محمد النجار - الجثث النافقة.. قصة قصيرة

أبحث عن جثتي العالقة في مستنقعات البرك المتخمة بهياكل الكائنات النافقة، أتعثر بمخيلتي فأجدني فاقدًا الوعي، طريحًا لطين لزج، وسرب من زريعة الأسماك تلهوا بين ثقبيّ أذناي كمستقر يغمره الدفىء، غنيّ بطعام من صلصال لصمغ داكن اللون يميل إلى الصفرة، إنذار مفاجئ يباغت موضع السرة تئزّ أزيزًا لسطوة عنق زجاجة حاد يوخز حفرتها فتنفتق عن وريدها، يتبخر ماء البركة ليصير طينًا ممزوجًا.

بدماء، تشاطرني الجثث النافقة من حولي صراع الوجع المكتوم، يربتون علي كتفي بابتسامة طينية تكسوها قرمزية النزيف المتقاطر أفواجًا مثملاً بسيل لصور تهزوا على حافة شريط سينمائي، يبدأ بفيلم الأرض ومشهد النهاية لمحمد أبو سويلم على أوتار عزف الناي وبكاء الجندي أحمد سبع الليل في البرئ، تمتص العدسات النابتة من بؤبؤ عيناي ابتسامتهم، ينفرج عصب الرؤيا عن فخذيه، تنعكس صورهم، يتراءى نزيفهم المتجدد بجزيئات نزيفي.

لم يكن للجثث النافقة أن تصحوا من نومها لولا عنق زجاجة ماردة أشعلت الطين بثقاب أزاح ركوده الآثن لتطفوا الجثث علي أقدامها شامخة الرأس، شاخصة الأعين، تنفذ من قرنيتها بصيص ثأر مرتقب.. جثة تهرول صوب السطح تبحث عن قاتل حلمها لإنشاء المعمل البيولوجي للحياة علي كوكب المريخ، وجثة تلحق بالأولى متشبثة بذيلها مصوبة سهامها لأفئدة أهدرت دماء وليدها، جموع الجثث تبحر برداء من بداوة غير منظمة نجاة من جحيم الطين والصمت المصلوب علي رأس ألسنتهم، فقط.. لم يصنعوا زورقا للإبحار، تهاوت جثثهم برفقة السطح ولزوجة الطين أسفل أقدامهم، عادوا للطين برفقتي جثثا نافقة لا تلهوا بآذانهم زريعة الأسماك كما تلهو مرحًا وعبثا بأذناي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى