محمد عصام - عن التجسيد فى الديانة الإسلامية ..

بداية إن التجسيد أو التصوير هو نوع من الفنون التى تهتم بإبراز صورة أو شكل لشخص أدمى أو حيوان أو غيره من النباتات أو الجماد . وفى موضوعنا هذا يحمل التجسيد أو التصوير شقان : (التجسيد بواسطة التماثيل أو رسومات - التجسيد بواسطة شخصيات)
1.التجسيد بواسطة أصنام أو أوثان أو تماثيل أيًا كانت التسمية :
إن التجسيد والتصوير بشقيه كان موجودًا فى جميع الحضارات العريقة القديمة منها حضارة بابل وآشور ونينوى والبتراء واليونان والرومان والمصريين القدماء باختلاف فتراتهم الزمنية . إن التجسيد فى جميع هذه الحضارات وحتى بعد مجئ المسيح لم يواجه معارضة أو لغط بشكل قوى وإن كان هذا لا ينفى المعارضات فى بعض الفترات الزمنية ومنها الحديث عندما ظهر د. ريتشارد نيف بدراسته لجمجمة رجل فى عصر المسيح وادعى استنادًا على تركيبة هذه الجمجمة وعلى دراسة الظروف والأحوال المناخية فى زمن المسيح ليقول أن المسيح كان أسمر البشرة وودعوات أخرى سأفرد لها مقالًا آخر حيث أن هذها الصراعات لم تشكل أزمات طويلة حتى زمننا هذا كما شكلها التجسيد والتصوير بعد مجئ الرسول محمد (ص) .بالعودة إلى موضوعنا نجد أن الحضارات العظيمة القديمة هى التى انفردت بفن التصوير هذا وإن لم ينفى وجوده فى الحضارات الأخرى لكنه كان حضورًا مستلهمًا من تلك الحضارات العظيمة وحضارة العرب التى ظهر فيها النبى محمد كمثال حيث أنها قبل الإسلام كانت تمتلك فنونًا من الرسم والعمارة فيذكر (ياقوت الحموي) في معجم البلدان (مادة دير نجران) أن أهل المنذر كانوا يجعلون من حيطان ديارهم الفسافس وسقوفها الذهب والصور، ويتضح من أساليب الرسوم، والنقوش المائية الجدارية (الفريسكو) (Fressco) المكتشفة في الحيرة أنها تتفق وأساليب الصور الآدمية والحيوانية التي وجدت في مباني (كيش) التي لا تبعد أكثر من ثلاثين ميلا عن الحيرة. وجاء عن أخبار مكة (للأزرقي) وجود الصور الجدارية في جدران الكعبة، وسقوفها ملونة بألوان زاهية كصورة إبراهيم عليه السلام، كما يذكر ذلك السعودي في كتابه ( مروج الذهب). ولكنها كانت كلها مستلهمة من الحضارات التى كانت تحوط العرب ورغم هجوم كاتب فنون العرب قبل الإسلام على الشرقيين لظنه أنهم أجحفوا العرب بعدم ذكرهم أن للعرب تاريخًا فنيًا إلا أنه لم ينكر أن هذه الفنون هى من خلال استلهام الحضارات المجاورة وبعد مجئ الإسلام فى شبه الجزيرة العربية لم يسمع عن أية أعمال فنية من رسوم أو نحوتات أو تماثيل أقيمت بل هدم تماثيل الإلهة القديمة هو فقط ما تم ولم يكن هناك نتاجًا فنيًا للحضارة الإسلامية فى ذلك الوقت اهتم بالتجسيد أو التصوير أو غيره إلا أشخاصًا مفردين وكانوا يبتعدون عن تصوير الأشياء التى بها روح لأن المسلمين كانوا يرون أن تصوير الأشياء ذات الروح بها حرمانية ويستدلوا على ذلك بقول النووي : " قال العلماء : سبب امتناعهم – أي : الملائكة - من بيتٍ فيه صورة : كونها معصية فاحشة ، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى - شرح مسلم.وعن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) . وعن عائشة أم المؤمنين عن الرسول (ص): أشد الناس عذابًأ يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ... المقصود بتصوير أو تمثيل او خلافه . قد جاء فى إجازة الصور التى بلا روح جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( كُلُّ مُصَوِّرٍ فِى النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِى جَهَنَّمَ ) وَقَالَ ، أي : ابن عباس : إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ " . رواه البخارى ومسلم . نتاجًا لذلك نجد نتاج الحضارة الإسلامية الفنى المنظور فى مجال التصوير و التجسيد غير موجود تقريبًا وإن لم ينتفى وجوده خارج شبه الجزيرة لدى من ليسوا مسلمين ، وقد جاء على ذكر ذلك أوليج جرابر فى كتابه تاريخ بورتريهات الرسول محمد - The Story of Portraits of the Prophet Muhammad أن الفن التمثيلى جسد الرسل ومنهم الرسول محمد (ص) فى زمن الرسول ولم ينكرها حيث جاء ذكر قصة فى كتابين موثوقين هما لأبو بكرأحمد ب. الحسين البيهقى (دلائل النبوة) و كتاب أخر بنفس العنوان لأبو نعيم الأصفهانى أن رجلان من أشراف قريش منهم واحد من أرستقراطيين مكة وتجار كبير وسياسى قوى ذهبا إلى ملك الروم (هرقل) وعرضا عليه رسالة من الرسول(ص)تدعوه للديانة وكان معه بطريركه وجلسائه فى حلل فمضى يسألهم عن رسولهم وعن معتقدهم بدون اعتبار لقدسية الدين أو تقديس هؤلاء الرسل لها وفى لقائهم الثانى فى الليل أتى لهم هرقل بصندوق مذهب على شكل مربع به بعض الثقوب على شكل أبواب ومضى يفتح الأبواب ففتح الباب الأول فأخرج منه قطعة حريرية عليها رسم (مضوا فى وصفه)وبعدما رأوه قالوا لا نعرفه فقال لهم هرقل هذا آدم الرسول الأول ثم فتح الباب الثانى و (مضى الكتاب فى وصفه) وسألهم : هل تعرفونه ؟ فنفوا فقال لهم : هذا نوح ثانى الرسل وهكذا حتى جاء لرسول الرسالة فعرضه عليهم فقالوا قبل أن يسألهم : هذا الرسول محمد (ص) فنظر هرقل إليهم واستعجب فسألوه: مم العجب فرد عليهم قائلًا: أن الباب الذى أخرج منه هذا القطعة من القماش التى رسم عليها الصورة - الصورة الوحيدة التى لم يأت فى ذكرها على أنها كانت من حرير- هى القطهة الأخيرة وقيل أنها لخاتم الرسل فسألوه عنها فقال أن هذا الصندوق هو تابوت ألقاه الله إلى الأرض لأدم يريه فيه خلفاؤه من الرسل ووصف عنهم وقد رسمت من قبل الإله بعد طلب من آدم أن يريه الله من سيأتى من بعده وقد وجدها الإسكندر وأعطاها للنبى دانيال وقد آلت نهاية إلى هرقل قيصر روما الذى قال أنها ستظل فى قصره إلى نهاية عمره فعادوا إلى المدينة وقابلا أول من قابلا أبا بكر الصديق وحكوا له فبكى وانطلق يحكى للرسول وحكاية أخرى أوردها البيهقى وأبو نعيم عن أن رجل وجد نفسه فى البصره (سوريا) مع مجموعة من المسيحيين وكان من التجار القرشيين العرب فأخذوه إى دير من الأديرة وأروه الرسومات الموجودة فى هذا الدير وسألوه إن كان يرى رسوله فى هذه الرسومات فنفى فأخذوه إلى دير أكبر وأروه رسوماته وسألوه غن كان رأى رسوله هنا فأشار لهم على صورة سابقة تبين الرسول ومعه رفيقه أبو بكر واختلف البيهقى فى المكان فقال أنه كان منزلًا وليس ديرًا والأقوى البيهقى إذ أنه لاقى اهتمام الدارسين لقوة سنده عن الآخر العجيب فى هذه الحكايات الواردة ان المسلمين الأوائل الذين نقلوها لم يهتموا بالأتيان على ذكر ما حدث لهذا الصندوق أو هذه الرسومات والتمثيلات بعد ذلك وأين ذهبت بل كان جل اهتمامهم منصب على فكرة واحدة هو التأكيد على علم المسيحيين بمجئ الرسول وأنه هو خاتم الأنبياء بإهمال جوانب كثيرة أخرى فأغلبها روايات عمن رأوا ولم ترد صورة واحدة عن هذا غير أن أغلب الصور الأصلية عن النبى التى وردت أتت قبل مجئ الإسلام فى غير المسلمين لتأكد على معرفتهم بالنبى وتأكيدًا على نبوته والغريب أيضًا ان هذه الصور ظلت سرية محصورة بين الرهبان والحكام فقط حتى جاء رجلان عاديان من المسلمين فرأوا الصور ثم اختفت جميع آثارها مرة أخرى وخلال جميع الظروف والأزمنىة الإسلامية لم تأت أى صورة أو رسمة واحدة لأى فرد أو تجسيد لنبى فى العالم الإسلامى إن أتت بعض الرسومات الت كانت تجسد الحكام وقد ظهرت هذا الثقافة - ثقافة الصورة والتجسيد مرة أخرى فى العصر العباسى بسبب انفتاحهم على ثقافة الفرس والرومان وحضاراتهم العظيمة مما أتاح بعض الانفتاح الفكرى والمجادلة لتهيئ مجئ عقول إسلامية بارزة صحيحة الفكر منهم المعتزلة وابن رشد وابن سينا والفارابى ولكن لنعد إلى موضوعنا وقد وجدت مثلًا رسومات موجودة فى كتاب ألف ليلة وليلة تجسد هارون الرشيد وندمائه ورسومات لأشخاص غير أن رسم الأنبياء لم يأت أبدًا فى الحضارة الإسلامية فى أى من الدول العربية - الحضارة الوحيد التى وجد عند مسلميها من جسد النبى والملائكة وصورهم فى غير صورة هى فقط إيران (الحضارة الفارسية) وأغلبهم قد مثل الجسد فقط بينما عتم على وجه النبى بحجاب أو ظهر موضعه نور أبيض ماعدا كتاب جامع التواريخ وبعض المخطوطات والرسومات القليلة التى تنتمى كلها للحضارة الفارسية -(مع الوضع فى الحسبان أن الحضارة الإسلامية العباسية قد تم محو معظم آثارها بفضل المغول عندما تم إلقاء كمية من الكتب حولت لون ماء النهرفمن المحتمل وجودها فى العصر العباسى إلا أنها لم تصل إلينا)وفى معظم تلك الرسومات لم ورد جسد النبى فقط ولم يظهر زجهه وإنما ضرب عليه نقاب أبيض اللون ماعدا جامع التواريخ الذى أظهر له وجهًا ومخطوطة أو اثنتان ولكن لم تتعد حدود رسم النبى أرض فارس (إيران) حتى العصر الحالى الذى تجد فيه إتاحة تمثيل النبى فى إيران فى البطاقات البريدية وغيرها من الصور الحديثة بالنسبة للمسلمين وإن ورد خبر عن أن الأوراد الصوفية المصرية كانت تجسد فى مخطوطاتها النبى إلا أنه لم يؤرخ لها ولم أجد لها دليلًا يمكن الرجوع إليه سوى بعض الكلام من الأصدقاء وغير ذلك من المسلمين لم يرد رسم صورة واحدة للنبى أما من غير المسلمين فقد ورد عنهم الكثير من الصور التى تعتبر بدايتها الحقيقية فى تصوير النبى هى عصر النهضة ومنها بورتريه ألكسندر روز وم.بريديوكس وويليام بلايك وجوستافز دور وأدولف فاينمان الذى أقام له نحتًا بارزًا على مبنى المحكمة الأمريكية العليا فى واشنطن وهو يحمل السيف والقرآن وتيودور هوزمان حتى القرن الواحد والعشرين الذى بدأ معه استخدام الكرتون فى التجسيد والذى مال فى الأغلب إلى التجسيد الكاركاتيرى . 2. التجسيد بواسطة الشخصيات وهذا لم أجد له نصًا صريحًا يحرمه وقد أتى المسلمون على عمل العديد من الأفلام والمسلسلات التى تجسد شخصيات الرسل والملائكة ولكنها انحصرت أيضًا فى إيران وإن خرج الخليج عن هذا الحاجز من قريب وجسد شخصية عمر فى مسلسله الشهير الذى عرض على قناة ال MBC ولكن ما أتى فيه كان اجتهادات من العلماء الذين رأوا أن هذا التجسيد يتطلب الارتباط بمنحى درامى يلزم الشخصية بالظهور كما يريدها الكاتب لا كما هى سامية ومنزلة وأيضًا - وهذا مستهجن وغريب فى العلل - أن أخلاقيات الممثل قد تكون فاسدة على أرض الواقع مما يعيبه تمثيل شخصية مقدسة ولكن لم يرد فيها نص يمكن الاستناد إليه . انتهى .
......................................................................................
المراجع :
1.http://elaph.com/Web/News/2015/12/1062037.html(عن صورة المسيح)
2.https://www.jstor.org/stable/1596240…(The Story of portraits of prophet Muhammad)
3.http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php…(حكم تمثيل دور الصحابة والرسل )
4.https://islamqa.info/ar/180539(حكم تحريم وتصوير ذوات الأرواح)
5.http://www.massira.jo/…/%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%…(كتاب فنون العرب قبل الإسلام - محمد حسين جودى )
6.https://en.wikipedia.org/wiki/Depictions_of_Muhammad(تصوير الرسول محمد (ص)من المسلمين وغيرهم)
............................................................................................
ملحوظة : للتأكد من كتاب جامع التواريخ لا تراجع الكتاب المتوفر حاليًأ فقد حذفت منه كل الصور ولكن ارجع إلى المخطوطة الأصلية وهذه صور منها فى هذه الصفحة متضمنة جزء عن النبى(ص) وبجانبها صور من المخطوطة الأصلية:
https://en.wikipedia.org/wiki/Jami%27_al-tawarikh

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى