محمد إسعاف النشاشيبي - أبو العلاء المعري.. التفاؤل والأثرية عند الشيخ - 4 -

الأمل:

لي أمل، فرقانه محكم ... أقرأه غضاً كما أنزلا
أجرى من الخيل آمال أصرفها ... لها بحِّثي تقريب وإخبابُ

لا تقنطن أيها الإنسان، فإن بلغتك عند الله الكريم، والرزق يطلبك وأنت تبصر الأحلام. لو أن للزرق لساناً هتف بمن رقد، أو يدا لجذب المضطجع باليد، أو قدماً لوطئ على الجسد، لا يزال الرزق مرنقاً على الهامة ترنيق الطير الظماء على الماء المطمع.

سم الهلال إذا عاينته قمر ... إن الأهلة عن وشك لأقمار
وقد يخمل الإنسان في عنفوانه ... وينبه من بعد النهي فيسود

أحسبت الخير ليس بمثنمر؟ بلى. إن للخير ثمرة لذت في المطعم، وتضوعت لمن تنسم، وحسنت في المنظر والمتوسم، وجاوزت الحد في العظم، فما ظنك بثمرة هذه صفتها؟!

هون عليك:

الأمر أيسر مما أنت مضمره ... فأطرح أذاك وهون كل ما صعبا
إذا تفكرت فكراً لا يمازجه ... فساد عقل صحيح هان ما صعبا
العلم كالقفل، إن ألفيته عسرا ... فخله ثم عاوده لينفتحا

دع ما ضر وصعب، إلي ما نفع وهان. واترك المضلة إلى المرشدة فإن طرقات الخير كثير.

لا طيرة:

الأيام كلها لله، وربما ساءتك عروبة، وسرك الخميس. وإذا نزل بك نازل في يوم فلا تمقته لذاك.

بركات الله ورحمة:

يبعث الله في نهار وليل ... بركات من رزقة مدروره

غشيت رحمة الله كل الحيوان، وتكفل بالرزق لكل المتغذيات.

فرح الملأ بالكلأ، وحق لهم أن يبتهجوا برزق الله الكريم. جاء اللَّبأ، وذهب الوبأ، فسبحان الله العظيم! يا خصب، ثِب لتُراق الكُثَب على الكُثُب وعلى الله رزق العالمين.

السماء تَدِقُ، والبلاد تورق، والله الموفق، والرزق بكرمه مهتدفق.

والشمس نغمر أهل الأرض مصلحة ... ربّت جسوماً، وفيها للعيون سنا
طهت لك الشمس ما يفني أخادعة ... عن أن يكون له في الأرض طاهونا

الأقدام، الجسارة:

وإني رأيت الصعب يكرب دائماً ... من الناس من لم يركب الغرض الصعبا
والعيش جسر، نال من هو جاسر ... أو كاد فيه وخاب من لم يجسر
ويحمد الصابر الموفى على غرض ... لا عاجز بعري التقصير معقود

ينبغي للمسبوق ألاّ يؤثر بصبوح ولا غبوق، فليستحي المتأخر أن يفتخر.

الخيف من رأي السخيف، فاجر على مَطَرتَك في تقوى الله؛ والخيل بفوارسها متمطرات.

إنما نحن في أحلام نائم لا أحلام ذوي العزائم، وقد يرى الراقد نفسه مع الفراقد، فإذا استيقظ رآها بالجدد.

وكن في كل نائبة جريئاً ... تصب في الرأي إن خطئ الهدان

وسائل من تنطس في التوفي ... لأية علة مات الجبان

اشِجُع فإن أقدار الله لا تعجل إلى الشجاع.

صُلْ على الظالم بالمنصل.

الدنيا، الحياة:

خُلقتُ من الدنيا وعشت كأهلها ... أجد كما جدوا، وألهو كما لهوا

أمور دنياك سطر خطه قدر ... وحبها في السجايا أول السطَر

ولا تظهرن الزهد فيها فكلنا ... شهيد بأن القلب يضمر عشقها نفسي بها ونفوس القوم ملهَجة ... ونحن نخبر أنا لا نباليها

أمرتني بسلو عن خوادعها ... فانظر هل أنت مع السالين ساليها

ولا ترى الدهر إلا من يهيم بها ... طبعاً، ولكنه باللفظ قاليها

فترومن هذى الحياة ... لكي تموت النفس ريّا

الموت، كرهة:

والنفس آلفة الحياة فدمعها=يجري لذكر فراقها منهُّله!

ولم أرد المنية باختياري ... ولكن أوشك الفتَيان سسي

ولو خيرت لم اترك محلى ... فأسكن في مضيق بعد رحب!

فليت الفتى كالبدر جدد عمره ... يعود هلالا كلما فني الشهير!

أحسن بدنيا القوم لو أن الفتى ... لا يُقتضي، وأديمه لا يحلم!

تضاعفت همي أن أتتني منيتي ... ولم تقض حاجي بالمطايا الرواقص!

فواها لأشباح لكم غير أنها ... تبدل من أوطانها برموس!

أنبأنا اللب بلقيا الردى ... فالغوث من صحة ذاك النبأُ!!!

صوت البطولة:

هناك ضرب من الموت لا يكره ولا يذم بل بحب ويعظم، وهو موت البطولة في الوغى. وقد حرض الشيخ عليه، والحرب شرعة العربي:

إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهويني بالفتى أن تقطعا

والجهاد من دين المسلم:

(كتبَ عليكم القتال وهو كرْهٌ لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون).

(وجاهدوا في الله حقَّ جهاده).

(وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون).

(انفروا خفايا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).

وإذا كان الحال كما قال الشيخ.

وما سلُّ المهند للتوفي ... كسل المشرفية لتشفى

فالموت يومئذ خير من ألف حياة، خير من الخلود.

من السعد في دنياك أن يهلك الفتى ... بهيجاء يغشى أهلُها الطعن والضربا

فإن قبيحاً بالمسوَّد ضجعة ... على فرشه يشكوا إلى النفر الكربا

كلُّ يحاذر حتفا ... وليس يعدم شربه

ويتقي الصارم العضب (م) ... أن يباشر عربه

والنزع فوق فراش ... أشد من ألف ضربه

لقد ركزوا الأرماح غير حميدة ... فبعدا لخيل في الوغي لم تطارد!

وما يجمع الأشتات إلا مهذب ... من القوم يحمي باردا فوق بارد

لضربة فارس في يوم حرب ... تُطير الروح منك مع الفراش

أخفُّ عليك من سقم طويل ... وموت بعد ذلك على الفراش

ألا تنهض للحرب ... وتدعو للوغى شوسك؟

وقد علمتُ وغيري عن مشاهدة ... أن العلا إلفُ قوم في الوغى لِيسِ

وجدتُك أعطيت الشجاعة حقها ... غداة لقيت الموت غير هيوب

من السعادة أن يموت القوم كراما

للحديد العلا على سائر الجوهر (م) ... ذلُّ العدى وعزُّ الضيوف

فوارسُ خيلكم تُعطى مناها ... إذا دمَّى نواجذَها الشكيم

وفي بيض السيوف بياض عيش ... بذلك - فاعلموا - نطق الحكيم

القوة:

يخضع الظبي الأخضع، وينتصر الليث المهتصر.

المال، تثميره:

والمال خَدنُ النفس غيرَ مدافع ... والفقر موت جاء بالإهمال

أو ما ترى حكم النجوم مُصوراً ... بين الحياة يليه بين المال ما اليسر كالعُدم في الأحكام بل شحطت ... حال المياسير عن حال المحاويج

انفقْ لترزق فالثراء الظفر، إنْ ... يُترك يَشن ويعود حين يُقلم

ينبغي لمن يرث، أن يًحترث، وإلا فني التراث

جل من سخره لقضاء الحاج

أعتمدُ على ذي وجهين، وما عُرف قط بالمَين. لو كان رجلاً لكان ناصح الجيب. . . سبّح ربه مذ خُلق، إذا انطلق به فهو منطلق، ومتى بُعث في المآرب قضاها، والله بلطفه أمضاها. ثم يُحبس ولا ذنب له. سجن فهو طول الدهر مستريح، لا تلج عليه الشمس ولا الريح. لا يأكل ولا يشرب. . . له منزل ما دخله الهم. . . إذا غاب الحافظ عنه فله الختم، وليس ذلك من القضاء الحتم. . . خُص بالعمر الطويل، وتناسخه جيل بعد جيل، فظهر في الأكاليل، والأسورة والخلاخيل، والكأس الدائرة بشراب الكرم والنخيل. ما شاب ولا هرم، ولا درَم للكبر ولا درم. ملكه قوم فدفنوه، فتطاولت في الأرض سنوه، ثم ظهر ما نُسى اسمه، ولا تغير جسمه. . . به صفرة من غير الضرب، ظهر بها في الشرق والغرب. . . تلقاه معِلماً بالتوحيد، وليس بالعالم ولا البليد، ولكن الله أنطق بعظمته كل جماد. . . جلَّ من سخره لقضاء الحاج.

العمل

تروم رزقاُ بان سموَّك متكلا ... وأدينُ الناس من يسعى ويحترف

لا تقومنَّ في المساجد ترجو بها الزلف

معملاً بسط راحتيك إلى نائب يُلف

وُرُم الرزق في البلاد فإن رمتَه ازدلف

يعرى الفقير وبالدينار كسوته ... وفي صوانك ما إعداه خرف

أملك من شداد بن عاد ساعة تفتقر الأملاك رجل اشترى كرْا، وقصد منابت الشجر محتطباً، فرجع بالعَضد متكسباًن فأحل في المكسب وأطاب

لا يصيرنّ فقير تحت فاقته ... إن السباريت جابتها السياريت

من في اللجة يغبط السائر على المحجة، والمسافر يغبط المقيم، والغنيمةُ مع الظاعنين العمل - وإن قلَّ - يستكثر إذا اتصل ودام

من سهر في الليالي السود فأحر به أن يسود
بُلغ أمل بعمل، وأهلُ التقصير بلا عون ولا نصير
أجدْ عملك وجِدَّ فيه
طِدْ بناءك على أس

الثمر، النبات

فإذا ملكت الأرض فاحم ترابها ... من غرسه شجراً بغير ثمار
إذا رملة لم تجيء بالنبات ... فقد جهلت إن سقتها السواني



مجلة الرسالة - العدد 607
بتاريخ: 19 - 02 - 1945

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى