أمل الكردفاني - منهج النسبية-تقويض التاريخ الثقافي الانساني

Relativity
النسبية هي أخطر سلاح في الصراع الثقافي الدولي. فهي منهج لتفكيك القيم والمفاهيم بعد ردها جميعا جنيالوجيا الى حالة الميوعة وعدم الاستقرار باستخدام ما انتج وما سينتج من ديالكتيك فلسفي حول هذه القيم او تلك المفاهيم. يمكن للثقافة التي تشعر بقرب هزيمتها ان تستند اليها تكتيكيا لتنقض بعدها على الثقافة المتعملقة فتقزمها الى حجمها الطبيعي قبل اخراجها من هالة التقديس المجتمعي او اللاهوتي او الآيدولوجي فتقف معها ندا كتفا بكتف.
والنسبية هي ايضا فوق كونها منهج تفكيكي فإنها اداة لتدعيم الدكتاتوريات والأنظمة القمعية وتثبيت السلطات المتنوعة والتي تسعى جميعها الى السيطرة على الآخر. ولذلك فهي سلاح ذو حدين. ليس هناك اسهل من توريط اي ثقافة عدوة في وحل النسبية ، وليس هناك أداة انجع من استخدام النسبية لتبرير التفوق رغم انها نفسها هي التي يمكن ان نستند اليها لنفي التفوق. وهذا يبين لنا بوضوح خطر هذا المنهج التفكيكي وضرورته. لا تستطيع جميع الآيدولوجيات والعقائد ان تتحصن من هجمة النسبية ولا تستطيع مقارعتها. فهي اولا تدخل كل مجادل في ما يشبه السفسطائية قبل ان تحدث داخله ذلك الارتباك والشك ، وبعدها تجهز عليه تماما.
ولكن السؤال: إذا كانت النسبية تنفي الحقيقة ، فهل هي ايضا -وبنفس المنهج- تنفي عن نفسها الحقيقة؟ في الواقع لا اعتقد ذلك ، لأن النسبية تتأسس على التشققات داخل النظريات وبالتالي فهي لا تعتبر اساسا نظرية خاضعة لتقييمها من حيث الصواب والخطأ أو الحقيقة واللا حقيقة ، انها فقط منهج كاشف للهزال المزمن الذي يصيب العقل الانساني ، ويعري فكرة تفوقه ، ويؤكد محدوديته ، كما انه منهج يقوض كل السرديات الكبرى ويهشمها تماما ، ويجعل الارضية التي يقف عليها الانسان تميد به ، وتفقده تلك الثقة التي حاولت الحداثة تأكيدها ، لذلك اعتقد ان النسبية منهج ما بعد حداثي ، بما أنه يقوض أحد مركزيات الحداثة وهو العقل. وأن هذا المنهج سيفضي بلا شك الى كبح جماح اي تطور (أخلاقي) وسيحيلنا مرة أخرى الى المادية والنفعية ، بعد هدم الاصنام التي قدستها الحداثة ، كالحرية والمساواة والعدل والاخلاق وحقوق الانسان. فهي ليست فقط سلاح تدمير شامل للمعتقدات بل سلاح تدمير شامل لكافة ما ظل يطرح نفسه كحقيقة. غير ان الشيء الايجابي في منهج النسبية انه يدفعنا كبشر لإعادة بناء علاقاتنا المختلفة وفي كل مساراتها على اسس أكثر واقعية وأبعد عن المثالية. وعلى هذا فإن اطروحات اليوتوبيا ستنهار وتختفي تماما. وسيتم تأسيس السلام الاجتماعي والانساني ككل على منطق مختلف. وهو حماية مصالحنا الفردية عبر حماية مصالحنا كجماعة وجدت قسرا فوق هذا الكوكب.
وعلى هذا فلن يسلم الأدب من التعرض لتأثيرات هذا المنهج ، خاصة وأنه يؤصل للنهايات المفتوحة وحالة التشظي ، والمتن القلق والمضطرب للنص الأدبي ، والسقوط في هوة هرمونيطقية شديدة الكلاحة والغموض. إن العصر الحالي سيكون عصر منهج النسبية على كافة المستويات السياسية والثقافية والأدبية...الخ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى