ناصر الجاسم - العمياء

في البدء :
" لو نعلم ماذا تفعل أيادي الآخرين في الخفاء لما صافحنا أحداً "

انتهت من إعداد طعام العشاء , عمرت المائدة بأطايب الطعام , تذوقته مرارا قبل إنزاله من على النار , حرصت على أن تكون نكهته شرقية خالصة فطعمته بحبات الهيل والكازو والدارسين والصنوبر والتوابل التي يحبها , كنست المنزل وبخرته , تشككت في رائحة حمامه فجعلت أعواد الصندل تقيم طويلا مشتعلة فيه وأغلقت له الباب , أضاءت أنوار المنزل كلها وهيأت اسطوانة لمحمد زويد يحب سماعها, تشممت إبطيها فوسوست لها نفسها بإعادة الاستحمام , وقفت تحت الماء ثانية وحكت جلدها بالخشف حتى أحمر , تلمست بأصابعها بخجل مايكره الرجل وجوده في جسد المرأة حتى اطمأنت لحالها وخرجت من الحمام لتجلس أمام المرآة ,مشطت شعرها وصيرته جديلتين طويلتين تنتهيان عند ركبتيها, أخذت الإبرة وبلت الخيط الأسود بلسانها وراحت تشك أعواد الريحان الطرية في عقد جديلتيها تبلذذ وتغني مع محمد زويد :
قومي ارقصي وارفعي البوشية خليني أروي ضامري العطشاني
حين فاحت رائحة الريحان في غرفتها واصطبغ بها جسدها شرعت تلوك أعواد الديرم لتعطر فمها وتطلي شفتيها ليأنس بمظهرهمها , اختارت من على الحبل ما امتدحه كثيرا , تذكرت جمل الغزل التي صاحبت لبسها له ,دارت حول المرآة أكثر من دوره وتمددت على فراشة تنتظره , تغالب النوم ويغلبها ثم تستيقظ مخافة العيب وغضبه حتى هدها التعب ونامت , انتبهت لحرارة جسد بجانبها فاستيقظت مرتبكة , دارت حرجها منه فقعدت تأدبا , كانت تود أن تقول شيئا فوضع يده على فمها وأعادها إلى وضع النوم ’ قرب أنفاسها من أنفاسها فاستنشقت بعمق رائحته ثم مدت يديها تتحسس وجهه وصدره وعضديه بأصابعها المندية عرقا فكانت صرختها التي أفزعت جيرانها ...


الثلاثاء 31/9/1996 م
- العيون

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى