سلام صادق - الخطيئة المبجلة

هنا ، في البرد ، تحت سطوة الثلج ، متطلبات السعادة تتصالب احيانا او تتضاءل لتأخذ شكل قنينة من نبيذ وكيس من رقائق البطاطا بين يدي إمرأة عزباء تتابع التلفزيون وحيدةً في ليلة شتائية قاسية ، ولكثرة ما حاولت اجبار ابتسامها على التنكر فقد اتخذت أخيرا شكل دمعة خرساء لاتسقط ، بل تعلق هناك في المابين لتعكرعليها صفو الصورة التي امامها حين تأخذ بالارتجاج ، ثم لاتلبث ان يستبد بها التماهي المفتعل فتسقط أخيراً في مرارة حلقها ، معلنة ان احدهم انزلق على جليد الشارع قبل ان يصل ليطرق بابها ..
فتنهض لتستبدل مكانها ، تختار زاوية اخرى ، وتروح تلهو بالكلمات المتقاطعة تهتك اسرارها ، ، قبل ان تهتك الكلمات الوردية اسرار قميصها الراعش .، واصابعها التي تعرف طريقها جيدأ كلما المّ بها هذا الغثيان الانساني القادر على البطش بامرأة في اعماقها ضرام جسد ..
- يسقط ثلجٌ على الاشجار ، يسقط عرشٌ في الشرق الاوسط ، يسقط مائتي قتيل من اجل سنجاب عابث ، تسقط طائرة روسية تقل وفدأ للسلم والتضامن ، تسقط دمعةٌ حرّى كما لو انها دمعة أم ، يسقط المارّة على الثلج النازل ، يسقط حارس البناية على العتبة ، يسقط نيزك في بحرٍ يخترع الاعذار لئلا يموت ، يسقط طائرٌ في فخ الرسائل المتأخرة، يسقط العالم في حضن مومس تشفق عليه ، يسقط فارس الاحلام عن مهرته البيضاء ، تسقط جيوش البرابرة عند تخوم الحضارات ، تسقط التراتيلُ موسيقى منسابة في قلب الله ، تسقط الشمس بعيداً عنّا قريبا من اوهامنا، تسقط الثمار الناضجة في الوحل ، تسقط الطفلة من ارجوحة العيد ، تسقط اوراق التوت يسقط .. يا .. يسقطون يسقطون جميعاً،
قالت في نفسها : اذن السقوط مصيرنا الشائخ ، بغتة وتزكمنا رائحة الضجر منه ، ان نغتال انفسنا بالافراط في الحب ، أقل ايلاماً من بصقة رشاشاتهم ، طالما هم يوزعون اطراف اصابعهم على الحديد البارد سنوزع اطراف اصابعنا على الملامسة ..
وقامت لتستبدل مكانها ثانية ، تدفعُ ضريبة التيه ، تجلس قبالة النافذة لتخلي مكاناً شاسعاً لنهاية البكاء .. فالسقف واطيء لايستحق كل هذا السقوط من علٍ .
- هنا الثلج سقف العالم ، ولذا يجب ان يتوقف عن السقوط في ساعةٍ ما، انهُ كفن الحمّى في ليالٍ لا تنتهي ،
تغلبت على خوفها ، فضحكت اصص الزهور في النافذة ، شاع عطرٌ خفيف . لا احد يسهرُ الى مثل هذه الساعة المتأخرة ، ربما خفاشٌ ما في الزقاق المقابل يتدلى من سقف العالم ، وإن لم أرَ خفاشاً يمارس الحب في حياتي ، ستكون مغامرة لاتحتاج بالضبط الى ادمغة وعواطف خفافيش رقيقة كأجنحتها . المهم انها لاتسقط ابدا وان كانت تتدلى نحو الاسفل وهي نائمة وربما حتى وهي تمارس الحب كذلك ، وان سقطت فانها لن تنكسر كما الذرائع .
- حرية خفيفة تدعو الى المقامرة وجنون المغامرة مع خفاشٍ ساهر ، تناولت كيس جبسها ، وماتبقى من نبيذ في القنينة وخرجت يجهشُ فيها شبقها ويستبد بها حنين فاحش جاوز احتمال جسدها النحيف ، اقتعدت كرسيا متآكلاً بفعل الانواء هو ارث الصيف الفائت نسيهُ في الحديقة حين لبست الغيوم تيجانها ، لسعها البرد القارص فتناولت ماتبقى في القنينة دفعة واحدة ، فجأة ظهر واختفى شبح الفتى المراوغ في زاوية البناية المجاورة وهو يسحب وراءهُ ظل امرأةٍ ثملة تلقي بكل ثقلها على كتفه ، هدأت في ذاكرتها القطط المهتاجة ، لن اسمح لغزوة الجسد القادمة ان تحدث ، سأقتل هذه اللذة الرائبة !
عادت الى مكانها امام الشاشة العريضة ، سحبت غطاءً ازرقاً يدفيء فخذيها ، ووسادة كبيرة حشرتها في حضنها ، وبدأت بالتهام ماتبقى في الكيس من جبسٍ متصالب واطراف اصابعها مصبوغة بالدهان تنتظر عطش الخطايا السرية يرتوي من لهيب جحيمها المكنون .
ومع تأكدها من خلو الساحة من فرسانٍ ليليين يلثمون فراءها الاشقر ، اباحت لنفسها ان تمارس عادتها السرية في اللعن مثل ملاكٍ مخدوع ، انهمكت اصابعها تعبث بماء المعنى وحين تبلغ الذروة تصيح :تف على كل الساقطين من حبال السيرك التي لاتعرف الارتخاء ، تعيش الارتعاشة ، يسقط الانتصاب القاسي ، تسقط حموضة الافتراس .
- لكن العواء لايلتمس المغفرة مثل العويل !
وفجأة يخفتُ كل شيء ويسود سكون كالذي في المقابر ، او كالذي يعقب الصيحة الاخيرة للولادة العسيرة البكر ،
أطفأت الشاشة الزرقاء العريضة ، جرجرت اوصالها نحو السرير ، تناولت دفترها وقلمها اللذان يلازمانها على الطاولة جنب السرير وكتبت :
" الليلة كاد ان يُجهز علينا الحب ياصديقي
ملابسنا مبعثرة على ارضية الغرفة
كمخلفات حرب قديمة
او كبقايا مقبرة جماعية نُبشت للتو
رغم اننا لم نقتل احدأ
ولم ندفن احدأ حياً
وان كل ماقمنا به
هو اننا حاولنا اثبات النقيض
لما أدمنه هؤلاء الساقطون" .
رمت برأسها على الوسادة ، وسقطت في خطيئة النوم اللذيذ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى