جورج سلوم - المحفل الأنطولوجي الأول

عندما تداعى الأنطولوجيون (بعدَ عشر سنوات خلت ).. لإقامة محفلٍ أنطولوجي..

يومها اعترض البعض إذ ظنوا تداعى بمعنى تهاوى أي من السقوط في هاوية .. فقلت لهم صدقتم فأنا أقصدها تهاوى من الهوى والحب .. فهم يتداعون ويتهاوون فيقتربون من بعضهم بعضاً .. كالمحبين يقعون في الحب وقوعاً ويتساقطون سقوطاً وأحياناً يكون السقوط لذيذاً !

كمن يقع على رأسه فيفقد الوعي مؤقتاً ويصحو ناسياً ما حدث .. فلا يعرف من أودى به للسقوط .. ويكتفي بأخذ المسكنات ويقولون إن سببَ السقوط نوعٌ من فقد التوازن .. ويبقى ضد مجهول !

دعنا مما سبق .. فقد التأَمَ المحفل الأنطولوجي الأول ..

وكانت الدعوات كثيرة شملت كلّ أنطولوجيّ عربيّ في تلك السنوات الخاوية (وهي من السبعة العجاف)..

والأسماء المدعوّة أو (المتداعية أو المدّعى عليها ) ما أكثرها .. نعرفها كإسمٍ طنّان يفخرون به .. وإسمٍ خجول يمدّ رأسه من زاوية ميتة فلا يظهر في الصورة..

وكانت الملفات كثيرة حتى ضاق بها الحيّز الإفتراضي المسموح للأنطولوجيا من غوغل .. يومها قال الغوغليون:

- من أين تأتون بكل هذا الكلام يا عرب ؟

كان الاجتماع في بلد عربي تمّ الاتفاق عليه بصعوبة كالعادة .. وجلسة الافتتاح بعد صلاة الظهر .. قرآنٌ افتتاحي أو افتتاحية قرآنية .. ووقوفٌ كدقيقة صمت على أرواح الأدباءِ الغائبين بأمرِ الله .. والأدباء الغائبين لأنهم تأّخّروا أو لم يُسمح لهم بالحضور (كمُغيّبين) وهو إجراءٌ احترازيّ منصوحٌ به.
المنصة مُختلَفٌ عليها فمن سيرأس المحفل الأنطولوجي ؟

وطالما يُسمح باستحضار الأرواح أدبياً .. وطالما هنالك ملفات للغائبين .. لذا كان لزاماً أن يكون رئيس المجلس طه حسين باعتباره عميداً للأدب العربي.. وأحمد شوقي عن يمينه كأميرٍ للشعراء .. ونجيب محفوظ عن يساره تكلله جائزة نوبل في الآداب .. فهل من مُعترض ؟

يومها وجدت نفسي في الصف الأخير بين أدباءَ عُراة ممن شجّعوا الايروتيكية .. وقبلهم أدباء يتضاحكون بلا سبب إذ أنهم ساخرون .. وقبلهم حملة المعاول من أدباء المناجم .. وقبلهم ملثمون ومقيدون لأنهم من أدباء السجون .. وغيرهم .. وهكذا كان الحضور كبيراً ومتنوعاً .. أما الأدباء الجدد فكانوا خارجاً ويصفقون ويشاهدون الحفل على شاشاتٍ عملاقة في قارعة الطريق .. وأما النقاد فكانوا في الصف الأول بعيونهم الجاحظة ونظراتهم الغريبة

الجلسة الأولى كانت للوقوف على الأطلال كالعادة والتغنّي بمضارب بني عبس

والثانية للتفاخر بعدد الكلمات المكتوبة والملفات المصنّفة .. وكان أغلبها بلا تصنيف

والثالثة لنتف الأرياش ونتف اللحى والذقون ..

والرابعة للتوزيع والنشر .. والنشر هنا كان بالمنشار والتوزيع على قطع صغيرة كالحطب .. وكلها تُلقى في النار

والخامسة لانتخاب الأنطولوجي الأول كممثل لذلك المحفل وكسفيرٍ عربي بين الأمم الأنطولوجية

وفي الجلسة التالية .. جاءت التعليمات بإعادة حملة المعاول إلى المناجم حفاظاً على سير العمل لأن باقي العمال (كالإبل ) بحاجة للحداة أثناء السير في الصحراء ..

وإعادة أدباء السجون إلى السجن لأن وقت الزيارة قد انتهى ..

وهكذا دواليك أعيد الجميع إلى مواقعهم .. ففرغت القاعة من الأدباء ..

وبقي النقاد لوحدهم وينقدون بعضهم بعضاً .. فمن يجرؤ على انتقاد أمراء المنصة .. ومن يقدر على انتقاد الغائبين

أما الايروتيكيون فظلوا في المقاعد الخلفية وبعيدون (كل البعد ) عن الحوارات الأمامية الراقية .. وبماذا سيحاورونهم وهم لا يفقهون إلا بالعورات وجواز تقبيلها وطرائق إثاراتها !

ولذا فقد شعروا بالبرد إذ أنهم مازالوا عراة .. وأحسّوا بالخجل مع أنهم كانوا في الظل .. ولم يعطهم أحد جائزة مع أنهم كانوا الأكثر قراءة من قبل العامة .. وكان صعباً أن يصعد إيروتيكي إلى المنصة بعُرْيِه الفضّاح .. وكان صعباً أن يقرأ شذراتٍ مما كتب .. فهذا النوع من الأدب يُكتب ويُقرأ في الغرف المظلمة والمغلقة والنور يضرّ بكاتبه وقارئه

يومها تمرّد الايروتيكيون على الأنطولوجيا .. وقالوا لماذا نكون في مؤخرة الصفحة ؟... لماذا تخجلون بنا ؟..

يومها انقسمت الأنطولوجيا إلى فروع وصفحات وبوابات (انترنيتية ).. وكان عميد الأدب العربي كفيفاً (وما زال ) فلم يرتكس للعراة .. وأمير الشعراء اعتبر السرد نوعاً من الشعر المهزوز فلا طائل منه .. وجائزة نوبل لن يتنازل عنها النجيب المحفوظ فهي للرواية وليست للقصص القصيرة مبتورة النهاية .

وانتهى المحفل الأنطولوجي الأول ... بالصلاة على الغائبين فقط .. واستمطار الرحمات عليهم !

من ملفات الأنطولوجيا بتصرّف

نقلها بأمانة الزميل جورج سلوم

***********************

تعليقات

تحية طيبة للكاتب و الطبيب جورج
قرأت النص أكثر من مرة، و هو مبدع في طريقة كتابته، و يصلح بالتأكيد كرسالة إرشادية تنبهنا لبعض ما نغفل عنه.. كمنظمين في هذا الموقع.
شكرا لك أيها الرائع.
 
أعلى