سامي الشاطبي - حارس ترابي

عندما انتهينا من دفن جدي:

- ازدحمت المقبرة بهذا الجيل أيضا، فلم أجد حفرة أدفن فيها جدك سوى بجانب باب المقبرة، حارسا على الأموات.

يا لحزني، تمنّيت حين رأيته يقتل فدى لمن يحرسه كسر رتابة عملنا كحراس للأحياء حتى يموتوا وللموتى حتى يبدد التراب أجسادهم أن يدفن جدك بين القبور معززا مكرما لا فرق بينه وبين أسياده، ولكن.. آيه هذه مهنة قاسية أرغمتنا قساوة الظروف على تأديتها وتوريثها يا ولدي ولا مجال للأمنيات.

***

وضع فخذي بين رأسه وغادر القبر:

- إن أمنياتنا مثل خشب السوسن تنكسر مع أول محاولة لضرب اللاعدل في الحلم فما بالك في الواقع، وبناء على خبرتي أوصيك بألاّ تدفن رأسك في مثل هذا النوع من الأحلام مهما أعلتك غريزة حب التحرر أو دفعك ظلم أسيادك.. عش كما عشت أنا قانعا وراضيا، وعند مماتي ادفنّي كما دفنت جدك، وعد لحراسة الأسياد من أبناء جيلك.

***

أغلق باب المقبرة ومضى يهذي:

- نحرسهم طوال حياتهم وعند مماتهم نسلّم حساباتهم الختامية للسماء ومفاتيح قصورهم للخلف وبندقية الحراسة لأبنائنا ونموت في ذات المقبرة ولأننا آخر من يموت فلا مكان يتبقى لجثماننا سوى مواراته بجانب باب المقبرة، نحرسهم وهم أموات وبدون مقابل. هيا خذ المجرفة وسر خلف المقبرة القديمة. هناك ستجد أرضا خلاء، سوّرها وابن مقبرة تتسع لأسيادك.

حينما رأى جحافل الشيب تحتل جسده اقتلع عينيه:

- لا يمكننا بأيّ حال من الأحوال إيقاف الأسراب المهاجمة ولا الهرب منها لأن إيقافها يعني أن تحلّ محلّنا وهروبنا لا يزيد عن كونه هرولة عكسية نحو أسراب أخرى أمرّ وأبشع.

العمر لا يعبه إن مر على رواد سنواته عصر كآبي وحزين كعصرك لأنه غدا مثلي حارسا ملّ من رؤية الداخلين بشرا والخارجين عسسا فاقتلع عينيه ودفنهما في التراب عله يرى في الظلام عصرا آخر لا يعبه إن مر على رواده سنوات من الفرح والصفاء.

أوصيك مرة أخرى بألا تقلدني وتقتلع عينيك فأنت ابن الحروب والأسى لن تتمكن من دونهما إيقاف الأمر من الحرب والأبشع من الأسى ولا الهرب منهما لأن هروبك هرولة عكسية نحو أسراب أخرى أشد مرارة وأكثر بشاعة.

***

عندما صرعت والدي رصاصة أثناء نوبة حراسته:

- أعدّ الغداء لأمك وقل لها قد مات زوجك فأعدّي العدة لموتك.. سلمي مفاتيح المطبخ والمخزن لابنتنا وأوصيها كما أوصتك أمك بمواصلة الخدمة.

قد حان زوالي فخذ البندقية كي أتمكن من تصفية العهدة وتسليم حساباتهم الختامية للسماء.. أوصيك للمرة الأخيرة بألاّ تدع للحلم مجالا لينفذ إلى قلبك.. اشهد.

***

بعدما دفنت والدي بلحظات:

- ناداني أحد أسيادي:

- هيه هل أنت الحارس المكلف بحراستنا؟

- نعم.. وهذه البندقية…

- لقد قررنا نحن أسيادك لعب كرة القدم ولكننا لم نجد حارسا للمرمى.



سامي الشاطبي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى