رسائل الادباء : رسالة من محمد علم الدين إلى الأستاذ محمد أحمد خلف الله

27 - 10 - 1947

(إلى الأستاذ محمد أحمد خلف الله)

سلام الله عليك وبعد، لقد طلبت المشاركة في البحث، وقدرت منذ اللحظة الأولى أنه من الجائز أن تكون أخطأت القصد أو ضللت السبيل، وهذه روح تذكر فتشكر وسأذكر لك ما أذكر مجادلاً بالتي هي أحسن.

وسأضع يدك أول الأمر على تناقض في مقالك؛ فإنك قد عنيت في أوله ببيان أن الأسطورة ليست الكذب والمين ولا الخرافات والأوهام، وإنه يجب ألا تزعجنا هذه اللفظة فنجري وراء الخيال ونعتقد أنها الأكذوبة أو الخرافة.

وأنت تريد بذلك طبعاً أن أساطير القرآن الكريم ليست كذباً ولا خرافة وإنما هي صدق وحق، فما رأيك في قولك:

(إن تمسكنا بالرأي الذي يقول: إن جسم القصة أو هيكل الحكاية حق ثابت، بعد أن ثبت لدى العلماء الدارسين أنها من الأساطير أمر بعرض القرآن لشر مستطير) فأنت بالمقابلة بين الأساطير والحق الثابت أردت بها غيره وما هو إلا الكذب والمين وبذلك وقع التناقض بين أول المقال وآخره.

بعد هذا أنتقل بك أيها الأخ إلى تفرقتك بين جسم القصة أو هيكل الحكاية وبين ما فيها من توجيه فأقول لك: إن صح هذا من الأفراد الذين يعن لهم المعنى فيريدون إيضاحه وبيانه فيتجسمونه ويمثلونه ويضعون له الأشخاص والحوار والأصباغ كما في قصة الأستاذ الخفيف التالية لمقالك (ذات صباح) - فلن يصح في قصص القرآن؛ إذ ليس فيه فاصل بين جسم القصة وتوجيهها، بل هما توأمان؛ ونحن نفهم في قصة الأستاذ الخفيف أن (بهيجة) شخصية خيالية للفتاة التي يضحي بها أهلها حين يزوجونها ممن يحبون وتكره؛ ولكنا لا نفهم في قصة يوسف عليه السلام أنه وامرأة العزيز شخصان خيالين رمز بالأول للعفة وبالثاني للاستهتار.

فالحوادث والأشخاص في القرآن الكريم ليسا رضعاً ولا خيالاً وإنما هما حق ثابت ولو كان هناك شك فيهما ما خفي مئات السنين حتى ظهر الآن للعلماء الدارسين!!

وما كنت أحب أيها الأخ أن تقتضب كلام الإمام الجليل الفخر الرازي حين تستشهد بتفسيره فتكون كمن قال. . . لا تقربوا الصلاة وسكت. هلا ذكرت لنا - رحمك الله - قوله يفسر الأمور الأخرى:

(وثالثها) أنه صلى املله عليه وسلم لما ذكر قصص الأولين من غير تحريف ولا تغيير مع أنه لم يتعلم ولم يتلمذ دل ذلك على أنه بوحي من الله نهالى.

وهلا تأملت في قول الإمام الجليل من غير تحريف ولا تغيير وعلمت أنه يقصد جسم القصة وهيكل الحكاية وهو بذلك يرى رأي المسلمين قاطبة؟!

وأخيراً، لعلك أيها الأخ قصدت حين فرقت بين جسم القصة وما فيها من توجيه أن لا تكتفي برد عادية الملاحدة والمستشرقين عن القرآن الكريم بل بإقناعهم ليدخلوا في دين الله أفواجاً حين تبدد شبههم بهذا التخريج الجميل!!

هلا أدركت - عافاك الله - أنك تضم نصلاً إلى حرابهم حين تجعل القرآن عضين؟! كفاك الله شر المقتسمين، واعلم أن الملاحدة والمستشرقين مع القرآن الكريم:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

وأنك مهما بشرت لهم فلن يؤمنوا لك حتى تتبع ملتهم وما أظنك من الفاعلين. وسلام الله عليك.

إتياي البارود
محمد علم الدين
مفتش المعارف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى