ماجد سليمان - شرق الأرض، غرب البحر.. مشهد من مسرحيّة

المشهد الثالث
ـــــــــــــــــــــ
عُمير، نجَّار إفريقي
(الوقت ضحى . عُمير يتذكر طفولته)

عُمير: ماذا تصنع بهذا الخشب.؟..

النَّجار: توابيت..

عُمير: (فمه ينفرد عن ابتسامة ضامئة صفراء) ماهي التوابيت.؟.. صناديق.؟.. (يضحك النجار وهو يُلقي الألواح ويُعيد صَفّها إلى جوار بعضها) أتضحك منّي..؟..

النَّجار: (يطرق على المسمار برفق مُجيباً) أبداً.. لكن ألا تعرف التوابيت.؟..

عُمير: أسمع بها، أهي من لُعب الكبار.؟.

النّّجار: (يطلق ضحكة طويلة ويقول بصوت يُغالب الضحك) لُعب للكبار.!!..هي آخر ما يلعبون به إذن..

عُمير: وهل تعلب أنت بها أيضاً.؟..

النَّجار: (تنغلق ملامحه على العبوس، ويهزّ رأسه مُجيباً) سألعب بها بلا شك.؟.. متى ما أَذَن الربّ بذلك.. التوابيت يا ولدي هي آخر الصناديق التي يُؤخذ فيها الإنسان..

عُمير: (يشبك ذراعيه على ساقيه) وهل صَنَعْتَ لك واحداً.؟..

النَّجار: (يتَوَقّف طرقه على الألواح ليجيب دون أن يلتفت) لست بحاجةٍ لتخصيص واحدٍ لي، هناك ما يكفي ليجدوا نصيبي من بينها.. (صمت) لقد أمضى أبي في هذه المهنة سنوات وهو يجلس على الرصيف المقابل لمنجرته، وأمامه صندوق حديديٍّ مُعبّأ بأدوات النجارة، يتذكّر أيامه التي أخذها الماضي حذاءً له، عُمراً قضاه يصنع للبشر توابيت ذات ألوان غامقة وفاتحة (يسعل) تَعَوّد هذه المهنة حتّى امتصّت تفكيره بالموت.. وحين مات حملوه فوق عربةٍ خشبيّةٍ، وَمُشَيُّعوه يُكرّرون: احذروا آمالكم .. احذروا آمالكم..

.. ستار ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي،
صدر له حتى الآن أكثر من 19 عملاً أدبياً تنوَّعت بين الشعر والرواية والمسرحية والقصة وأدب الطفل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى