مبارك وساط - تُزعجني قََصَّة شَعْرِك

1- رَجُلٌ مََقْرُور ـ

تُزْعِجُني قَصَّةُ شَعْرك يا نجمةُ
إنّ لها رائحةَ نعجة مُبلَّلة
لا أحبُّكَ يا قمرَ هذه الليلة
فأنت لا تتفوّه إلا
بكلماتٍ نابية
ومن حسن الحظِّ أن الذين يحشِمُون بِشِدّة
هُمْ إِمَّا صُمّ
أو يَغُطّون في نَوْمِهِمْ
أمّا أنتِ يا مُقَشَّرة الدِّهان
يا ذاتَ الجدران المُصابة بِالهذيان الرُّعاشيّ
يا عجوزا مُعَلّقة
تثلج من أخمص قدميها
يا غُرفتي
فجوفك بحر بارد
ماؤه من دخان سجائري ونظراتِ
تعجُّبي
وأنا، متى استطعتُ أن أُغَافل
بَرْدَك، سأهجُرُك
وأمضي
منزلقًا على ابتساماتِ حمائمَ صديقَة
حتّى هونولولو
ففي هونولووووولو
القدّاحات الجَميلات
يُبَادِرْنَ إلى الرّقص للوافد الجديد
والمدافئ الكهربائيّة تعيش صامِدةً
وتموت واقفةً
وإذا شعرتَ بالغربة
في هونولووووووولو
يمكنُك، بحركةٍ من رأسك
أنْ تُحيِّيَ نفسك، فتشعرَ بدفءٍ
إنسانيٍّ عظيم
حقًّا، قد يحدثُ في هونولووووولو
أن أبِيتَ ليلةً ما في فندق
ناقصِ التّدفئة
فتُطِلَّ عليّ القشعريرة بعينيها اللماعتين
من النّافذة التي أكون نسيتُ
إغلاقها جيِّدًا
لكنْ سرعانَ ما ستلْحَقْنَ بي
يا حليفاتي الحمائم
وبضرباتٍ من مناقيركنَّ ذوات
البأس والبسمات
تُكَبّدن عصابات البرد اللعين
أفدحَ الخَسائر

2- قَدَمٌ مَنْسِيَّة

كان عندي كتابٌ نادر: 'كيف تُصبح بَرمائيا في خمسة أيام'، أبي أحرقه لأنّه، حسبما قال، لم يكن يحبّ السّلاحف وأشباهها.
إثرها، غادرت البيت مغضبًا، وتخفّيت شهورًا في تنهيدة امرأة.
ثمّ نفختُ في صبيحة فصيّرتُها بالونا لعبتُ به زمنًا وعثرتُ على أقدم طحلب في التّاريخ تحت قدم قديمة جدّا ومنسيّة في حقل، فتركتُها تركل ذلك البالون وتُنجِز المراوغات.
قلتُ في نفسي لعلّها قدم أبينا آدم التي كان ركل بها تفّاحة الجنة ليُصَيّرها بالونا وهي حقًّا تستحقّ أن تكون قدم لاعب كرة قدم مُحترف يُهاجم ويُسَجّل الإصابات في الجنّة.
ثمّ عدت. في اليوم نفسه أصلحتُ ذات البين مع العائلة. أَدْهَشَنِي، فَحَسْب، أنّ القِطّ لم يَبْقَ منه غير شبحه.
وفي الفجر المُوالي، كنتُ في وسط المدينة مع الذين يقذفون أحجارا صوبَ حارس السّاحة التي خصّصَتْها الحكومة لانتحار المجانين.
هذه المغامرات، لعلمكم، حُفِظتْ في أرشيف الرّيح، هنالك خلف جبال الهملايا.

3- تَخْدير ـ

ضحكاتٌ كثيرة تعلو وتخفت تحت جِلد البحر
حيثُ سمعتُها
كنت قد تركتُ رسالةً قبل أن أمضي لأغرق
أن تحيا غريقا: تجربة أثارتني
منذ أن قرأت صفحات في كتاب:
'كيف تصبح برمائيا في خمسة أيام'
لكنَّ العيشَ تحت الماء كان يُنذر
بأنْ يكون قصيرًا
وَوَحْدَها رغبتي في العودة لتصحيح
تعابيرَ في رسالتي، أنقَذَتْني
إذ جعلَتْنِي
أَصْعَدُ بوثبةٍ من
قعر بعيد
الآن، وقد عدتُ، سأبقى في غرفتي
وأنعمُ بالهناء العادي الذي أَشْعر به
وأنا نَاشفٌ تحت ثيابي الأليفة
بَلْ، من باب الاحتياط، سأحقُنُ بالمُخَدِّر سُرّة هذا المساء
حتّى ينامَ ويكفَّ عن ذَرْفِ قطرات مَطَرِه
عَبْرَ نافذتي
قطراتِ مطره الَّتِي تريد أن تَسْقُطَ على رأسي
حتّى تُسَرِّب إليه
فِكْرَةَ العَيْشِ تَحْتَ جِلْد
البحر

4- شؤون عائليّة ـ

ماتتِ الخالة الكبيرة، بعدعُمر مديد، وبعد انقطاع المطر
النُّدوب العريضة السّوْداء التي كانت في يديها انتقلتْ
إلى جُدران غُرفتها
مُهْرَتها الصَّغيرة لبثتْ على دُهْمَتِهَا
الطّائر الذي قضى في رُفْقَتها أيَّامَها الأخيرة
ومات معها أيضًا
بقيتْ منه رفرفةُ جَناح
تجوسُ تحت السَّقف ووحدَها ابنةُ الخالة
تراها
ابنة الخالة، الحَرِيصَة
على ابتسامات
صغارِ الأُسْرَة وكثيرا ما تنقشها
على خواتم
ونحن الذين حملنا التَّابُوت ومضينا
صَوْبَ المقبرة سيفوتنا
البيع والشّراء في السّوق الأسبوعي
لكنْ سَتُرَافِقُنَا المُهْرَة الصَّغيرة
وتَنْسُجُ لنا الأماني
بِالْحَمْحَمَات

* القدس العربي
2013-01-10

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى