حيدر عبد الرضا - إقحام فصول رواية داخل جسد قصة قصيرة.. في الغابة؟؟؟ لمحمد زفزاف

في دراسة مقالنا هذا يهمنا أن نقف عند الكتابة القصصية لدى تجربة القاص و الروائي الراحل الأستاذ (محمد زفزاف) نظرا للإشكالات الثقافية و الفنية و الجمالية و النسقية و التداولية التي تطرحها بعض كتابات هذا الكاتب القصصية على الساحة السردية العربية، و نظرا لما تضج به رؤى هذا الكاتب الحكائية من مظاهر أسلوبية و جمالية شائكة في خضم المعالجة و الوقائع و الشخصيات و الزمكانية و العاملية العلاماتية في بناء تماثلات الأنساق السردية في النصوص القصصية.. تحديدا هنا سوف نطالع بالقراءة ما جاءت به قصة (في الغابة) من وقائع و إنفعالات و مواقف نفسية و عاطفية نابعة عن دوافع خوف و قلق شخوص النص جراء عملية خوضهم المفارق و الشهواني داخل حدود مخيمات قرى الغجر الواقعة في عمق أحراش الغابة.. إن عملية الأنتقال التي ألمت بالشخوص القصصية في فضاء سياق ذواتهم الشخصية، كانت رغبة منهم في تحقيق نوازعهم الجنسية التي تتمثل بأهوائهم لمضاجعة أحدى بنات تلك المدن الغجرية في الغابة. إن الإعلان عن حلم دخول أولئك الشخوص مخيمات الغجر في الغابة، هو بحد ذاته الأمر الذي ساقهم الى أسترجاع حكايات بعضهم البعض، و رغم كثافة الأنتقالات في هذه القصة، لاحظنا حجم تمظهرات ذلك التصوير النفساني للشخوص، إنطلاقا من حاجاتهم العاطفية الخاصة في زيارة مخيمات الغجر. في الحقيقة أقول ليس في نص محمد زفزاف هذا ثمة هموم فنية أبداعية مقلقة و شاخصة على مستوى التقنين التقني و البنائي، بإستثناء كون هذا النص، أخذ يقدم مؤولات تعرفية ما حول موضوعة رغبات شخوص القصة المغامراتية. و تبعا لهذه الإجرائية من لدن فكرة القاص في النص، وجدنا موضوعة القصة منصبة في خصوصيات حياتية اطارية الهدف و الغاية و الوسيلة : (علمنا إن الغجر خيموا هذه المرة في الغابة.. يأتون مرتين أو ثلاث في السنة.. يتوقفون قليلا أسبوعا أو أسبوعين ثم ينصرفون الى مكان لا نعرفه.. ليس لهم مقر يعودون أليه بالضبط مثلما قد تفعل الطيور.. ينصبون بعض الخيام و قد لا يفعلون.. بل ينامون في جوف سياراتهم الكبيرة العتيقة من صنع أمريكي.. يعلقون ثيابهم على نوافذ تلك السيارات و أغطيتهم فوقها.. و أحيانا على حبل مشدود بين سيارتين أو بين سيارة و شجرة.. هذه المرة حطوا في الغابة.

قال حمو : إن عددهم كثير و ليسوا قذرين مثل أولئك الذين سبق و أن شاهدناهم؟ قال عدي : هل معهم بناتهم الجميلات؟ قلت : إنهن جميلات رائعات لكن كيف الحصول على واحدة منهن؟ رد حمو : الأمر سهل ربطة من الكيف إنهن يحببن ذلك كثرا؟ إنهن لا يتحششن بل يشربن النبيذ؟..) هكذا يؤطر القاص زفزاف محور محكي قصته، على أساس علاقة شخصيات تجمعهم أهداف الرغبة الجنسية، على مستوى شاق من توالد زمن المغامرة الواسعة في مساحة السرد و تبعا لمنظور التجاور و التناوب، و تبعا لوظيفة دمج بنية المحكي السردي والتحاوري على نحو جملة أصوات تبادلية و انعكاسية و تواردية. يتلخص محكي قصة زفزاف ايضا في رقعة تفاصيل أخذت تتوزع ما بين شؤون التدبير الرغباتي و بين سيرورة البحث في زوايا و أدغال الغابة بحثا عن المعنى المغامراتي الذي يبدو أحيانا غير مجدي تماما في بعض مواقف النص. رأينا في قصة القاص ثمة رؤية تراتيبة و تتابعية في مستويات النموذج الشخوصي وعلاقاته و مراحله و شفراته، و هذه النموذجية الإحادية لمنظور كيفية طرح نوعية الشخوص في صلب الأحداث، راحت تنهض بموجب مسلمات أرسالية محددة القيمة و الأعتبار و التضمين، حيث لاحظنا بأنها لا تكتسب في نموها، سوى رابطية عضوية و كمية شبه مكررة : و على هذا الأمر نقول؟ ما معنى إشتراطية البحث الشخوصي في الغابة عن رغبات الجنس و حمولاته الشهوانية فحسب؟ هل هذا كل ما في النص من أبعاد دلالية و مدلولية وموضوعية و تقنية؟ لعل قصة زفزاف هذه مجرد خطاطة شعورية تصب لذاتها بعد الإحادية في يافطة تعدد الأمكنة والعلامات لغرض تنظيم أو إحداث مسارية ما لأستخراج علاقة دلالية قسرية تبدو غير موفقة بجانب نقاط أقتفاءاتها الفوضوية العابثة : (أستمرينا في اجتياز و تخطي بعض الحبال المربوطة في كل مكان.. كنت أتساءل كيف يمكن لي أن أستميل غجرية واحدة و أنا لا أعرف لغتها.. بأية لغة أتحدث لها.. المختار يعرف كيف يتحدث بيده و رأسه و عينيه.. أنه حاذق في ذلك.. مثلما كان حاذقا في أصطياد الذباب.) المعنى السردي في فضاء أحداث شخوص نص زفزاف، لعله يحمل قصرا حضور الوعي الانتقالي والحركي بين أجواء لحظة الانجاز الجمالية و البنائية و بين مساحة العرض السردي لأصوات الشخوص الباحثة، و هذا الأمر بدوره راح يوفر للنص مع صوته ثمة رؤية لحضوية باردة الاسترسال و النتيجة و التشويق و التمهيد، بل إن المعنى الحكواتي في فضاء المتن النصي، أضحى تكرارا وتشابها مملا، أثر ذلك التتابع التقليدي السمج في بناء فكرة الموضوعة القصصية. لعل القاص زفزاف لو حاول كتابة هذه الموضوعة في تجربة المقياس الروائي، لكان قد حضية بقدر ما من المقبولية و سرعة الألفات، و ذلك لأن مستوى خصيصة البناء و المساحة والدلالة و الشخوص و الحوار و الحبكة و الزمكانية لا تصلح لثوب هذه القصة التي هي موضوع بحثنا، فضلا على إن المنحى التركيبي كمثال إنتقال الأشياء المتطورة في النص من مكان الى مكان ومن لغة الى منظومة تفاعلية مشهدية، فكل هذه الإجرائية قد لا تتوفر في أغراض مساحة تجربة النص القصصي بشكل عام، لا سيما و إن في قصة زفزاف ثمة أبنية متطورة في مساحة العرض والطول و مركز تحركات الشخوص بجانب كلية تتابعية الامتداد المضموني المفتوح في النص، و لعل القارىء لنهاية قصة القاص، لعله يشعر بأن نهاية النص يشوبه حالة من حالات الابتسار والنقص و شحوب النتيجة، و عدم حسن عملية الأحتواء الدلالي المناسب والناضج من قبل فنية إجرائية فضاء القص، فالتركيبة التي انتهت عليها نهاية القصة كانت بهذا الشكل الفاتر : (أطلت رؤوس من حقل السرنس.. أهتاج الغجري.. صوب السكين جهتنا ثم جهتهم احتار في أي جهة يطلقها.. كان يركض و يتعثر بين النباتات.. سقط مرات.. وهو يتمسك بما أمامه أو حوله.. رأينا حمو و المختار يفران و الفتيات الثلاث ظللن جامدات في مكانهن.. كنا نركض و نركض وسط الغابة.. توقفنا في مكان معين نستعيد أنفاسنا. قال حمو: لو لم تكن معه السكين؟ رد عدي : ماذا كنت ستفعل؟ إنك أجبن من دجاجة.. لنذهب قبل أن ينادي على الغجر الآخرين.) هكذا تنتهي قصة زفزاف، نهاية غير محاطة بأي ضربة مضمونية دالة، بل إن التناسب الدلالي فيها شبه معدوم : فأنا شخصيا لا أجد في دلالات خطاب هذه النصية الزفزافية غير عرضية الافتراق القصدي و غياب الامتداد المدلولي الكاشف و الدال. القصة القصيرة و الكل يعلم فن استشراف اللحظات الاستثنائية في تصوير واقع تخاطري مختزل ما، و فن القصة القصيرة أيضا يكتسب أبعاده وعلاماته في الاختزال و المحذوفية والضربة الختامية، كما مناهج شروعات هذا الفن العظيم و الصعب، تتبنى شخصيات و أفعال و أحداث وفضاء محكوم بمرجعيات توقيعية مسهبة في بؤروية الخاص المقصدي شكلا و مضمونا.. و لكننا في مساحة جمالية قصة زفزاف هذه،للأسف لم نجد غير خطية سردية الوصف الانطباعي المباشر و الحوار الوظائفي المبعثر في فضاء تبئيرية خالية من التصنيف والفاعلية الإفاضية المؤملة.

(تعليق القراءة)

سيكون من الطريف جدا أن نشير في الجهة الفرعية المبحثية من مقالنا هذا، من إن النتيجة القياسية الملفوظية والاستدلالية من طرف دراسة محورنا لقصة (في الغابة) حيث أجدني أقول بأن حجم مرحلية صورة تلك الاتفاقيات السردية و الوصفية المكانية المنصبة في زمنية مسارات متن قصة زفزاف قد تتشكل في نقطة الوظيف الانفصالية في بنية مساحة حركة السرد، و على هذا الأمر، فأننا لم نلاحظ منذ بداية النص وحتى مرحلة خط كلمات الخاتمة، غير تواجد مستمر كبير من إجرائية التنقلات الشخوصية في أصوات شواهد المكانية النصية، لدرجة وصول النص الى عاملية فضفاضة و غير قياسية بشكل ملائم.. و هذا الأمر ما جعل قصة زفزاف، تبدو و كأنها أخباريات مكانية شاهدية غير موافقة لمستوى كونيات موضوعة السيطرة العنوانية الاستدلالية في عتبة النص. بهذا الشكل قرأنا قصة (في الغابة) كتسجيل تنقلاتي فحسب، ليس فيها من المشروعية الموضوعاتية أدنى نصيب من الملائمة و الكمال،و بهذا الشكل ظلت أحداث النص فاترة و على نحو ملحوظ و واضح، و كأنها فصول روائية متفارقة الدليل و المجذوبية العضوية.. لعلها فعلا تصلح الى أن نسميها (فصول رواية) أو مشاهد من رواية، بحكم كونها مجرد أصوات شخوصية مقذوفة في فراغ المداليل المكانية الشاسعة في الانفلات من جهة الدوائر الحوارية المنشغلة في نقل جاهزية حالات الشفوية اللاحبكوية، التي تبدو منسوخة من جهة في ملفوظات تقريضية المتن السردي. بإختصار شديد هذه هي وجهة نظري تبعا لقراءتي لقصة القاص محمد زفزاف، حيث لم أجد فيها سوى الجاهزية السردية المقذوفة في لعبة مساحة المكانية الشاسعة واللامترابطة قياسا مع خطاب النص في كل سماته العلامية والتتابعية.


البصرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى