمة:
اولا –مشكلات عامة:
1-عدم التناسب بين الفنون المترجمة:
فان هناك إسرافا في بعض النواحي، وتقصيرا في بعض العلوم ولا شك أننا بحاجة الى تنسيق جدي تحت اشراف هيئة مختصة، تعمل على الموازنة بين النتاج المؤلف والمترجم.
2-الترجمة الحرفية:
يحكى ان علماء" الاتحاد السوفياتي" اهتدوا الى صنع الة تتولى الترجمة فما عليك الا ان تضع الكلام الانجليزي في ناحية، فتخرج العبارة الروسية من الجانب الاخر... وقد اراد زائر انجليزي ان يختبرها بالمثل الانجليزي المشهور: "out of sight out mind" : أي البعيد عن النظر بعيد عن العقل ، فاذا بالالة الالكترونية تترجمه:" invisible Idiot: أي معتوه لا يرى ؟.ومع اننا نضحك من هذه الترجمة، الا أنها ترجمة حرفية في غاية الدقة، فالشيء اذا كان بعيدا عن العين فهو لا يرى، كما ان، كما ان الشيء البعيد عن العقل من معانيه : فقد الادراك، فهو اذن معتوه.
ولواردنا ان نترجم –وبخاصة الآثار الأدبية – بهذا الأسلوب الحرفي، لادى ذلك –لا محالة –الى قلب المفهوم في كثير من الاحيان .فالامانة في الترجمة –إذن – هي الامانة على المعنى أكثر مما هي أمانة على اللفظ.
غير انه من الممكن استعمال تلك الالة الحرفية في ترجمة الحقائق العلمية، وبذلك تعطي نتائج باهرة.
فضلا عن انه يمكن استخدام تلك الآلات في ترجمة المحادثات وغيرها بعد برمجتها بعلم الذكاء الإصطناعي، وبذلك تعطي المطلوب، كما وضحنا –أنفا –عند الحديث عن الترجمة الالية واخر التطورات التي وصلت اليها...
3-إسناد الأمر الى غير أهله:
من الغريب إننا لا نطالب البناء او النجار-مثلا- بان يصنع لنا ثوبا نلبسه، أو حذاء نحتذيه، ولكننا مع ذلك ربما كلفنا صحفيا من الدرجة المتوسطة ان يترجم كتابا فـــــي " الفلسفة" او " الادب" اعتمادا على معرفته اللغوية.(12)
4-الترجمة غير الامنية:
ونجد ذلك في ترجمات كثيرة من الكتب، حيث يقوم المترجم بنسخ صورة الكتاب عن طريق عدم نقله الكلام كما هو في الاصل المنقول عنه، بل واضافة اشياء في صلب الترجمة لم يذكرها صاحب الكتاب. ونرى ذلك بوضوح في ترجمة د.عبد الرحمان ايوب لكتاب: " اللغة بين الفرد والمجتمع": او " توجسبرسن"،حيث مصر الامثلة الانجليزية الواردة في الكتاب بل وجعلها بالعامية فضلا عن انه شوه صورة الكتاب بعدم النقل عما جاء في المصدر الاساسي.
5-وجود كلمات في لغات غير موجودة في العربية: وهنا يتعين على المترجم ان يترجم ترجمة جملية.
6-عدم فهم دلالات الالفاظ الشائعة:
وبذلك يجب على المترجم ان يكون عالما بدلالات القاموس وكذا الدلالات الشائعة، حتى لا يقع فيما وقع فيه مترجم (كامب ديفيد) حين ترجم لفظ " الخصم " بمعنى " العدو"، والمفروض ان يترجمها بمعنى " الطرف الآخر"، حيث ان الموقف يستدعي ذلك.
7-عدم سلامة اللغة:
فكثير من المترجمين لا يحسنون الكتابة بلغة الضاد، فنراهم يخترعون وينحتون كلمات لم نسمع بها ولم تعرفها اللغة العربية في كل مراحلها التاريخية، وكل هذا بسبب التأثر المباشر بالاساليب المترجمة، دون النظر الى الاصول والقواعد التي تفرضها طبيعة اللغة العربية.
وندرج هنا بعضا من التوجهات الخاطئة، التي نتجت بسبب جهل المترجمين بلغتهم الكريمة:
أ:-يقولون:" انتظرتك لساعتين".وهذا خطأ فاللام لا تدخل على الظرف، وهذا الخطأ ناتج عن الترجمة الفاسدة لجملة:
"I waited you for two hours" والصواب: انتظرتك ساعتين.
ب- يقولون:" كلما عمل، كلما ربح". وهذا خطأ، فلا يجوز تكرار الظرف الشرطي .
وهذا التركيب المخطوء جاء من الترجمة المخطوءة للجملة الانجليزية:"The more he works,The more he earns" والجملة الفرنسية:"plus il travaille,plus il gagne"والصواب :" كلما عمل، ربح". كقوله سبحانه وتعالى:(كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا)(آل عمران :37).
ج-يقولون: " في الوقت ذاته". وهذا خطأ، لان (ذات)ليست من الفاظ التوكيد المعنوي عند النحاة العرب، وحصل نتيجة ترجمته خطأ عن الجملة الانجليزية:"At The same time" والصواب: في الوقت نفسه.
هذا، وهناك اساليب تفوح منها رائحة العجمة واللحن، نحو " كم هو جميل " والصواب:" ما اجمله" أو "جميلة هي الحياة" والصواب " الحياة جميلة"، اذ لا يصح الابتداء بالنكرة.(13)
ثانيا-اشكالية الترجمة الالية:
1-لا يمكن ان تكون الكلمة هي وحدة الترجمة الاساسية ، بل لابد للترجمة ان تكون على مستوى الجملة والفقرة، فكثير من الكلمات تتحد معانيها من خلال ما يرد قبلها وبعدها من كلمات ، ولم يؤد الاعتماد على القاموس ثنائي اللغة الى حل مشكلة الترجمة اطلاقا، فاذا ادخلنا قاموس " المورد" الى الحاسب لكي تستخدمه مع برمجيات الترجمة الالية لترجمة الجملة التالية:"while driving down route 72,John swerved and hit a tree" فلو اخذت البرمجة تبحث عن معاني الكلمات في القاموس لوجدت امام كلمة يسيرة مثل"hit" ما لا يقل عن 12 معنى.والاشكالية هنا في كيفية اختيار المعنى المرادف لهذه الكلمة كما وردت في هذه الجملة بالذات، والسؤال المطروح هنا هو: ماهي القوانين التي يمكن ان يستبعد الحاسب على اساسها الاحد عشر معنى الاخرى لكلمة "hit"وماهي المعلومات التي تحتاج لادخالها الى الحاسب ليقوم باختيار المعنى الصحيح من بين البدائل المتاحــــة؟.(14)
والجواب فيما نرى:
1-انه ليس امامنا الا نظام الذكاء الاصطناعي، فعن طريقه كثير من تلك المشكلات.
2-يجب ان تحاكي برمجيات الترجمة الالية عملية الترجمة الالية عملية الترجمة كما يقوم بها الانسان.ويتطلب هذا فهم عملية الترجمة الانسانية فهما واضحا وسليمـــــــــا.(15)
3-يعتمد التقدم في الترجمة الالية على تقدم علماء اللغة في التحليل الدلالي، وخلق نماذج صورية للدلالة، يمكن للحاسب ان يستخدمها، وادرك علماء اللغة جيدا صعوبة ودقة البحث في هذا المجال، كما يدركون ان التقدم فيه يسير ببطئ شديد.
4-لا يقتصر فهم النصوص اللغوية على المعنى الدلالي، فالمترجم يعتمد على فهمه للحياة ومعلوماته عن العالم، بل ويستخدم قدرته على فهم المحاجاة وتتبع المناقشات، والوصول الى الاستنتاجات السليمة ولهذا فان تقدم الذكاء الاصطناعي مجال تمثيل المعرفة "Knowledge Representation" وبرامج الاستنباط "Inference Engines"من برمجيات الترجمة الالية...(16)

توصيات :
مما سبق انه من الواجب على المسؤولين في العالم العربي، تكثيف الجهود، ولم الشمل والتنسيق، نظرا لمكانة الترجمة الضرورية في عصرنا الذي نعيش فيه، ولذا يجب ان يفكر جديا فيما يلي:
أ-التوسع في إقامة معاهد لدراسة وممارسة فن الترجمة على أيدي أساتذة متخصصين في هذا المجال.
ب-إنشاء مكتب لتسجيل كل ما يترجم في كل بلد عربي، منسقا بين الفنون المترجمة.
ج- إقامة هيئات علمية خاصة في كل قطر عربي، تقوم بترجمة أمهات الكتب العلمية القديمة والمعاصرة في مختلف اللغات والتخصصات.(17)
د- توجيه الدعوة إلى جميع المترجمين إلى الاهتمام –أولا وأخيرا-بسلامة لغة القرآن الكريم، نحوا وصرفا ولغة ورسما، وعدم الأخذ بالأساليب والتراكيب التي تشوه جمالها وعظمتها.(18)
هـ- ينبغي تشجيع الأبحاث في مجال الترجمة الآلية في العالم العربي.(19)
وبذلك يمكن أن تؤدي الترجمة رسالتها في الحياة على أكمل وجه، وبأفضل صورة، ومن الله العون والتوفيق.

(1) لمزيد من التفصيل راجع :" الادب وتاريخه في العصرين الاموي والعباسي ": د.علي محمد حسن العماري، والاستاذ زكي علي سويلم، ص61.62، ط ، الادارة العامة للمعاهد الازهرية سنة 1398هـ،ومجلة (الكويت) العدد (60)، ص: 14 ، مقال :" تاريخ العلم عند المسلمين " للمؤلف.
(2) " ابن المنظور":" اللسان "، مادة (ترج)، ص: 426 ، تحقيق " عبد الله علي الكبير" واخرين، ط ، دار المعارف.
(3) د." محمد عوض محمد": " فن الترجمة "، ص:18، 19، ط قسم البحوث والدراسات الادبية التابع لمعهد البحوث والدراسات العربية-جامعة الدول العربية سنة 1969م.
(4) مثل إطلاق كلمة الولد على الرجل عند السعوديين
(5) "د.علي فرغلي": الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية"، مقال منشور في مجلة " عالم الفكر "- مجلة فصلية تصدر عن وزارة الاعلام الكويتية-المجلد الثامن عشر-العدد الثالث-اكتوبر –نونبر –دجنبر 1987م، ص: 141
(6) د" محمد عوض محمد":" فن الترجمة"، ص:13-15-بتصرف-، ط.قسم البحوث والدراسات الأدبية التابع لمعهد البحوث والدراسات العربية-جامعة الدولة العربية سنة 1969 م.
(7) المرجع السابق : ص:15-17، 19-33، فراجعه تجد مزيدا من التفصيل.
(8) "د. علي فرغلي ": " الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية ".مقال منشور في مجلة " عالم الفكر "-المجلد الثامن عشر- العدد الثالث –اكتوبر –نونبر-دجنبر -1987 ص: 129-130 .
(9) المرجع السابق :ص: 130-132-بتصرف.
(10) "عفت السلمي": " مترجم متحرك يصاحبك في رحلاتك حول العالم"، مقال منشور بمجلة " العربي الصغير "-مجلة شهرية تصدر عن وزارة الاعلام اتلكويتية-العدد 27-السنة الثالثة-ابريل 1988م، ص:28 –بتصرف يسير.
(11) يختلف علماء الذكاء الاصطناعي في تعريفهم لهذا العلم ، فينظر " ونستون" اليه كاحد العلوم التطبيقية ويحدد الهدف الرئيسي للبحث في علم الذكاء الاصطناعي بانه جعل الحاسبات الالية اكثر ذكاء ونفعا للانسان، ويرى ان الهدف الثانوي هو فهم الذكاء الانساني، بينما ينظر " شارنياك"و ماك درموت" الى الذكاء الاصطناعي باعتباره علما اساسيا يسعى لتفسير ظاهرة انسانية ، هي ظاهرة قدرات العقل البشري، ويحددان هدف البحث الرئيسي في علم الذكاء الاصطناعي بانه يسعى لدراسة القدرات العقلية الانسانية من خلال برامج الحاسب الالي تحاكي هذه القدرات.
"د.علي فرغلي" الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية" مقال منشور في مجلة " عالم الفكر "- المجلد الثامن عشر – العدد الثالث –اكتوبر-نونبر-دجنبر 1987م، ص:120.
(12) "د علي عبد الواحد وافي": " فقه اللغة"، ص: 242،243، ط، دار النهضة مصر.
(13) " عباس هاني الجراخ": " الترجمة الفاسدة واثرها في سلامة اللغة العربية:.كلمة منشورة في مجلة :(الفيصل)، العدد (16)- شوال 1408 هـ، ص: 112،113- بتصرف.
(14) "د.علي فرغلي": "الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية".مقال منشور في مجلة "عالم الفكر"-المجلد الثامن عشر-العدد الثالث،ص :132.
(15) المرجع السابق:ص:134، فراجعه تجد مزيدا من التفصيل.
(16) المرجع السابق :134،135
(17) نقلا عن: توصيات مؤتمر الدورة الثانية والخمسين لمجمع اللغة العربية بالقاهرة .لمزيد من التفصيل انظر :" اخبار التراث العربي"(نشرة يصدرها معهد المخطوطات العربية في الكويت ) العدد السابع والعشرون، محرم –صفر 1407هـ.
(18) "عباس هاني الجراخ:" الترجمة الفاسدة واثرها في سلامة اللغة العربية".(الفيصل) ، العدد(136)-شوال 1408 هـ، ص: 113.
(19) "د.علي الفرغلي ": " الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية "، مجلة " عالم الفكر " عدد اكتوبر –دجنبر 1987م، ص: 142.




دعوة الحق
العدد 366 صفر 1423/ أبريل 2002

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى