محمد أسعاف النشاشيبي - نقل الاديب

610 - هذا حسن، هذا مستوفي

في (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي:

جرى ذكر حديث الذكور والإناث، فقال الوزير: قد شرف الله الإناث بتقديم ذكرهن في قوله عز وجل: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) فقلت: في هذا النضر؛ فقال: ما هو؟ قلت: قدم الإناث - كما قلت - ولكن نكر، وأخر الذكور ولكن عرف، والتعريف بالتأخير أشرف من النكرة بالتقديم. قال: هذا حسن قلت: ولم يترك هذا أيضاً حتى قال: (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) فجمع الجنسين بالتفكير مع تقديم الذكران، فقال: هذا مستوفي.

611 - وإلا فغير ذلك الاسم واشرب

في (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) لياقوت:

قال أبو الفضل جابر بن زهير: كنت عند أبي محمد القاسم الحريري البصري بالمشان أقرأ عليه المقامات، فبلغه أن صاحبه أبا زيد المطهر بن سلام البصري قد شرب مسكراً، فكتب إليه:

أبا زيدٍ أعلم أن من شرب الطلا ... تدنس فأفهم سر قولي المهذب
ومن قبل سميت (المطهر) والفتى ... يصدق بالأفعال تسمية الأب
فلا تحسها كيما تكون مطهرا ... وإلا فغير ذلك الاسم وأشرب

فلما بلغته هذه الأبيات أقبل حافياً إلى الشيخ أبي محمد، وبيده مصحف، فأقسم به ألا يعود إلى شرب مسكر. فقال له الشيخ: ولا تحاضر من يشرب.

612 - فما تم إلا والغمام قد انقضا. . .

قال المحسن بن التنوخي في معنى طريف لم يسبق إليه:

خرجنا لنستقي بيمن دعائه ... وقد كاد هُدب الغيم أن يبلغ الأرضا
فلما ابتدا يدعو تقشعت السما ... فما تم إلا والغمام قد انقضا

613 - حاجة الأديب إلى كل علم في (وفيات الأعيان): حكى أبو محمد إسماعيل بن موهوب الجواليقي (الأديب للغوي) وكان أنجب أولاده قال: كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس يقرءون عليه، فوقف عليه شاب: وقال: يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما وأريد أن تسمعهما مني وتعرفني معناها، فقال: قل، فأنشده:

وَصْلُ الحبيب جُنان الخلد أسكنها ... وهجره النار، يصليني به النارا
فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

قال إسماعيل: فلما سمعهما والدي، قال: يا بني، هذا شيء من معرفة علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الأدب. فأنصرف الشاب من غير حصول فائدة، واستحيا والدي من أن يسأل عن شيء ليس عنده منه علم، وقام وآلي على نفسه ألا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر فنظر في ذلك وحصل معرفته ثم جلس.

ومعنى البيت المسئول عنه أن الشمس إذا كانت في آخر القوس كان الليل في آخر الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف؛ وإذا كانت في آخر الجوزاء كان الليل في غاية القصر لأنه آخر فصل الربيع. فكأنه يقول: إذا لم يزورني فالليل عندي في غاية الطول، وإن زارني كان الليل عندي في غاية القصر.

614 - الأشراف والعقلاء تعجبهم الملح

في كتاب (التطفيل) للخطيب البغدادي أنشد محمد بن عمران قاضي المدين، وكان من أعقل من رئي من القرشيين:

يا أيها السائلُ عن منزلي ... نزلت في الخان على نفسي
يغدو على الخير من خابر ... لا يقبل الرهنَ ولا ينسى
آكل من كيسي ومن كسرتي ... حتى لقد أوجعني ضرسي

فقال لمنشدها: اكتبني هذه الأبيات فقال له، أصلحك الله، أن هذه لا تشبهك. فقال له: ويحك! أن الأشراف والعقلاء تعجبهم الملح.

615 - اسمع يا شيخ

قال أبن الباقرجي: بت ليلة متفكراً في قلة حظي من الدنيا فرأيت مغنياً يغني فالتفت إلي وقال يا شيخ.

أقسمت بالبيت العتيق وركنه ... والطائفين ومُنزل القرآن
ما العيش في المال الكثير وجمعه ... بل في الكفاف وصحة الأبدان

616 - ما قطعت شيئاً قط

في (تاريخ بغداد) للخطيب: قال أحمد بن أبي طاهر: كنت يوماً عند علي بن عبيدة الريحاني فورد عليه كتاب: (أم محمد ابنة المأمون) فكتب جواب الكتاب، ثم أعطاني القرطاس فقال: أقطعه.

فقلت: وما لك لا تقطعه أنت؟!

فقال: ما قطعت شيئاً قط.

617 - توجه إلى ثيابك. . .

قال رجل لبعض الفقهاء: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل، أتوجه إلى القبلة أم إلى غيرها؟

قال: توجه إلى ثيابك التي نزعتها لئلا تسرق. . .

618 - غري بذا من ليس ينتقد

قال يحيى بن حكم الملقب بالغزالي:

قالت: أحبكَ: قلت: كاذبة ... غرْي بذا من ليس ينتقد
هذا كلام لست أقبله ... الشيخ ليس يحبه أحد
سيان قولك ذا وقولك (م) ... أن الريح نعقدها فتنعقد
أو أن تقول: النار باردة ... أو أن تقول: الماء يتقد

619 - . . . دعهم

في (إعلام الموقعين عن رب العالمين) لأبن قيم الجوزية، سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية (قدس الله روحه ونور ضريحه) يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن صلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم. . . . . .

620 - ولع النساء بخطوط العظماء

في (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) سأل أمير المؤمنين عبد المؤمن بن حفصة بنت الحاج الزكوني يوماً أن تنشده، فقالت ارتجالاً:

يا سيد الناس يا من ... يمل الناس رفده
أمنن علي بطرس ... يكون للدهر عُدَّه
تحظ يمناك فيه: ... الحمد لله وحده

أشارت بذلك إلى العلامة السلطانية فإن السلطان كان يكتب بيده في رأسي المنشور بخط غليظ (الحمد لله وحده) فمن عليها وكتب لها بيده ما طلبت

621 - كرديد ونكرديد

في (شرح النهج) لابن أبي الحديد: كان سليمان من شيعة علي (عليه السلام) وخاصته، وتزعم الإمامة أنه أحد الأربعة الذين حلقوا رؤوسهم وأتوا متقلدي سيوفهم في خبر يطول وليس هنا موضع ذكره. وأصحابنا لا يخالفهم في أن سلمان كان من الشيعة وإنما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك. وما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة: (كريد ونكريد) - محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئاً وما صنعتم: أي استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم؛ إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت، فلو كان الخليفة منهم كان أولى والأمامية تقول: أسلمتم وما أسلمتم، واللفظة المذكورة في الفارسية لا تعطي هذا المعنى وإنما تدل على الفعل والعمل لا غير. ويدل على صحة قول أصحابنا أن سلمان عمل لعمر على المدائن فلو كان ما تنسبه الأمامية إليه حقاً لم يعمل

622 - وإن أبغضها أنصفها

قال رجل للحسن (البصري) إن لي بنية فمن ترى أن أزوجها؟

قال: زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها، وأن أبغضها لم يظلمها.

وقال: بعضهم، وهو يشبه قول الحسن - لا تزوج كريمتك إلا من عاقل، فإن أحبها أكرمها وأن أبغضها انصفها.

623 - ما خطر العدل على بالكم

يحيى السرقسطي:

نسبتم الظلم لعمالكم ... ونمتُم عن قبح أعمالكم
والله لو حُكمتُمُ ساعة ... ما خطر العدل على بالكم



مجلة الرسالة - العدد 603
بتاريخ: 22 - 01 - 1945

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى