عمر حسان الشعراني - العجوز

حين تمددت في سريرها وتدثرت جيداً وتلفحت بابتسامتها لم تعلم أن القدر يمد يده اللامرئية ليأخذ أنفاسها، وإن قطتها العجوز مثلها ستحس ببرودة أطرافها وستقفز لتكمل نومها تحت المدفأة، أغمضت عينيها وأخذها الحلم ثلاثين عاماً للوراء. كانت عجوزاً أيضاً على حافة الستين تتشارك مع رجلها التسعيني أربعين عاماً من الزواج، بدأت حين جرها خلفه ومضى، آنذاك كان في أواخر الأربعين مثقلاً بحروبه الطويلة الخاسرة وكانت في أوائل العشرين مثقلة بتخلفها العقلي، كان يريد هروباً من ضجيج الذاكرة وعائلتها تبحث عمن يأخذ ضجيجها، حين تلقت الصفعة الأولى على خدها فهمت أنها خادمته وحين لم يستطع أن يكسر بكفه عنادها فهم أنها جدار، لقد انتهى مع امرأة بلهاء في قعر الحياة هكذا فكر، وقلبها أخبرها أنها انتهت مع رجل سادي كما أراد القدر، فانزوت كخادمة وتوحد كرجل الكهف يجتران أيامهما ببطء، ذاك البطء الشديد الذي أنهك غضبه واعياً عنادها، فحفظته ككف يدها وحفظها ككتاب، لقد زرعتهما الأيام جذرين مختلفين وكبرا ساقين متعانقين وأغصاناً متشابكة دون أن يشعرا فلم يكن له سواها ولم يكن لها سواه، قادها الحلم إليه غارقاً في ضباب أفكاره في عامه التسعين نظر إليها عبر كل تلك السنين وهمس أحبك جميلة رائعة ومشتهاة، نظرت إليه لم تقل شيئاً كانت مسيرة طويلة من العذاب لكن ابتسامة ولدت على شفتيها، غادرت روحها الآن وهي تتذوق طعم شفتيها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى