ديوان الغائبين ديوان الغائبين : فؤاد محمد أحمد - مصر - 1902 - 1937

ولد فؤاد محمد أحمد في مدينة بلقاس (محافظة الدقهلية - مصر) وتوفي فيها.
عاش حياته في مصر وفرنسا.
تلقى بعض دروسه الخاصة في الصغر، ثم التحق بمدرسة الناصرية الابتدائية (القاهرة) لينال شهادة إتمام الدراسة بها عام 1918، ثم بمدرسة التحرير بالظاهر (القاهرة) ليحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية بها - (قسم أول) عام 1921، كما حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية - (قسم ثان) أدبي عام 1923، وفي عام 1927 التحق بمدرسة الحقوق الملكية فنال إجازتها في العلوم القانونية.
عمل محاميًا، فأحرز شهرة واسعة، ومركزًا اجتماعيًا مرموقًا بين الناس، وعُرف بإخلاصه في العمل.
كان لنشأته الاجتماعية والثقافية المتميزة أثرها البالغ في تكوين شخصيته، حيث استثمر أبوه مفردات حياته المترفة في العناية به وحسن تربيته، وكان لزياراته المتكررة إلى أوربا أثر في دراسته لآداب اللغتين: الإنجليزية والفرنسية.

الإنتاج الشعري:

- له ديوان «الفؤاديات» مطبعة هيئة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة 1938.
شاعر وجداني غزل، جلّ شعره يدور حول المرأة التي تتراوح علاقته بها بين الرغبة في تحقيق الوصال وعذابات الهجر. به نزعة إنسانية تتبدّى في إحساسه بالآخر التعس. يغلّف شعره حزن شفيف، وشعور ممض بدنو الأجل، يميل إلى التأمل واستخلاص العبر، بعض موضوعاته تتميز بالطرافة. كتب المطارحات الشعرية الإخوانية، وله في التشطير . لغته سهلة متدفقة، وخياله رحب.

مصادر الدراسة:

1 - خير الدين الزركلي: الأعلام (ط 9) - دار العلم للملايين - بيروت 1990.
2 - عبدالقادر يوسف شهاب الدين: مقدمة ديوان المترجم له.
3 - الدوريات: مجلة الثقافة - مجلة أسبوعية للآداب والعلوم والفنون - لجنة التأليف والترجمة والنشر - العدد 52 - مصر 1939.

[frame="1 98"]

مناجاة القمر


يا بدرُ ويحَك هل تطلُّ على الورى
بجمالِك المعهودِ غيرَ مُبالِ؟
والناسُ من ذلِّ الحياة وهمِّها
أيامُهم قد بُدِّلت بليال؟
يا بدرُ قد ذكَّرْتني بمواقفٍ
ولَّتْ، وعهدٍ لي قديمٍ بال
يا بدر كم شاركتَني في لذَّةٍ
وبسطْتَ نورَك فوق عرش خيالي
وكشفْتَ عن وجهٍ جميلٍ مشرقٍ
ومزجْت حسنًا فائقًا بدلال
وعرفتَ أسرار القصور وما حَوَتْ
من فاتنٍ، أو عاشقٍ، أو خال
والآن خبِّرني أتَطْلع في غدٍ
وتفيض نورًا فوق خِلٍّ سال؟
أو فوق محزون الفؤاد معذَّبٍ
قاسَى الصعاب ولم يفزْ بوِصال؟
يا بدر لا تطلعْ بحقِّ مودَّتي
إلا على أملٍ من الآمال
يا بدرُ ما لي غيرُ وجهكِ سلْوةٌ
فاسمعْ لقولي واستجبْ لسؤالي
يا بدر خبِّرْني عن القوم الألى
نقضوا العهود وقطَّعوا أوصالي
يا بدر أنت على القلوبِ مُطَلَّعٌ
فتِّشْ هنالك عن قتيل نِبال
وابحثْ هنالك عن أسيرِ صبابةٍ
أمسى رهينَ شماتةِ العُذّال
قل لي: أدمعُ الليل؟ أم هي دمعةٌ
أرسلتَها؟ أم هل رثيتَ لحالي؟

[/frame]


[frame="2 98"]

القسم

قسمًا بثغرِكِ والعيونِ السودِ
ما خنتُ يومًا في الغرام عهودي
لكنْ وأدتُ الحبَّ بين جوانِحي
يا لوعتي من ذلك الموؤود
وحملْتُه فردًا، وعشْت معذَّبًا
وقَبلتُ كلَّ تدلُّلٍ وجمود
وكتمتُ أشواقي سنينَ عديدةً
وصبرت صبرَ اليائس المنكود
حتى خشيتُ عليكِ عاقبةَ النوى
أنْ تأخذيني في ثياب صدود
فبحثتُ عن قلبي وكنت فقدْتُه
بين المواجع والليالي السّود
وبعثتُ أنفاسي، وإثْر بريقِها
فتَّشْتُ حتى عُدت بالمفقود
وأخذت أرقب فرصةً أحظى بها
حتى حظيتُ بيومك المشهود
إن أنسَ لا أنسَ غداةَ لقيتني
في مأمنٍ من عاذلٍ وحسود
وتنهُّداتٍ منك تتلو بعضها
وتأوُّهاتٍ مثل دقِّ العود
وأجبْتِني من بعد صمتٍ قاتلٍ
بكُليْمةٍ معسولةٍ بوعود
قلبي وقلبك في الغرام تعاقدا
كفِّي وكفّك والسماءُ شهودي
فلئن سمعتِ بأنني متنقّلٌ
فسلي غرامك كيف فَكُّ قيودي
ماذا جنيتُ فتَفْتُكين بمهجتي
وتقلِّبيني من أسًى لجحود
إني سئمتُ من التباعُد والجَفا
ومرضتُ، هلاّ للمريض تعودي؟
والآنَ أختم ما أقول مرددًا:
جودي بوصلِكِ يا حبيبةُ جودي

[/frame]

[frame="1 98"]

حاولت

حاولتُ إخفاءَ الهوى فعصاني
قلبي ودمعي، ناظري ولساني
ما كنت أعهدُ قبل حبِّكِ أن أرى
نفسي رهينةَ ذلَّةٍ وهوان
يا من تَخِذتِ من الجمال صوارمًا
رُحماكِ يا ذات الجمال الجاني
دمعي يسيل وأنت دمعُكِ جامدٌ
والقلبُ عندك قُدَّ من صوّان
هاتي فؤادي واتركيني خاليًا
أو بادليني بالهوى الرّوحاني
يَهْنيكِ أنك في الحياة سعيدةٌ
يهنيك أنك قد ملكْتِ جَناني
ويحي، أأطلب ودَّها فتصدُّني
وأنا الذي بين النجوم مكاني؟
سُحقًا لهذا الحب، بُعدًا للتي
ظنَّتْ هواها مُشْعِلاً نيراني
فأنا العزيزُ، أنا المنيع، أنا الذي
لا يعتدي حبٌّ على سلطاني

[/frame]


[frame="3 98"]

حلم لذيذ

حنَّت عليَّ بنظرة استملاحِ
وغدَتْ تبادلني كؤوسَ الرَّاحِ
حتى ثملتُ فما عرَفتُ أنشوتي
من ثغرِها أم من سنا الأقداح؟
حوريّةٌ لو أنها مرَّت على
دار الجريح غدا بدون جراح
حسناءُ قد زان العفاف جمالَها
طهرًا فصارت فتنةَ الأرواح
حلَّت بقلبي واستحلَّتْ من دمي
ما لا أطيق بلحظِها السفّاح
حاولت أن أُخفي هواها في الحشا
ولبثْتُ أعوامًا رهينَ كفاح
حملتْ عليَّ إذًا بسحر سكوتِها
وأنينِها وبطرفِها الفضّاح

[/frame]


[frame="1 98"]

هذي جروحي!

هذي جروحيَ من دامٍ ومُندملِ
ما أضيعَ المرءَ بين اليأس والأملِ
أصبحتُ حيرانَ لا قُرْبي يُعلِّلني
ولا فراقي على وجدي بمحتَمَل
ألقيتِ في اليمِّ عرضي غيرَ راحمةٍ
وكنت أخشى على عرضي من البلل
وهاجَني منكِ أن أُرمَى بلا سببٍ
بخادعٍ ماكرٍ يُغويك بالحِيَل
فاستغفري الله من ذنبي وما غرسَتْ
يداكِ في مهجتي من أروع العلل

[/frame]

[frame="2 98"]

القبلة الحارة

يا قلبُ كيف جمعتَ وقتَ عِناقِها
نارَ الهُيام وجنَّةَ التقبيلِ؟
ومزجتَ بين حلاوةٍ ومرارةٍ
رشْفَ الرُّضابِ وحَسْرتي لرحيلي
يا عقلُ كيف بقيتَ بعد فراقها
وأنرتَ في الليل البهيم سبيلي؟
واسطعْتَ أن تلقى سعادةَ ضمِّها
بعد القنوطِ وبعد طول عَويلي؟
في لحظةٍ نفرتْ وعادت بالرِّضا
كيف استطعتَ تحمُّلَ التحويل؟
عادت إليَّ وسلَّمتْ لما رأتْ
ذلَّ الغرام يُصيب غيرَ ذليل
العطفُ والإشفاق من أخلاقها
واللهُ ميَّزها بكلِّ جميل
يا طَرْفُ قل لي: هل رأيت جمالها
وقتَ العناق وساعةَ التدليل
أم هل بُهِرتَ فما نظرت لحسنها
وشُغلتَ بالتكبير والتهليل؟
الله أكبرُ والعيونُ تقابلتْ
والدمعُ للأحباب خيرُ دليل
والقلبُ يخفق واللسان معطَّلٌ
والثغر يلهو باللّمَى المعْسول
قالوا شفاؤك نظرةٌ من طرفها
هيهات تُشفى علَّةٌ بعليل
لكِ يا جميلةُ في الفؤاد محبَّةٌ
تُزري بحب «كُثَيِّرٍ» و«جميل»
سجَّلتِ بالتقبيل حبكِ في الحشا
وملَكْتِني من ساعةِ التسجيل
لا تمنعي عني لَـماكِ فإنني
لم أَشْفِ بعدُ من الشفاه غليلي

[/frame]


[frame="1 98"]

الشعرة البيضاء

ودَّعتُ بالدمع أحلامي وآمالي
لم يُغْنِ عنِّيَ لا جاهي ولا مالي
ولّى الشبابُ فلم أهنأْ بلذته
وأقبل الشيبُ مصحوبًا بأهوال
دبَّ المشيبُ برأسي فاهتززتُ له
من روعةٍ، وذكرتُ الموت في الحال
فيا خيوطَ الأسى قد زدتِني حَزَنًا
فأجملي إنني أصبحت ذا بال
وقفتِ بين فصول العيش فاصلةً
كأنك الحدُّ بين المرِّ والحالي
بِيضٌ ظواهرُها، سودٌ بواطنُها
تفترُّ مشرقةً عن غاربٍ صال
رأيتها في سواد الشعر ظاهرةً
فذكَّرتْني نفورَ العاشق السالي
يومَ اجتمعنا وكان الكأسُ ثالثَنا
فما شربنا سوى دمعٍ على الخال
لما رأى الشيبَ في رأسي ولم أرَهُ
بدا عليه لشخصي بعضُ إهمال
فما عرَفتُ لهذا الهجْرِ من سببٍ
وخلتُهُ خائفًا من كيْدِ عُذّالي
لكنه قال لي والغيظ يملؤه:
إليك عني فما لي والهوى ما لي!
إليك عني فقد طال الزمان بنا
وألسنُ الناس في قيلٍ وفي قالِ


فؤاد.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى