حسين الجاف - حسناء الغجر.. قصة قصيرة

كانت مجموعات مختلفة الاعداد تزور قريتنا مرتين في العام.. مرة في اوائل الربيع.. ومرة في أواخر الصيف.. بملابسهم الملونة المزركشة الجذابة غطاء الرأس من لون.. والسروال من لون والقميص من لون.. والجلباب من لون كومة من الالوان المتنافرة الصارخة التي كانت تبعث في نقوسنا نحن مراهقي القرية وشبابها غامضة من الانبهار والدهشة ولربما الاستغراب ايضا. كانوا يعسكرون في الغابة الكثيفة الاشجار والاحراج في الركن الشمالي القصي من قريتنا الغافية على أعتاب جبال هه ورامان يأتون ليلاً دون أن يشعر بهم أحد ويغادرون عند بزوغ اولى خيوط الصباح.. في يوم آخر أو ربما بعد ايام او اسابيع كان كل شيء حولهم يبعث على التساؤل والحيرة وكانت نساؤهم جميلات جداً لكنهن قذرات.. حمراوات.. خضراوات بيضاوات من كل لون إلا اللون الاسود.. لغتهم كانت عجيبة غريبة.. قال بعض كبار اهل القرية.. انها ربما خليط غريب من الكردية والعربية والازرية والفارسية والبلغارية.. يتحدثون بها فيما بينهم عما يشبه اللغز لتثير في صدور من يسمعونها.. مشاعر اكثر غموضا.. لايعرف لهم احد وطنا بل ان حتى مسار تحركهم الجغرافي كان مجهولا لدى معظم من كانوا يتوقون لمعرفة المزيد عن اسرارهم وأحوالهم.

كان شباب القرية يتحرقون شوقاً الى مجيئهم.. للقاء حسناواتهن العصيات علهم ليظفرو منهم بلقاء حميمي بهن.. والذي كان في الحقيقة من أندر ما يكون.. فالفتاة الغجرية ذكية لعوب ولربما خبيثة ايضا.. تعلم بالفطرة بأن الشباب الذين يلاحقونها ويراودونها عن انفسهم ويقدمون لها بعض الهدايا الثمينة لايهمهم من ذلك سوى ارضاء نزواتهم منهن وقد يكون نتيجة تحقيق هذه النزوة جنين ينازع ليجد له في أحشائها سبيلا للخروج الى الحياة لكن دون أب معروف.. مثل معظمهن إذ لايعرفون لهم أبا ولربما أما.. كان الشباب يتوددون إليهن بشتى الطرق.. بالهدايا الجميلة وبالتوسلات.. وبالكلمات الرقيقة والحركات الأكثر رقة التي لربما لا يفهمون لها معنى.. لكنهن وبحكم الفطرة التي جبلن عليها.. كن يفهمن ما يريدون.. منهم كان ذلك واضحا من حرارة اللهفة.. ومن حمى الاشتهاء.. شباب في عنفوان الرغبة والقوة.. وفتيات في ريعان الصبا والجمال والجاذبية على الرغم من قذارتهن اللافتة هذه الواحة من الالوان الصارخة المتضاربة في غابة خضراء غريبة الحجر كثيفة الشجر وسط هبوب نسيمات كأنها تتسلل الى انفاس مستنشقيها من رياض الجنة.. كل شيء يبعث على الجمال وعلى الرغبه وعلى اللقاء.. دلير.. اكبرنا جميعا المشهور بمكره.. ظفر اكثر من مرة بلقاءات حميمة مع الكثير من زائرات الغابة من الغجريات.. وعلى الرغم من مبالغاته. لكنه كان ناجحا جدا في تصوير كل ما يفعله مع احداهن عند انفراده بها لكنه كان يقول ايضا ان الاباء والامهات المزعومين لم يكن يعنيهم شأن مواعدة بناتهن.. بل كانوا يتغافلون وعن عمد ما كان يجرى أحيانا بين أحد شبابنا واحدى فتياتهن في احد زوايا الغابة الكثيفة الداكنة الخضرة.. مرة سأل احداهن عن أب الجنين المتنامي في احشائها وكانت حبلى فقالت:

رجل وسيم مثلك مر من هنا

وهذه هي- فيما يزعم الكثير ممن عرفوا الغجر- هي بعض القوانين ولربما أهمها التي تحكم العلاقة بين الذكر والانثى عندهم.

مرة جن احد شيوخ القرية لاثرياء ولها وهياما وغراما بأحدى صبايا الغجر الوافدين الى الغابة الشهيرة.. ولم يترك سبيلا لامتلاكها في شرعة الله وسنة رسوله ولربما غير ذلك إلا وسلكه لكن الصبية الفارعة الطول.. رفضته وتمنعت عليه ورمت في وجهه صفيحة ملأى المخشلات الذهبية.. واللؤلؤ والماس و..و.. قدرت محتوياتها وقتئذ قدمها لها.. لكنها رفضته ورفضته ورفضته، مارس التجبر والقوة.. واللين والعطف والحب.. والمودة.. لكنها لم تستجب لنزوته ربما بدافع من حسها الفطرى.. بأن هذا الشيخ يريد شراء ربيع عمرها بمجوهراته لكنها.. أبت.. فيما يبدو- مبادلة خريف عمره الذاوى بربيع شبابها المتوقد.. حاول كثيرا لكن عبثا فلم يجد مطلق إستجابة.

لم يكن الشباب في انتظار صبايا الغجر حسب.. انما نساء القرية ايضا فقد كن قد اعتدن وجود بعض ضاربات الودع بينهن ممن يقرأن الطالع ويتنبأن بالبخت.. فيتسارعن بمجرد سماعهن بحط خيامهم في الغابة.. وقد أخذت معهن الجوز واللوز والتين المجفف والزبيب ولربما بعض العسل إليهن ليقرأن لهن بختهن.. وكانت الحكايات كثيرة عن صدق قراءاتهن على الرغم من إبنة عم والدتي (بروين خان) كانت تؤكد لكل من يعرفها ويعرفهن بأنهن كاذبات قذرات وأن كل الذي يزعمن بالتنبأ به هو هراء في هراء في هراء.. لكن بعض نساء القرية كانت قراءتهن لموقف الخالة (بروين خان) مختلفة.. إذ كانوا يعتقدون بأن سر حملتها الشعواء عليهن.. هو غيره شخصية لان زوجها كان قد وضع عينه على احدى صباياهن منذ اكثر من موسمين، لقد كنا نشعر حقا بأن في الغجر بعض التميز عن غيرهم سحنة حمراء داكنه عيون ملونة في الغالب.. شعور طويله اشبه بسنابل ذهبيه.. كان أغلب كبار السن عندهم.. وتتلألأ في افواههم طقوم أسنان مصنوعه من ذهب.. أما صباياهن فلم يكن يعرن لمعان ونظافة أسنانهم الاهتمام المطلوب.. ظل الشيخ محمود يكرر طلب يد الغجريه الحسناء كلما حطوا بين ظهراني القريه.. بيد انه كان يجابه بالرفض.. ليشكل الامر هاجسا مرعبا وجرحا داميا في قلبه.. على الرغم من أن مخدعه كان يضم اربعة من اجمل النساء حتى انه فكر في ان يدبر أمراً بليل يتسطيع من خلال منعهم من التردد الى القريه مرة اخرى حينما أدعى بأن اثنين من رجالهم..

سلبوه محفظته وجواده الابيض في احدى الليالى.. عند عودته عبر الغابه من عرس في قرية مجاورة.. لكنه لم يفلح.. إذ عجز عن توفير مايكفى من أدلة الادانة لالقائهما بالسجن.. اذ كان يأمل من خلال ذلك ان يبث الرعب في قلوب الاخرين منهم بغيه منعهم من القدوم الى القرية مره اخرى ويدافع من غريزه حب الاستطلاع.. توجهت مع صديق لي صوب الغابه لأرى مافيها ومايجرى خلف كواليسها.. وبمجرد ما وطأت اقدامنا الغابه حتى جوبهنا أنا وصديقي بنظرات الاستغراب واللارتياح من قبل نزلائها الغجر ومعظمهن كن صبايا في عمر الورود نظرات مستغربه من وجوه سمرتها او حمرتها أشعة شمس التجوال في الفياقي والقفار.. فشدت نظرى امراه ذات جمال متوحش تفترش الارض واضعه امامها منديلا ابيض ترمي الى الاعلى مجموعة من الخرز الازرق والابيض الناصع.. صدقوني أني لم اميز بين عينيها الزرقاوين وبين الخرز الازرق الذي كانت تعبث به..

مرة استطاع احد شبابنا المتهورين ان يختبىء في تجاويف الصخره العاليه المطلة على رأس النبع عله يرى الاجساد البضة المتلألأه وسط النبع حيث كانت الشابات الغجريات يستحمن في حرية وأمان وبمجرد أن أحست بوجود الغريب احداهن.. حتى خرجت من النبع عارية إلا من ورقه التوت المغطيه للعورتين.. وتسلقت كما القرود الى اعلى الصخره.. لتمسك بالمتطفل غير المؤدب وتفرغ عليه جام غضبها بعضه فوق الكتف لتقطع منها قطعه بطول خمس سم.. ملقته اياه درسا سوف لن نساها في يوم الايام.. فعلت ذلك في ظل اجواء شعارها اني اعطي نفسي لمن يملك قلبي او الذي استلطفه على الاقل.. ومن يومها صار ذلك درسا لنا جميعا.. فصبايا الغجر لسن لقمه سائغه امام إلنهم الشبقى لشبابنا الاصحاء قويمي البناء الجسدى والشديدى الرغبه باللقاء الجسدى معهن.

يومها سمع آمر مخفر الشرطه الذي تخضع له قريتنا وغابتها بوجود هؤلاء الغرباء في الغابه.. فقرر زيارتهم بقصد الابتزاز واستعراض عضلات السلطه والقوة عله أو يبتزهن احدى صباياهن الجميلات فسير معه ستا من شرطه المخفر وهم تمام موجوداته مدججين بالسلاح ثلاثة منهم في المقدمه.. وثلاثه في المؤخرة ووسط الرهط اخذ يمشي في ازدهاء وخيلاء آمر المخفر مضيفا على شخصيته الضعيفه وموقعه الوظيفي المتواضع جدا أبهة ما بعدها من أبهة لا لشيء إلا لاستعراض العضلات ووسط مظاهر عسكريه تتميز بالجديه..

كان نائب العريف يمسد على شاربيه الطويليتن بقصد إرهاب المقابل وإرعابه وعندما وصل باب خيمه رئيس الغجر.. طلب من احد الواقعين ببابها مناداة رئيس الغجر.. وعلى الفور خرج الرجل بشموخ حاملا بعض الادله الثبوثيه للشرطي ورهطه..

وعندما قلب نائب العريف الاوراق لم يجد فيها مايضعهم تحت مسائلة السلطات بيد انه احتج عليهم بأنه لم يكن على مسبق علم بقدومهم لا لشيء إلا لتأمين الحماية والمكان اللائق بهم غير ان الرجل الحكيم المسن الذي يرأس القبيلة منذ نحو 60 سنة قال له: الامر سيآن عنده.. فبأعلامكم من عدمه لايعني لنا شيئا.. فنحن هنا بمحضى أرادتنا ولم نفعل شيئا يخالف القانون وهكذا ألقم شيخ الغجر.. آمر المخفر حجرا.. فعاد ادراجه وهو يجر اذيال الخيبة من دون أن يحقق مبتغاه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى