جابر عصفور - المقموع.. يستمر في السخرية..

على الرغم من السخرية المريرة التي كان الشعراء يكنونها للحكم الاستبدادي فإن هذا لم يخدمهم من استقراء الواقع والتنبؤ بالكوارث التي سيجرها عليهم هذا الاستبداد.
كانت قصيدة «من مذكرات المتنبي في مصر» تعبيراً عن كراهة أمل دنقل للحكم الاستبدادي، شأنها في ذلك شأن قصيدة «كلمات سبارتاكوس الأخيرة» التي سبقت إلى إدانة الحاكم المستبد، ذلك الذي تربّع على عرشه كأنه قيصر روما، قيصر الصقيع، أو شبيه كافور الإخشيدي، كما يراه شاعر موجوع بالهزيمة، لم يجد سوى رمز زرقاء اليمامة يشكو إليها همّه، ويبث شجونه، بوصفه مواطناً مقموعاً، وبالمثل كانت قصيدة «تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات» إدانة مباشرة لحكم العسكر. وهي إدانة يتقمص فيها الشاعر صوت الحكيم الذي لايخلو من ملامح زرقاء اليمامة، التي أنذرت قومها وحذّرتهم، لكنهم استخفوا بالإنذار، ولم ينصتوا إلى التحذير، فكانت الكارثة هي النتيجة التي أسهموا في حدوثها، لأنهم لم يستبينوا النصح إلا بعد أن وقعت الكارثة، ولذلك تتكرر في القصيدة صيغة «قلت لكم» مع كل مقطع، كي تؤكد خطر حكم العسكر، فنقرأ المقطع الأول:
قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمرُّ
في استعراض عيد الفطر والجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)
لا تصنع انتصارا
إن المدافع التي تصطف على الحدود في الصحارى
لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء
إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا الصوت جهارا
تقتلنا، وتقتل الصغارا
والمقطع كله ينبغي أن نأخذه بوصفه تعبيراً عن وجدان جريح، كان لايزال مروعاً بأثر الهزيمة التي تسبب فيها قادة لم يكونوا على مستوى المسئولية وحاكم لم يؤمن بالديمقراطية على مستوى الفعل، ولو آمن لكان كل شيء في تاريخ مصر المعاصرة قد انقلب من حال إلى حال نقيض، ولذلك يعاود وعي الشاعر المهوّس بالمأساة والذي رأى أصدقاءه، من أفضل عقول مصر، تغيبهم المعتقلات الوحشية من سنة 1959 إلى سنة 1964. أعني أنهم لم يفارقوا المعتقلات إلا قبل الهزيمة الماحقة التي كانت نذرها تتجمع في الآفاق، لم يرهص بها سوى بعض الأدباء الذين تنبأوا بحدوث كارثة قادمة من وراء السحب القاتمة التي أخذت تغمر الفضاءات التي أخذت في التعتيم، ولذلك يعاود الشاعر تذكير متلقيه بما سبق أن قاله عن حكم العسكر على النحو التالي:
قلت لكم كثيراً
إن كان لابد لهذه الذرية اللعينة
فليسكنوا الخنادق الحصينة
(متخذين من مخافر الحدود.. دورا)
لو دخل الواحد منهم هذه المدينة
يدخلها.. حسيرا
يلقى سلاحه.. على أبوابها الأمينة
لأنه.. لا يستقيم مَرَح الطفل..
وحكمة الأب الرزينة
مع المسدس المدلى من حزام الخصر
في السوق
وفي مجالس الشورى

ذروة الأزمة

وقد كتبت هذه القصيدة في سبتمبر 1970، في ذروة الصدام الذي حدث بين منظمة التحرير والجيش الأردني، الأمر الذي اضطر عبدالناصر إلى التدخل لمحاولة احتواء الموقف، ورأب الصدع، فدعا إلى قمة عربية، أنهك نفسه فيها إلى أبعد حد، وكانت النتيجة إصابته بذبحة، قضت عليه في الثامن والعشرين من سبتمبر سنة 1970، ولم يترك موت عبدالناصر المفاجئ أثر إيجابياً من منظور الحريات، فقد ظلت المعتقلات على حالها، مفتوحة للأحرار من المطالبين بالحرية والعدل، وهو وضع لم تغفله قصيدة «أيلول» التي كتبها الشاعر في سبتمبر 1967، أي في عام الكارثة، ونقرأ فيها:
لو زرت دمشق
لوقفت على أبواب «المزة» ولتابعت
الطرق
في ضجة المذياع
يخفت صوت الحق
فمن يقول الصدق
ودلفت إلى غرف التعذيب
ورأيتك تضحك يا أيلول وأنت على
الأخشاب تدق
فلقد أبصرتك في آخر ليلة
مصلوباً تتأرجح في باب زويلة
وأهم ما في المقطع هو الدلالة على امتداد مدارات القمع المغلقة كالسجن، خصوصاً في امتدادها العربي الذي يجمع ما بين سجن «المزّة» الشهير في دمشق، وباب زويلة الذي ارتبط في الوجدان القومي بانكسار المقاومة ضد الغزو العثماني متمثلة في صلب السلطان طومان باي على باب زويلة، والقصيدة مكتوبة بطريقة تكشف عن نوع من التجاوب بين المعنى الذي تجسّده كلمات الصف الأول والصدى الذي يوازيه أو يدعمه في الصف المقابل على الصحيفة نفسها، بما يؤكد المعنى ويضيف إليه ما يكون دليلاً عليه.
ولا يفارق صوت المقموع نبرة السخرية التي أصبحت من لوازم صوت الشاعر في كل مجال كتب فيه، ابتداء من «يوميات كهل صغير السن» إلى قصيدة «السويس» وهي المدينة التي ظلت تحترق بالنار بينما القاهرة الكبيرة:
آمنة.. قديرة
تضيء فيها الوجهات في الحوانيت، وترقص النساء
على عظام الشهداء؟
وقد استمر وضع «الأرض.. والجرح الذي لا ينفتح» قائماً في دلالته القومية على انحدار مزولة الوقت بالأحلام القومية التي غربت عن الأرض التي تطوى في بساط النفط، وذلك في زمن لم يبق فيه من شيء يقال سوى السؤال:
هل يصلح العطار
ما أفسد النفط؟
وهو السؤال الذي يرد في سياقه الإشارة إلى الجيل الذي ينتمي إليه الشاعر والذي يصفه بقوله:
نحن جيل الألم
لم نر القدس إلا تصاوير
لم نتكلم سوى لغة العرب الفاتحين
ولم نتسلم سوى راية العرب النازحين،
ولم نتعلم سوى أن هذا الرصاص
مفاتيح باب فلسطين
فاشهد لنا يا قلم
أننا لم ننم
أننا لم نقف بين «لا» و«نعم»
هذا الجيل الذي يشير إليه المقطع هو الجيل الذي أدخلته كارثة العام السابع والستين في جحيم التجربة التي حاول أن يكتبها بالأظافر في غرفة الحبس، أو بالغبار الذي يتوالى على الصور المنزلية للشهداء، وهو الجيل الذي ظلت ضحاياه تتساقط إلى أن مات عبدالناصر، وتولى السادات - نائبه - الحكم بعده، ودخلت مصر في زمن جديد، وكان أهم وعد للرئيس الجديد في عام 1971 تحرير الأرض المحتلة، وهو الأمر الذي لم يبدأ فعلياً إلا مع سنة 1973 التي كانت فاتحة زمن مختلف هو زمن الحقبة النفطية وانتشار وهيمنة ما استحق تسمية «إسلام النفط».

شفاء الأوجاع

وأعرف أن أمل دنقل رأى في حرب أكتوبر 1973 ما شفى الكثير من الأوجاع التي تركتها هزيمة 1967، فاسترد ثقته بالدور الوطني للجيش المصري الذي نجح في العبور، واسترد سيناء المحتلة، وبعيداً عن ما حدث بعد ذلك من مفاوضات إيقاف الحرب، بعد الثغرة، فقد ظل مغزى العبور كبيراً يشفي وجيعة 1967، ومن هنا تحوّل مصدر القمع من الجيش إلى البوليس الذي أخذت سلطاته تتضخم مع الزمن الساداتي الذي تحالف مع أعداء الناصرية للقضاء على الاتجاهات القومية التي ظل أمل منتمياً إليها، معتزاً بصفة الشاعر القومي أكثر من اعتزازه بأية صفة أخرى. ولكن بؤرة انتباهه الشعري تحولت إلي الحضور المتصاعد للدولة البوليسية بالدرجة الأولى، ولعله في كتب التراث التي كان يعود إليها ما روى عن سفيان الثوري من قوله «إذا رأيتم شرطياً نائماً عن صلاة، فلا توقظوه لها، فإنه يقوم يؤذي الناس»، ولم يتابع أمل هذه التقاليد الشعبية حرفياً، لكنه تحدث في قصيدة «من أواق أبي نواس» عن العسس في الورقة الرابعة التي نقرأ فيها:
أيها الشعر.. يا أيها الفرح المختلس
... ...
كل ما كنت أكتب في هذه الصفحة الورقية
صادرته العسس.
والقصيدة من ديوان «العهد الآتي» الذي صدر عن «دار العودة» في بيروت سنة 1975، وكان الديوان الثالث بعد «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» الذي صدر سنة 1968 و«تعليق على ما حدث» الذي صدر سنة 1971. وقد كتب أمل قصائده بعد أن رأى ضحايا حرب 1973، وتحول السياسات الساداتية التي أصبحت أكثر يمينية، ابتداء من سنة 1972، بعد انتفاضة الطلاب القوميين والناصريين في يناير 1972، وكان من الطبيعي أن يكتب أمل أغلب قصائد «العهد الآتي» احتجاجاً على ما حدث في مصر نتيجة سياسات الانفتاح والتحالف مع دول النفط بما أشاع الثقافة النفطية من ناحية، وأدى إلى تطرف الخطاب الديني من ناحية ثانية، واتساع الفجوة بين قلة تتزايد ثرواتها المكدسة وأغلبية لا تجد الطعام من ناحية ثالثة، وتزايد سطوة الأمن وبخاصة مباحث أمن الدولة التي لم تتوقف عن مطاردة المثقفين من ناحية أخيرة. ولذلك كان ديوان «العهد الآتي» معارضة للعهد القديم والجديد. وفراراً من عالم ينحدر إلى عالم ممكن، محتمل قد لا يجد فيه الشاعر ما دفعه إلى إدانة العهد القائم الذي أدرك أن مملكته التي ترفرف عليها أعلام الحرية والعدل والعقل ليست من هذا العالم القاتم، كأنه المسيح الذي صرخ في «إنجيل يوحنا» من «العهد الجديد» قائلاً: «مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامى يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود» (يو 18 / 36).
وكان من نتيجة معارضة ديوان «العهد الآتي» للعهدين: القديم والجديد، استخدام المسميات الموجودة في العهدين لتأكيد دلالة المعارضة، فاستهلال الديوان هو «صلاة» يتبعها «سفر التكوين» ثم «سفر الخروج»، وهناك «مزامير».. إلخ. والاستهلال هو الذي يعنينا في هذا المقام، حيث نتوقف عند قصيدة «صلاة» التي يبدأ مفتتحها على النحو التالي:
أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك، باق
لك الجبروت. وباق لنا الملكوت. وباق لمن
تحرس الرهبوت.
والمفتتح ينطق سخريته التي تتقنع بخطاب إنجيلي لا ينطق معاني السخرية من جهاز المباحث على نحو مباشر، وإنما ينطقها على نحو غير مباشر، متقنعاً بلغة دينية مسيحية، وبدل أن نقرأ «أبانا الذي في السماوات.. إلخ» نقرأ «أبانا الذي في المباحث» ومناط السخرية هو القوة القمعية التي تجعل من «أبينا الذي في المباحث» قوة مطلقة، تتحكم في المصائر، بوصفها قوة تفوق قوة البشر وتعلو عليها بما لا يقاس. ولكن بما لا ينهي الصراع بينها ونقائضها من المثقفين والمبدعين الذين لا يكفون عن انتزاع حريتهم بإبداعهم، وذلك في الثنائية الضدية التي تضع الطرفين وجهاً لوجه، فيبقى للطرف الأول «أبينا الذي في المباحث» مهابة «الجبروت» وقمعه، في مقابل «الرهبوت» الخاص بمن يحرسه «أبينا الذي في المباحث». أعني نظام الحكم، أو الحاكم الذي يجلس على قمة التراتب، أما النقيض الذي يمثله المثقف المبدع فباق له الملكوت، لأنه من الفقراء الذين يرثون الأرض في النهاية، حسب الرؤيا التي ينطوي عليها «العهد الآتي». وتمضي القصيدة من المفتتح الذي يحدد الأطراف الثلاثة للصراع الأبدي: السلطة وأداتها القمعية في جانب ومعذبي الأرض في الجانب المقابل، فنقرأ المقطع الثاني من القصيدة (الصلاة) المخصص بأكمله لهذا الأب الذي في المباحث:
تفردت وحدك باليسر، إن اليمين لفي الخُسر.
أما اليسار ففي العسر، إلا الذين يماشون
إلا الذين يعيشون يحشون بالصحف المشتراة
العيون، فيعيشون. إلا الذين يشون.. وإلا
الذين يوشون قمصانهم برباط السكوت.
تعاليت ماذا يهمك ممن يذمك؟ اليوم يومك
يرقى السجين إلى سدة العرش،
والعرش يصبح سجناً جديداً وأنت مكانك، قد
يتبدل رسمك واسمك.. لكن جوهرك الفرد
لا يتحول.. الصمت وشمك.. والصمت وسمك
والصمت - أني ألتفت - يرين ويسمك
والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين يلف الفراشة والعنكبوت

تراجع اليسار

والإشارة إلى خسارة اليمين وعسر اليسار إشارة دالة إلى موقف السياسات الساداتية التي بدأت معادية لليسار الذي جمع صفوف الناصريين والقوميين والفصائل الماركسية والشيوعية، واستعانت بفصائل اليمين الديني بوجه خاص، وعلى رأسها الإخوان المسلمون لتقضي على نفوذ اليسار، ولكن ميزان القوى اختل بسبب تخبط السياسات الساداتية التي وصلت إلى حال من العداء المضاد لليمين واليسار معاً، فانتهى الأمر إلى العداء مع الأحلاف الجدد (الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المرتبطة بها أو المتولدة عنها) والخصوم التقليدية الذين تزايد اضطهادهم والتنكيل المباشر وغير المباشر بهم، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى الهجرة، تاركين ساحة الصراع للسادات والإخوة الأعداء الذين انتهى صراع السادات معهم إلى اغتياله على أيدي جماعة من جماعاتهم في أكتوبر 1981. ويجعلنا هذا الوضع نفهم البداية الدالة للمقطع عن اليمين الذي أصبح في الخسران، واليسار الذي انتهى به الأمر إلى العسر، فيما عدا الذين تعوّدوا على النفاق في كل العصور، وطاعة الحاكم مهما كانت سياساته، وهي دلالة تؤكدها البنية النغمية أو الإيقاعية للمقطع التي تلفت الانتباه إليها بعلامات أهمها التكرار اللافت للقوافي الداخلية مع تكرار الجمل القصيرة المتوازية التي تبطئ من سرعة الإيقاع، وتضفي عليه نبرة كهنوتية، يدعمها «التدوير» العروضي الذي يصل الجمل العروضية عبر الأسطر، فيبطئ، بدوره، من سرعة إيقاعها، لكن مع الحفاظ على تدفقها الوزني الذي يجعل من أغلب الأسطر سطراً وزنياً واحداً تتوزع تفاعيله بما يصل بين الأسطر عروضياً ونحوياً في آن، ويتقوى البعد الترتيلي للإيقاع بالسجع الداخلي الذي يصل بين الكلمات بنوع من المجانسة الدالة التي يدعهما المجاز الذي يوشّى ياقات القمصان، برباط السكوت.

بنية المجتمع

وتأتي الدلالة التثبيتية بعد ذلك كي تؤكد أن «أبانا الذي في المباحث» عنصر تكويني في بنية قمعية ثابتة العناصر التي لا يتغير جوهر أي عنصر منها، وإن تغيرت أشكاله وأزياؤه ورسمه واسمه. وهي دلالة تستدعي إلى الذهن مسرحية سعد الله ونوس «الملك هو الملك» حيث يغدو الملك عنصراً تكوينياً في البنية القمعية التي تظل ثابتة العناصر، جوهرياً، مهما تغيرت الأسماء أو الأشخاص، فالملك في المسرحية ينطبق عليه وصف «أبينا الذي في المباحث» ذلك الذي يمكن أن نخاطبه بقول القصيدة: «يتبدل رسمك واسمك. لكن جوهرك الفرد لا يتحول». ولا يفارق الصمت دلالات البنية القمعية، خصوصاً في تكراره الذي يؤكد مغزاه، فالصمت يعني عدم الاحتجاج، كما يعني القبول المذعن والطاعة العمياء التي هي الصفة الأولى للمقموعين الذين يلفهم الصمت بين يدي القامع المشبكتين المصمغتين كالشبكة المحكمة التي يتساقط فيها المقموعون الضحايا كالفراشة وحتى العنكبوت. وكلها مجازات تؤكد الحضور كلي الوجود للقامع الذي يأخذ اسم «أبينا الذي في المباحث» أو القامع الأكبر الآمر للأب الذي في المباحث هو مجلى له، في التحليل الأخير - والنتيجة أشبه بالنتيجة التي تنتهي إليها مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس، حيث تتحول العلاقة بين النقيضين (السيد/الخادم) أو (القامع/المقموع) إلى علاقة أزلية، قد يتبادل طرفاها الوضع والمكانة، لكن التناقض الملازم للقمع بين طرفي العلاقة يظل ثابتاً لا يتحول، كأنه الجوهر الفرد الذي هو حضور مطلق في بنية ثابتة العلاقة بين الأطراف، ولذلك تنتهي القصيدة بهذه الخاتمة الدالة:
أبانا الذي في المباحث، كيف تموت
وأغنية الثورة الأبدية
ليست تموت.
وهي أسطر تؤكد المعنى نفسه، فما دامت الثورة الأدبية باقية في مواجهة القمع، فالثنائية بين القامع والمقموع باقية، وأول شروطها بقاء الجوهر الفرد للقامع مهما تبدّل رسمه واسمه. كالصمت الذي يرين ويسمك أنى توجه القامع أو تحوّل، تماماً كالثورة الأدبية التي تظل أغنيتها علامة على المقاومة التي تظل ملازمة وجوده، ملازمة العلة معلولها والعكس صحيح بالقدر نفسه، كما لو كانت بنية الوجود نفسها قائمة على هذه الثنائية التي لايمكن نقضها إلا إذا غيّرنا جذريا، اللحمة والسداة، وخرجنا على الجوهر الثابت لسِفْر التكوين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى