نزار حسين راشد - أضواء نقديّة على رواية ابراهيم نصر الله الفائزة بجائزة البوكر العربيّة"حرب الكلب الثانية"

لقد انتهيتُ للتو من قراءة رواية ابراهيم نصر الله "حرب الكلب الثانية" الفائزة مؤخّراً بجائزة البوكر العربيّة،أنهيتها وقد تعزّز لديّ الشعور بأنّ انطباعات القاريء،تشكلّ أفضل أرضيّة وأقوى منطلقٍ للتأسيس لرؤية نقديّة!

لقد انتَقلَتْ إليّ عدوى السّخرية الّتي شاعت في أرجاء الرواية ومنعطفاتها السرديّة،لا بل وشَّحَت كلّ أجوائها،على الرّغم من شرائط السّناج الأسود الّذي طلى به الراوي معطفه السّردي،ليوحي لنا عن قصد بأجواء الكوميديا السوداء،ويضع نظّاراتها على أعيننا،لجرّنا عن قصدٍ إلى مشاركته، رؤية التصدّع العميق،الّذي طرأ على المجتمعات المعاصرة وانتقلت عدواه إلى مجتمعاتنا العربيّة،تصّدُّعٌ كان منبته الأوّل القمع السياسي،الّذي حوّل المعارضين إلى شركاء في الجريمة،بفعل التعذيب الممنهج،إلّا أنّ الراوي يضعنا أمام بابٍ مغلق وكأنّ النكوص والترديّ الأخلاقي حتميّة،لا مهرب منها ولا نجاة،ولا أملَ حتّى بظهور المُخلّص !ولعلّ الراوي يحاصرنا بتلك الرؤية القاتمة،ليثير لدينا ردّ فعلٍ ما ،ويوقظ فينا نار الغضب والإحتجاج،أو يحثّنا على إيجاد المخرج بأنفسنا،عوضاً عن أنْ يقدّمه لنا جاهزاً،وهذا تحايلٌ روائيٌّ مشروع لجأ إليه كثيرٌ من الكتّاب،على رأسهم رُبّما أندريه مارلو في روايته الأمل،الّتي صوّر فيها فظاعات الحرب الأهليّة،من خلال الجثث المكدّسة في الشاحنات من ضحايا الحرب ،والسّواقين اللا مبالين،الّذين يقودونها لطرح الجثث في مكبّ ما وكأنّها مجرد أنقاض بشريّة يتم التخلّص منها،ولا تعود عبئاً يثقل ضمير أيّ أحد،وأظنّ أنّ هذه الرّسالة بالذات،هي الّتي أراد نصر الله إيصالها لنا،من خلال المعزّزات الأخرى الّتي اعترت المجتمعات المعاصرة،التّقدّم التقني،الجشع المادي،وسقوط الخصوصيّة وفوضى العلاقات،وفي الحقيقة فإنّ هذه رسالة دينيّة أخلاقيّة،حتّى وإن لم يقدّمها الكاتب بهذه الصيغة،إلا أنّ الإنطباع الّذي يخرج به القاريء،أنّ هذا التردّي ما هو إلا النتيجة المباشرة لسقوط الفواصل،ومحو الخطوط بين ما هو حرام وما هوحلال،وما هو حقٌّ وما هو باطل! ولعلّ الشّاهد البالغ على ما ذهبت إليه هو القتل غير المُسبّب والحروب العبثيّة،الّتي تضمنها العنوان ذاته"حرب الكلب"، في تسخيفٍ صريح للحروب الّتي تجتاح عالمنا المعاصر،بما فيها الحروب العربيّة ،حيث لم يفت الكاتب تأكيد ذلك من خلال الإشارة إلى حربي البسوس وداحس والغبراء،والّتي هي تأويلٌ رّبما اختزنه وعي الراوي لأحاديث الفتن عن أواخر الزّمان ، التي يكثر فيها الهَرْجُ أي القتل،حتّى لا يدري القاتلُ فيم قَتَل أو المقتولُ فيم قُتل!

من المفارقة حقّاً أن المجتمع الّذي تضيع فيه الملامح والهويّة ويتحوّل إلى مجتمعٍ هجين تتردّى فيه القيم ويسود فيه الإستغلال والجشع والّذي رمز إليه نصر الله بسيارات الإسعاف والمستشفيات،أي ببساطة مجتمع الأعمال الّذي يمثّل طغيان قيم الماديّة بكل بشاعتها،أقول من المفارقة أن يكون هذا المجتمع ممثلاً خير تمثيل،بالعاصمة دبي، وجارتها أبو ظبي التي احتضنت هذه الجائزة ومنحتها،في إدانةٍ بليغةٍ للذات،عن وعيٍ أو عن غير وعي!ولكنّ نصر الله أوصل رسالته وفاز في النهاية!وإن كنت أعتقد أنّهم ربّما قرؤوه خطأً أو لم يعوا الأبعاد الّتي رسمها على الرّغم من وضوحها وشفافيتها!

أعتقد أنّهم ربّما قرأوا الرسالة الجانبيّة الّتي قرّرها الكاتب في مقدّمة روايته،أنّ دعاة المباديء النقيّة ،الديمقراطيين،والمنادين بالعدالة،يتحولون في النّهاية إلى متطرّفين غلاة أو خوارج العصر،يلغون الآخر بوقوعهم في شرك الغلو،ورؤيتهم الحدية!

هذه الرسالة بالطبع تُشنّف آذان من يرون فيها أرضاً يقفون عليها للهجوم على كل من يعارض القمع والظلم، بذريعة التطرّف والغلو!

ولعلّ هذه الإشكاليّة بالذات هي الّتي وقعت فيها الرواية،فأوصلت رسالتين متناقضتين،إلى خصمين على طرفي نقيض،سلطة غاشمة،ومعارضة مُصابة بداء النرجسيّة و متمركزة حول ذاتها،و لا ترى الخلاص إلا من خلالها هي!

والله من وراء القصد!

نزار حسين راشد

تعليقات

بصراحة وصلت الى صفحة 113 ولم استطع اكمالها ... ورغم انه لا يجوز لي الحكم عليها قبل الانتهاء منها الا انني اعتقد انها ليست من الروايات التي يمكن قراءتها مرتين . هناك اشكاليات كثيرة في هذه الرواية واعتقد أن فوزها بالبوكر محل نظر.
 
في الحقيقة أنا أشاركك الرأي ولكني أبديت رأيا موضوعياً بعيدا عن المدح والقدح! وأوضحت أن الفوز مُسيّس لأنهم قرأوا فيها حكما قاسيا على المعارضة السياسية بالتردي في الغلو والتطرف كما صرّح الكاتب في مقدّمته!حتى لعله قصد ذلك لتكون رسالته واضحة للقيّمين على الجائزة! لأنه يعي أنهم يطربون لتضمين كهذا!
 
اتفق مع تحليلك هذا كما اود ان اضيف انني كنت قد ابديت سابقا تحفظي على اعضاء لجنة التحكيم عندما تم اعلان اسمائهم سابقا. كنت اتوقع اسماء ذات جرس او لها تاريخ وخبرات كبيرة في مجال النقد الادبي ولكني فوجئت حقيقة بهذه اللجنة. اذا وجدت اسماءها في قوقل فساضيفها هنا لتبدي وجهة نظرك الهامة حولها لأن البوكر الآن هي الجائزة الأكثر كفاءة في عملية الانتشار لذلك يجب ان يوجه لها نقد بناء لتحسين عملية التحكيم.
وعذرا لسوء الكتابة بسبب انني اكتب من الجوال.
 
أعلى