رسائل الادباء : رسالة من احمد أمين إلى عميد كلية الآداب

06 - 10 - 1947
حضرة صاحب العزة عميد كلية الآداب.

تحية واحتراماً.

قرأت الرسالة المقدمة من محمد أفندي خلف الله لنيل الدكتوراه وموضوعها (الفن القصصي في القرآن) والتي تفضلتم فأحلتموها على لقراءتها وإبداء الرأي فيها.

وقد وجدتها رسالة ليست عادية بل هي رسالة خطيرة أساسها أن القصص في القرآن عمل فني خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار من غير التزام لصدق التاريخ والواقع وأن محمداً فنان بهذا المعنى.

وعلى هذا الأساس كتبت كل الرسالة من أولها إلى آخرها وأرى أن من الواجب أن أسوق بعض أمثلة توضح مرامي كاتب الرسالة وكيفية بنائها.

يرى أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي وإنما تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادثة تصويراً فنياً بدليل التناقض في رواية الخبر الواحد.

مثل أن البشري بالغلام كانت لإبراهيم أو لامرأته. بل تكون القصة مخلوقة مثل: وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت. . . الخ ص 14 وما بعدها.

الإجابة عن الأسئلة التي كان يوجهها المشركون للنبي ليست تاريخية ولا واقعة وإنما هي تصوير لواقع نفسي عن أحداث مضت أو أعرقت في القدم سواء كان ذلك الواقع النفسي متفقاً مع الحق والواقع أم مخالفاً له 28.

وربما كانت مسألة الجن التي تصور رأي الجاهليين في تسمع الجن لأخبار السماء ميداناً من الميدان القصصي.

(ابن الخياط)

والقرآن يقرر أن الجن تعلم بعض الشيء. ثم لما تقدم الزمن قرر القرآن أنهم لا يعلمون شيئاً 29 والمفسرون مخطئون حين يأخذون الأمر مأخذ الجد 30 الأنبياء أبطال (ولدوا في البيئة وتأدبوا بآدابها وخالطوا الأهل والعشيرة وقلدوهم في كل ما يقال ويفعل وآمنوا بما تؤمن به البيئة من عقيدة ودانوا بما تدين به من رأي وعبدوا ما يعبد من إله ص 37.

تصوير أخلاق الأمم كبني إسرائيل ليس بضروري أن يكون واقعياً بل يصح أن يكون تصويراً فنياً يلاحظ الواقع النفسي أكثر من صدق القضايا. . . الخ ص 75.

القصة هي العمل الأدبي الذي يكون نتيجة تخيل القاص لحوادث وقعت من بطل لا وجود له أو لبطل له وجود، ولكن الحوادث التي ألمت به لم تقع أصلا أو وقعت ولكنها نظمت على أساس فني إذ تقدم بعضها وأخر بعضها أو حذف بعضها وأضيف إلى الباقي بعض آخر أو بولغ في تصويرها إلى حد يخرج بالشخصية التاريخية عن أن تكون حقيقة إلى ما يجعلها في عداد الأشخاص الخيالية وهذا قصدنا في هذا البحث من الدراسة القرآنية 81.

أخطأ الأقدمون في عد القصص تاريخاً 83.

منهجه هو معالجة القصة من حيث هي أدب ويعنى بذلك خلق الصور والابتكار والاختراع (84) ولذلك لا مانع من اختلاف تصوير الشخصية الواحدة في القرآن 85.

وجود القصة الأسطورية في القرآن 89.

ولعل قصة موسى في الكهف لم تعتمد على أصل من واقع الحياة 89 بل ابتدعت على غير أساس من التاريخ.

والقرآن عمد إلى بعض التاريخ الشعبي للعرب وأهل الكتاب ونشره نشراً يدعم غرضه 93 كقصة ذي القرنين.

وقصة إبليس من نوع الخلق الفني الذي يتشبث فيه القرآن بالواقع 106 عناصر القصة هي العناصر الفنية والأدبية التي اتخذ منها الفنان مادته التركيبية والتي أعمل فيها خياله وسلط عليها عقله ونالها بالتغيير والتبديل حتى أصبحت وكأنها مادة جديدة بما بث فيها من روحه، وكذلك القصص في القرآن والبحث عن المصادر في القصص القرآني على هذا الأساس.

يجب ألا يزعجنا لأنه الواقع العملي في حياة كل الفنون والآداب ص 118 وطبق هذا المبدأ تطبيقاً واسعاً.

فالقرآن كل يغير في العناصر ليجعلها ملائمة للبيئة ولطبيعة الدعوة ص 125. . . وما تمسك به الباحثون من المستشرقين ليس سببه جهل محمد بالتاريخ. . . بل قد يكون ذلك من عمل الفنان الذي لا يعنيه الواقع التاريخي ولا الحرص على الصدق العقلي، وإنما ينتج عمله ويبرز صوره بما ملك من الموهبة الفنية والقدرة على الابتكار والاختراع والتغيير والتبديل) ص 136.

ومن هذا القبيل خلق صور الجن والملائكة 137.

تدرج القصص في القرآن كما يتدرج أدب كل أديب، فالأدباء يلتمسون المتعة واللذة في كل أمر فني يعرض لهم ثم يتقدمون خطوة فيبغون الاستمتاع واللذة بالمحاولات الأولى التي تقوم على التقاليد والمحاكاة ثم يكون التخلف شيئاً فشيئاً والدخول في ميدان التجارب الخاصة ومظاهر ذلك النسخ والتدرج بالتشريع 169 الخ.

ومن ذلك كله نرى أن المسألة - كما قلت - خطيرة ومن المتوقع أن يكون لها صدى كبير سبق أن حدث لأقل من هذا.

فالمسألة في نظري يجب أن يفصل فيها رجال الجامعة المسؤولون قبل أن يفصل فيها الأساتذة قراء الرسالة من ناحيتها التفصيلية والشكلية. وتفضلوا بقبول فائق احترامي.

أحمد أمين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى