مرفت عمارة - لمس الأرداف تحت البخار.. يوم الحمام في سجن النساء

يومان في حياة السجن تعلن فيهما حالة الطوارئ القصوي.. يوم تنفيذ حكم الإعدام ويوم الحمام، السجن في هذا اليوم يبدو كأنه خال من نزيلاته سكون تام، حالة من الهدوء المترقب، ربما تحسبا لوقوع أي حادث عرضي في هذا اليوم العصيب، ابتداء من الشغب الجماعي والعصيان المدني وانتهاء بارتكاب جريمة قتل..
الأعصاب مشدودة من كلا الطرفين، السجانون يضعون ألف حساب لهذا اليوم, يدعون الله أن يمر علي خير، والسجناء منقسمون ما بين متحسبين لوقوع شيء قد يتورط فيه الجميع، حيث يمكن لحظتها أن يؤخذ العاطل في الباطل طبقا لقانون الحسنة تخص والسيئة تعم، وآخرون لا مبالون فلن يضيرهم شئ أكثر مما هم فيه..

وفي سجن النساء يوم الحمٌام له وضع خاص، فهو يوم التجرد المحض، ليس من الملابس وحدها بل من الكرامة والأمان، الآدمية والحق في الخصوصية، نسبة كبيرة من النساء هناك لسن كمن نعرفهن خارج أسوارالسجن، فالحياة هنا لها قواعد أخري، حسابات مختلفة، السطوة للأقدمية التي تحسب تبعا لمدة الحكم ونوع الجريمة، أعلاها المؤبد بتهمة الاتجار في المخدرات أو القتل (عادة الزوج)، تتدرج بعدها الرتب المتعارفة بينهن حتي تصل إلي أدناها مكانة وهي الدعارة، فهي التهمة الوحيدة المخلة بالشرف من وجهة نظر السارقات والقاتلات، علاوة علي وجود أخريات يتم تصنيفهن حسب قوتهن أو ضعفهن!

في هذا اليوم يتم منع المرور الروتيني للضباط علي العنابر ), يستثني من ذلك مدير السجن، قليل من الضباط ( علي أن يكونوا من المتزوجين!)، هؤلاء يتم دخولهم في الحالات القصوي، فيوم الحمام هو الفرصة السانحة لتصفية الحسابات بداية من تبادل العبارات المشفوعة بإيحاءات جنسية وإشارات الأيدي وأحيانا بلمس الأرداف العارية وربما الشروع في القتل، المكان عبارة عن صالة واسعة تنتشر في أعلي جوانب جدرانها الحنفيات التي تختلف درجة اندفاع المياه منها حسب التساهيل، من المفترض أن تستحم نساء كل عنبر في فترة منفصلة لكن لأن سخونة الماء تقل مع الوقت، تستولي النساء الأقوي نفوذا علي الأدوار الأولي شتاء والأخيرة صيفا، تحرص السجانات علي تفتيشهن بكل دقة، للتأكد من عدم اصطحابهن أية أداة خطيرة، مثل دبابيس الشعر والأمشاط وغيرها قبل دخولهن الحمام..

بمجرد الدخول تنقلب المفاهيم تماما، فحمام السجن عالم منفصل مستقل بذاته، تحكمه قواعد وقوانين خاصة، ما يحدث بداخله سر لا يجسمح بإفشائه، ففي ذلك العالم الضبابي المعتم يجري مالا يمكن تخيله وما يستحيل توقعه، فبعد دقائق قليلة من دخوله وحين تتعذر الرؤية تماما يبدأ طقس تصفية الحسابات، فتختلط الأجساد الناعمة في فحيح يشبه العواء، بعضها يرتطم بالأرض كبالونة مملوءة بالماء، وأخري مكتنزة تتحرش بالمستجدات، وشعور مبتلة يتم جرها إلي الأرض، وكتل من الشحم واللحم تتكالب علي جسد مسكينة بالقرص والعض وأصابع يتم دسها في أي مكان، بينما أجساد بضة ملتصقة بالحائط تشاهد ولا تشهد، فاليوم لها وغدا عليها، وأخريات من وازع النفس الأمٌارة بالسوء تتشفي بتلذذ رؤية المشهد الدائر، قد يكون كل ذنب المسكينة أنها آداب أو رفضت دفع المعلوم، أو لمجرد كسر عينها حتي لا تجرؤ علي التفكير في تحدي الكبار، بعدها يخرج الجميع تاركين ساحة المعركة دون أية كلمة، فسرعان ما سيحل موعد الحمام القادم، تستكمل تصفية باقي الحسابات..

كل ذلك يحدث أسبوعيا رغم كل الاحتياطات والمحاذير، ففي ستينات القرن الماضي وفي سجن الحضرة للنساء تعرضت فتاة سمراء للسيناريو نفسه، فقد دخلت السجن بعد اتهامها بالدعارة والعمل كموديل عارية للصورالفوتوغرافية الإباحية، ولم يتمكن أحد من إنقاذها رغم تخصيص أفضل حارسة بالسجن لحمايتها، وبعد العلقة الساخنة، لم تعد السجينة تصلح لتقديم صورة، فقد نسيت السجانات حقيقة أن المرأة تمتلك أقوي سلاح وهو الأظافر .

الآن حمامات بعض السجون قد تكون أفضل حالا نسبيا، فبعض العنابر ملحق بها حمام جماعي، لكن للأسف وطبقا لتقرير مركز حقوق الإنسان لدعم السجناء، لا تتوافر فيه المياه إلا يوم الحمام، فتضطر السجينات للحصول علي المياه من مكان يبعد مائتي متر في سجن القناطر، وبسبب ازدحام العنابر ( 200 سجينة في العنبر الواحد) يقوم الحمام بوظيفة مختلفة باقي أيام الأسبوع إذ تلجأ السجينات إلي النوم في الحمام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى