نادية شكري - ضريح سعد زغلول.. قصة قصيرة

خرجت فريدة التي تبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما من المنزل الذي تسكن فيه في إحدى الحواري بحي السيدة زينب ، الساعة الثامنة صباحا متوجة إلى عملها ولكن وهي حزينة بعد يوم عاصف من النزاع مع والدتها التي لم تكف عن الحديث عن خطيبها الذي لم يجهز شيئا لإتمام الزواج منذ أن خطبت له من ثلاث أعوام فلم يحضر لها شقة ملائمة ولا حتى حجرة واحدة ... ؟
ظلت تمشي كالعادة من حارة إلى حارة تتأمل نظرات عيون الناس وكأنها تلاحقها وتعرف قصتها... بنت فقيرة لا تملك سوى راتبها البسيط الذي يكفي احتياجاتها اليومية وتعيش مع والدتها وأخواتها الخمسة الصغار.... فهي أكبرهم وتعتبر مسئولة عنهم بعد أن تركهم والدها منذ عشر سنوات وهم لا يعلمون عنه شيء ... بعض الناس في الحي يقولون هرب للسفر للعمل في دولة عربية والبعض الآخر يقولون تزوج بامرأة ثرية.. وآخرون يقولون مسجون ... ظلت تمشي فريدة وهي تفكر في صمت رهيب وفي طريقها للعمل تمر يوميا على ضريح سعد زغلول ... ظلت تنظر وتقول ... كل يوم بعدي عليك يا سعد باشا لكن بالرغم من أنك موجود في الحي بتاعنا إلا أني عمري ما زورتك .. وفي لحظة قررت زيارة ضريح سعد زغلول ودخلت من البوابة الحديد لتجد حديقة واسعة بها أشجار وتمثال لسعد زغلول... وكم تعجبت من جمال هذا المكان وخاصة السلالم الرخام وهناك وجدت الضريح واسعا ومصنوعا من الرخام مدفون فيه سعد زغلول وزوجته صفيه ولكن ...؟؟ لم تجد أحدا هناك....!
بدأت تفكر بصمت... وقالت
أنا هكلمك يا سعد باشا ..
أنت الوحيد اللي ممكن تسمعني ... تسمحلي أسألك ...؟
يا تري أيامك كان فيها أزمة اقتصاديه ...؟
الشباب كان بيعاني ومش عارف يتجوز...؟
كان في أزمة سكن وغلاء أسعار ... ؟
انا عارفة إن الناس زمان كانوا طيبين وبيحبوا بعض جدتي كانت بتقول كدا ...
كانت بتقولي الفلوس كانت علي القد بس عارفين نعيش ونجوز عيالنا كل حاجة كانت موجودة ...
ده كلام جدتي لكن....
كلامي أنا بيقول غير كدا يمكن علشان كانت مصر محتلة من الإنجليز وظروف الحرب الصعبة مكنش فيه جشع وكل واحد بيقول يلا يا نفسي ...
علشان كدا الناس كانت بتحب بعض وتخاف علي بعض....

نظرت فريدة لضريح سعد زغلول ولكن بنظرة عميقة وحزينة ثم قالت :
تسمحلي أقولك يا سعد باشا ولو إن دلوقتي مفيش بشوات...!
أقولك ... أنا والدي معرفش عنه حاجة بعد ما سابني أنا وماما وأخواتي من عشر سنين بقالي سنين محرومة من حنان الأب... !
مش هقولك سعد باشا لا هقولك... بابا سعد...
أنت مكنش عندك عيال ومراتك صفية هانم كانت أم لكل المصريين...
التاريخ اللي درستوا قال عنك كده... قال إنك زعيم وبطل وبتحب مصر... علشان كدا أنا حاسه إنك هتسمعني...
بابا سعد... أنت لو كنت عايش لحد اليوم كنت هتوافق إنك تاخد المساحة الكبيرة إللي عاملين فيها الضريح بتاعك وفيه ناس بتعاني من أزمة سكن ...؟
مش المكان الكبير ده لو اتبني مساكن شعبية هيساعد الناس اللي زي خطيبي ياخد شقة فيه ويتجوز ويكون ليه أسرة ..
بلاش لو أتعمل مشروع كبير ويشتغل فيه الشباب اللي مش لاقيه شغل وبتعاني من البطالة ...
أنا شايفة إن المكان بتاعك ده محدش بيروح يزورك فيه كتير... ده مفيش غيري موجود هنا... يعني مفيش أي عائد مادي من وراه... !
بقولك إحنا شعب بنحب المظاهر بنهتم ببناء حاجات كتير ملهاش أهميه وبنصرف كتير في الفاضي ..!
تعرف ... فيه ناس دلوقتي معهاش تعيش في شقق صحية ونضيفة...
عارف الناس دلوقتي بقت تسكن في المدافن علشان معهاش فلوس ....
ياه عيشة صعبة بس هيعملوا أيه ....؟
اسعار الشقق بقيت غاليه ميقدرش عليها غير الناس الغنيه بس....
طب قولي لو كنت موجود معانا اليوم ممكن كنا نعيش أحسن من كدا...؟
أنا واحدة من الناس ضحيه .... جيلنا اتظلم في كل حاجة.... أتعلمت وخادت شهادة...
على فكرة أنا معايا دبلوم تجارة وبشتغل في سوبر ماركت كبير صاحبه واحد غني جدا ولا عمره فكر يزودني في المرتب ولاحتي يجي علي العيد يعيد عليا...
يلا أهي ماشية .. المساعد ربنا .. شغلانه حلوة بس المرتب قليل500 جنيه .... الماهية كل شهر أقبضها اديها لأمي علشان تصرف على البيت... وباخد منهم يدوب 100جنيه علشان مصاريفي العادية....
بقولك أنا مخطوبه بقالي ثلاث سنين ولا خطيبي عارف يشوف شقة على قد فلوسه كل حاجة بقيت غالية....
ماما بتقول لو سافر يشتغل في دول الخليج هيعرف يجيب شقة ونتجوز ... لكن هو زيك يا بابا سعد بيقول أنا أشتغل في بلدي إللي صرفت عليا وعلمتني.... بس مصر اللي بنحبها مش حاسة بينا والمشاكل اللي إحنا فيها....امتي نشوف أيام حلوة...؟
ليه كل ما نضحك نقول اللهم اجعله خير...؟
كنت لما أسأل جدتي ليه بنقول كدا...؟ كانت بترد عليا إحنا اكثر شعب إتحملنا الاحتلال أصل مصر يا بنتي أم الدنيا الخير كله فيها.... كنت بسرح في الكلام بتاع جدتي... هو فين الخير ده... نفسي أشوفه.... !
لكن سيد درويش كان دايما بيرد عليا... عارف بيرد عليا بكلمتين بسمعهم في أغنية الراديو... أللي بيقول فيها تلوم عليا أزاي يا سيدنا... و خير بلدنا مش في ايدنا... صح الخير بتاع مصر بياخدوا ناس تانيه أما الغلابة إللي زينا يسمعوا عنه بس ...!
عارف أنا رغم أني زعلانه على المشاكل آللي بشوفها كل يوم... إلا أني اليوم فرحانه جدا لإني جيت زورتك النهاردة في الضريح بتاعك...
أد أيه أنت راجل طيب وسمعتني ...
ياه هي الساعة كام دلوقتي...
ياه الساعة بقت عشرة.... !
آه أنا تأخرت على الشغل .... أقولك سلام بقى وهبقي أزورك كل يوم... ولا أقولك هتبقي صعبه شويه ...
أنا وعدت جدتي قبل ما تموت قولتلها هزورك كل يوم... وبعد كدا بقيت أزورها كل عيد.....
أقولك يا سعد باشا أوعدك هجيلك كل شهر...
ولا أقولك كل كم شهر كدا هبقي أعدي عليك... لا احتمال مكنش فاضيه....
ولا أقولك هزورك كل عيد قبل ما أروح أزور جدتي علشان أتكلم معاك وأنت تسمعني ....

تمت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى