أنور هيليل - المجتمع القروي و السوسيولوجيا القروية.

إن الضرورة المعرفية دفعتني إلى محاولة البحث في مفهومي كل من المجتمع القروي والسوسيولوجيا القروية و قد تعددت التعاريف و المقاربات في هذا الشأن ,وأنا هنا سأكتفي بما قدمه أستاذنا عبد الرحيم العطري[1] والذي سأستعين بمحاضراته في هذا الباب ,(حيث إنه قدم تأطيرا متكاملا عن المفهومين المذكورين ) *حيث إنه تساءل بداية عن المعنى الذي تحيل عليه القرية ؟
و ما القرية و المجتمع القروي؟ و من أي المداخل يمكن الوصول إلى هذا المعنى المحتمل ؟ هل نعرف القرية بالمنطق الإحصائي كما تذهب إلى ذلك السوسيولوجيا الأمريكية التي تجعل من القرية ذلك المجال التي يقل فيه مجموع السكان عن 2500 نسمة ؟ علما بأن هذا السقف الإحصائي يعبر عن معنى المدينة في دول أخرى . أم ننضبط إلى التعريــف المهني الـــذي تقـــترحه السوسيولوجيا الحضرية و الذي تميز به المدينة عن القرية باحتضانها لما يفوق 5000 منصب شغل غير فلاحي ؟ أم نرتكن إلى التعريف الإداري وفقا للتقسيمات المجالية التي يقترحها علينا مهندسو الإدارة الترابية و التهيئة الجهوية ؟
و يضيف الأستاذ عبد الرحيم العطري أن:

̋ اللافت للنظر بخصوص التعريف الإحصائي للقرية هو أن الاختلاف يظل على أشده بين الدول حول السقف السكاني الذي يفصل بين المدينة و القرية ، فبعضها مثلا لا يشترط إلا 2000 نسمة للتمييز بين المجالين، في حين نجد البعض الآخر يحصر الرقم في 200 نسمة فقط . فالوسط القروي يتميز كثافة سكانية متواضعة كميا ، و كذا بفضاء زراعي في الغالب و بأنشطة فلاحية، و الطريقة الأكثر انتشارا للتمييز بين القرية و المدينة تظل إحصائية ، فهناك عتبة 2000 نسمة لكل وحدة إدارية قاعدية في فرنسا مثلا، و 2500 نسمة في الولايات المتحدة الأمريكية و 5000 نسمة في المكسيك و 10000 نسمة في السينغال، كما أن هذا المقياس الإحصــائي ينحدر إلى 1000 نسمة في كنــدا و 400 نسمة في ألبانـــيا و 200 نسمة في الدول الاسكندينافية . و هذا ما يدفع إلى الأخذ بتعريفات أخرى تركز على طبيعة الأنشطة ( نسبة الأنشطة الفلاحية من مجموع الأنشطة العامة ) ، أو الكثافة السكانية العليا أو الافتقار إلى التجهيزات و المؤسسات .
و بالنسبة لكلمة rurale فهي مأخوذة من الأصل اللاتيني rus الذي يقابل كلمة urbs و الذي يدل على المدينة ، و هذا التقابل بين القرية و المدينة تحكم لزمن طويل في تعريف كل واحدة منهما ، فالمدينة لا تعرف إلا بكونها نقيضا للقرية ، و هذه الأخيرة ذاتها لا تعرف إلا بكونها مختلفة عن المدينة في النشاطات و التنظيم المجالي و المؤسسي .
و إذا كان المجتمع لفظيا يطلق بمعنى أخص على المجموع من الأفراد الذين تؤلف بينهم روابط واحدة تثبتها الأوضاع والمؤسسات الاجتماعية، ويشار به إلى الاجتماع في الأسرة أو القرية أو القبيلة ومنه نقول المجتمع القروي, القبلي ، فإنه يصير وفقا لهذا الفهم عبارة شبكة من العلاقات الاجتماعية بين الفاعلين الاجتماعيين، فهو جسم من العلاقات والوظائف والمؤسسات التي تتحرك وتتفاعل ضمن نسق اجتماعي معين تحدده آليات ضبط ومعايير عقل جمعي. أما القروي فهو المنسوب إلى القرية أو البادية، وبالتالي فالمجتمع القروي هو عكس المجتمع المدني / الحضري، وعموما فالمجتمع القروي لا يتم تحديده من طرف الدارسين إلا بما ليس هو، أي يتم تحديده انطلاقا من تحديد المدينة، فالمجتمع القروي نوظفه هنا كمجال جغرافي في مقابل المدينة، وأيضا كعلاقات اجتماعية تعتمل في رحابه.
وإذا كان المجتمع القروي أكثر ارتباطا بالفلاحة والفلاحين, فإن لفظة "فلاح" عامة جدا، وهناك بالفعل عدة فئات اجتماعية، مثل الوجهاء الذين يعدون دعائم الدولة، وهناك فعلا مجموع الفلاحين المرتبطين عاطفيا ودينيا بالدولة، إلا أن هناك بموازاة ذلك صغار الفلاحين الفقراء الذين يتحملون مجموع القمع والاستغلال في البلاد . فكيف السبيل إذن إلى تمييز العالم القروي ؟ ̋*
وفي معرض حديثه عن تعريف السوسيولوجيا القروية, يقول الأستاذ عبد الرحيم العطري عن بداية و امتداد هذا العلم:

هل يمكن القول بأن السوسيولوجيا القروية سابقة على السوسيولوجيا العامة ؟ فما دام التفكير الاجتماعي غارق في القدم و لا يقف بالمرة عند حدود أوغست كونت(Auguste comte) ، فإن أول تفكير أو تفكر في " الاجتماعي " كان متمحورا حول الظواهر الاجتماعية في سياقها الزراعي و القروي ، على اعتبار أن القرية سابقة على المدينة و أن نشاطات الصيد و الزراعة سابقة أيضا على مختلف النشاطات الصناعية الأخرى التي امتهنها الإنسان بعدا .
لكن و بالرغم من عراقة التفكير السوسيولوجي القروي ، فإن البداية العلمية مع الظهور كفرع تخصصي ضمن خارطة السوسيولوجيا العامة تعود بالأساس إلى منتصف القرن الماضي، بتواز تام مع احتدام النقاش حول إشكالات التهيئة و الجهوية و ضبط المجال . فبعد الحرب العالمية الثانية صار " الاجتماعي " أكثر تضررا ، و كان من الضروري أن تتضافر الجهود العلمية و في مختلف المجالات من أجل تجاوز ذلك الوضع الكارثي .
و إذا كان القرن الثامن عشر قد تميز بالانشغال العميق من قبل رواد الفكر السوسيولوجي بشرعنة الحضور السوسيولوجي و تأكيد الحاجة إلى مقارباته و مناهجه في فهم و تفسير الظواهر الاجتماعية ، فإن القرن الماضي سار في اتجاه تجاوز العديد من العوائق الإبستيمولوجية و بناء مجموعة من التخصصات السوسيولوجية ، و في إطار هذا التجاوز و الانتقال لاحت السوسيولوجيا القروية كاستجابة معرفية لما صار يعتمل في القرية من ظواهر و حالات تستلزم إعمالا لمقاربات أخرى.

فبعد الحرب العالمية الثانية صارت الحاجة أكثر إلحاحا إلى فروع سوسيولوجية تخصصية تفيد في فهم و تحليل أسئلة " الاجتماعي " ، و في ظل هذه الحاجة و الأزمة المجتمعية بدأت مفاهيم عديدة من قبيل العالم القروي (le monde rural) و الوسط القروي( le milieu rural ) و المجتمعات أو الجماعات القروية les sociétés et) les communautés rurales) تستحــوذ على جــانب مـــهم من الـــنقاش الــسـياسـي و الاجتماعي الدائر آنئذ . لقد وجد عالم ما بعد الحرب نفسه مدعوا للقضاء على الفوارق التي نشأت بين القرى و المدن ، و في سبيل الوصول إلى ذلك كان لا بد من إصاخة السمع لصوت العلوم الإنسانية ، من هنا كان من الضروري العمل على " صناعة " سوسيولوجيا قروية تنشغل أساسا بالمجتمع القروي و تفكر فيه و حوله بهدف تقديم خلاصات و إجابات محتملة بصدد حركياته و فعالياته . كانت البداية أزموية ، و هذا ليس بغريب عن حقل السوسيولوجيا العامة ، على اعتبار أنها علم الأزمة ، فميلادها ارتــبط دومــا بالأزمــة التي تــحاول الإجابة عن شروط إنتاجها و إعادة إنتاجها ، و عليه فميلاد السوسيولوجيا القروية كفرع تخصصي لم يكن ليختلف كثيرا عن الظهور الأول للسوسيولوجيا العامة.

و بالنظر إلى كون البراديغم السوسيولوجي (le paradigme sociologique) يلح على تجاوز لغة و تحليلات الحس المشترك، فإن السوسيولوجيا القروية ، ستجد نفسها منذ الوهلة الأولى مطالبة بالقطع مع هذه اللغة ، فالعالم القروي كموضوع تنفرد به و تشتغل عليه هو محور كثير من الرهانات السياسية و الاقتصادية ، و هذا ما يساهم في إنتاج و تداول كثير من أحكام القيمة حوله ، الشيء الذي يفرض على السوسيولوجيا القروية في امتدادها المعرفي أن تراهن بامتياز على الهدم و التفكيك و القراءة غير العادية لمختلف التفاصيل التي تعرفها تضاريس المجتمع القروي . و منه نخلص إلى القول بأنه إذا كانت الأزمة المجتمعية لعالم ما بعد الحرب هي التي حتمت ظهور السوسيولوجيا القروية ، فإن ذات الأزمة مضافا إليها الحس المشترك حول القرية و القروي ( le rural) هي التي ستبصم مسار هذا الفرع السوسيولوجي التخصصي .
وعن الانشغال العلمي للسوسيولوجيا القروية يتساءل أستاذنا:

<فيم تفيد السوسيولوجيا القروية ؟ و ما دوائر انشغالها المركزية ؟ و هل من حدود معرفية تسيج هذا العلم ؟ و ما تقاطعاته و تمفصلاته الأخرى مع باقي الفروع السوسيولوجية الأخرى و مع علوم أخرى من خارج السوسيولوجيا ؟
علم الاجتماع الريــفي هو العلم الخاص بدراسة أهل الريف و ما تربطهم من صلات و تلك التي تربطهم و غيرهم من السكان غير الريفيين ، إنه العلم الذي يجعل من القرية محور اهتمامه و انشغاله المركزي ، و هذا ما يبرز بجلاء أن الحدود المعرفية لهكذا علم مرسومة بدقة متناهية ، لكن مع ذلك فالتقاطعات التي تدشنها السوسيولوجيا القروية مع دوائر اشتغال معرفية أخرى تجعل من الصعوبة بمكان تسييج السؤال السوسيولوجي القروي ضمن حدود القرية فقط ، و لعل هذا ما دفع ساندرسونsanderson) (إلى التأكيد مرة أخرى على أن علم الاجتماع الريفي هو علم الحياة في البيئة الريفية و يتضمن ذلك وصفا دقيقا للتجمعات البشرية و العلاقات المختلفة لتلك التجمعات و العوامل المؤثرة على عمل و تقدم و وظيفة هذه المجتمعات .
"القرية كظاهرة اجتماعية " يمكن أن يكون هكذا موضوع واحدا من الانشغالات العلمية للسوسيولوجيا القروية ، و يمكن أن يكون العنوان الأبرز لذات الانشغالات ، لكنه ليس الوحيد ، فالسوسيولوجيا القروية تجعل من المجتمع القروي هدفها الأثير الذي تتوجه إليه بالدرس و التحليل ، و ذلك في مختلف صيغ انبــنائه و تطوره ، و عبر مختلف فعالياته و حركياته من خلال التوجه بالسؤال و التفكيك إلى المشكلات الاجتماعية للمجتمع القــروي و أنماط العيش و المؤسسات و الخدمات و التدخلات الدولتية و النظم الاجتماعية و العلاقات بين المدن و البوادي و غيرها من المواضيع التي تحتل فيها القرية و لو هامشا ضئيلا في إطار جدل التأثر و التأثير . فالسوسيولوجيا القروية بملاحظتها و تحليلها لتبلور و تطور مشاكل الوسط القروي تقترح نفســها كمشروع معرفي لفهم و تفهم الأفراد في هذا الوســط . و لكون الوسط القروي هو جزء من مجتمع عام و شاسع ، فإن السوسيولوجيا القروية لا تمنع نفسها من دراسة المجتمع في كليته، الشيء الذي يساعد على الوصول إلى مستوى عال من الفهم و التفهم للوسط القروي كما يعلن عن نفسه.
هذا كله يدفع إلى التأكيد مجددا على أن دوائر الانشغال العلمي للسوسيولوجيا القرية لا يمكن حصرها بالمرة في مجال القرية و لا في موضوع الإنسان القروي وحده ، و هذا ما يعني بالضرورة علائق التشبيك و التداخل التي تبصم هذا العلم ، فالسوسيولوجيا القروية توجد على خط التــماس مع كـــثير من المعـــارف كالجـــغـــرافيا و الاقـــتصــاد و التاريخ و الإثنوغرافيا و الأنثروبولوجيا و السوسيولوجيا الحضرية و سوسيولوجيا التنمية و علوم التعمير و التهيئة و الهندسة القروية . فكل هذه المعرف تنشغل بالمجتمع القروي و تؤسس على ظواهره و تفاعلاته الكثير من المقاربات و النتائج العلمية .
إذن فالسوسيولوجيا القروية تضع ضمن استراتيجياتها العلمية مطمحا تخصصيا تعلن من خلاله عن حدودها و امتداداتها ، و هو المجتمع القروي من غير شك ، و ذلك عبر ملاحقة تفاصيله و تفاعلاته الدقيقة و العابرة ، فالمجتمع القروي وفقا لهذه الصيغة يعد سؤالا منطقيا و أساسيا في مطبخ السوسيولوجيا القروية . و إذا كان المجتمع عموما يشير في مبناه و معناه إلى مجموعة من العلاقات و المؤسسات و الأدوار و الظواهر أيضا ، فإن السوسيولوجيا القروية و من منطلق انشغالها المعرفي تجد ذاتها مدعوة إلى الاشتغال على هذه الأبعاد العلائقية و المؤسسية و المجتمعية عموما في رحاب القرية . ما القرية ؟
لكن مع ذلك تظل الحدود المعرفية للسوسيولوجيا القروية بعيدة عن الضبط المجالي ، فالمجتمع القروي و كما رأينا في السابق هو " مخطوب الود "من قبل الكثير من المعارف ، إنه رقم أساس في كثير من المعادلات العلمية ، و ليست السوسيولوجيا القروية وحدها التي بمقدورها الإجابة عن مختلف أسئلته و إشكالاته.
في هذا الصدد يشير ميشيل روبير Michel robertإلى أن السوسيولوجيا القروية تعرف بالنسبة إلى حقل اشتغالها أكثر من أي تلوين نظري أصلي ، فمجال الاشتغال هو الذي يمنحها التعريف المحتمل ، و هو الذي يكشف عن توجهاتها و طموحاتها العلمية . و في ذات السياق يبرز هنري مندراس( Henri mendras) بأنه إذا لم يتم ربط السوسيولوجيا القروية بسوسيولوجيا فلاحية متخصصة ، فإنها سوف تعرف بحقل دراستها الذي هو المجتمعات القروية.[2]
أعلام ورواد
إن حديثنا عن أبرز رواد علم الاجتماع التربوي لن يستقيم دون ذكر المؤسسين الأوائل لعلم الاجتماع وخاصة فرع علم الاجتماع التربوي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن هذا التخصص كان مندمجا مع علم الاجتماع العام، حيث لم يكن هناك فصل بينهما، إلا بعد توالي وتراكم الدراسات التي أعارت الشأن والنظم التربوية اهتماما أكبر، ولعل كل من ماكس فيبر وإميل دوركايهم شكلا بالإضافة إلى آخرين المؤسسين الأوائل لهذا التخصص.
ماكس فيبر[3]
ماكسيميليان كارل إميل ويبر وبالألمانية: Maximilian Karl Emil Weber ولد في مدينة إرفورت بألمانيا عام 1864 في وسط عائلي بروتستانتي. وكان والده أحد الأعضاء المهمين في الحزب القومي اللبرالي وهو حزب المثقفين والطبقة البرجوازية، ومنذ شبابه الباكر راح ماكس فيبر يقرأ لكبار المفكرين من أمثال ماركس، ونيتشة، وهيجل وكانط، و دروسه في كلية الحقوق والاقتصاد، نال شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف الأولى، أطروحته كانت حول "المجتمعات التجارية بالقرون الوسطى". عين بعد ذلك أستاذا في جامعة فرايبورك أولا (1894) وجامعة هايدلبرك ثانيا (1896) حيث درس علم الاقتصاد السياسي. في عام 1904 أسس ماكس فيبر مجلة سيكون لها دور في تطوير نظريات علم الاجتماع وكان عنوانها: أرشيفات العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية. ثم شارك عام 1910 في تأسيس الرابطة الألمانية لعلم الاجتماع. وقبل وفاته بشكل مفاجئ سنة 1920، كان يشغل كرسي علم الاجتماع في جامعة ميونخ منذ سنة 1918. وذلك قبل أن يتم مؤلفه الأساسي "الاقتصاد والمجتمع".

إميل دوركاهيم
ولد إميل دوركاهيم (1858- 1917) في مدينة أبينال في مقاطعة اللورين في الجنوب الشرقي من فرنسا منحدرا من عائلة متوسطة الحال، درس دوركاهيم في المدارس الفرنسية وبعد تخرجه منها قبل في مدرسة المعلمين العليا في باريس للدراسة والتخصص في موضوع التربية والتعليم، وبعد إكماله للدراسة في هذه المدرسة وحصوله على شهادة التربية والتعليم سافر إلى ألمانيا لإكمال دراساته العليا، ذلك أنه درس في ألمانيا الاقتصاد والفلكلور والأنتروبولوجيا الحضارية.
وبعد إكماله دراساته العليا رجع إلى فرنسا وعين عام 1887 أستاذا في جامعة بوردو وفي عام 1902 عين أستاذا لعلم اجتماع التربية في جامعة السوربون بباريس(كرسي التربية) وقبل تعيينه في باريس أسس الدورية الاجتماعية علم 1896 والتي ظلت لسنوات عديدة الدورية الأساسية للفكر السوسيولوجي والبحث في فرنسا واستمر إصدارها إلى أن توقفت من الصدور بداية الحرب العالمية الأولى. غير أن أتباعه أخذوا ينشرونها قبل وبعد وفاته سنة 1917.
من أهم مؤلفاته في ميدان التربية : التربية وعلم الاجتماع, التربية والأخلاق [4]
ويعتبر دوركهايم مؤسسا للمدرسة الإجتماعية بفرنسا .وقد خلف العديد من الدراسات و الأبحاث و المواضيع الأجتماعية و التربوية و الخلقية و الفلسفية,أما فيما يخص آراءه حول التربوية فهي لم تكن منفصلة عن آرائه الاجتماعية. <فهوكعالم اجتماع قد عارض فكرة التربية المثالية التي تهدف إلى تحقيق كمال الانسان ,ورأى على العكس من دلك ,ان مهمة التربية ان تعد النشء للحياة الاجتماعية و أن حاجيات البيئة التي سيعيش فيها وليس معطيات الطبيعة التي يحملها في نفسه . ودلك لاعتقاده أن لا وجود للانسان المجرد إلا في خيال المثاليين , ومن العبث تربيته دون مراعاة قواعد زمان و مكان نشوئه.> [5]

رواد من المغرب
كما أنه لا يفوتنا في هذا الباب الإشارة لعدة باحثين مغاربة في مجال سوسيولوجيا التربية، والذين قدموا، ولازالوا ,مساهمات غنية على المستوى الوطني و العربي,ونذكر من بينهم: العربي أبا عقيل,عبد الكريم غريب، محمد الشرقاوي، مصطفى محسن، وقراءة توجهاتهم و آرائهم تتطلب بحثا مستقلا، أما عن حياتهم، فنحن للأسف، أمام ندرة في ذكرها والتعريف بها بالشكل الأكاديمي اللائق و المتناسب مع قيمتهم الفكرية والعلمية.
مفاهيم مؤطرة
مفهوم المدرسة
ونحن نتحدث عن سوسيولوجيا التربية، نضع في حسابنا عدة مفاهيم أساسية ومركزية في هذا الشأن، ومن ضمنها "المدرسة"، فمنذ تشكلها خدمة للتربية والتعليم معوضة بذلك الدور الذي كانت الأسرة هي أول من يقوم به وذلك بسبب التراكم المعرفي والعلمي الهائل إبان القرن 19. فكيف يمكن لنا الحديث عن مفهوم المدرسة؟
سنورد في هذا الشأن قراءة لهذا المفهوم من طرف بعض التربويين المغاربة: فإذا كان الأستاذ محمد بنعلي يتحدث عن أن "المدرسة ليست فقط مؤسسة تربوية بالمعنى الضيق (مجال التربية والتعليم) وإنما هي مؤسسة اجتماعية، تدخل في علاقات متشابكة مع الوسط الذي تتواجد فيه وتتبادل معه التأثير والتأثر. من هنا فالمدرسة مجال أشمل لتداخل العلاقات والتقاء النماذج وتواجهها وصراعها، إنه مجال تتقاطعه متغيرات عدة: تربوية، سوسيولوجية، لغوية، ثقافية اقتصادية، سياسية،...
ويتحرك فيه فاعلون مختلفون، المدرسون، التلاميذ، الأهالي (الآباء) هذا كل حسب موقعه وقوة تأثيره في شبكة العلاقات القائمة وعلاقات القوة السائدة." [6]
فإن مفهوم المدرسة حسب الأستاذ نور الدين مشاط هو كالتالي "يرجع أصل لفظ "مدرسة" إلى أصله اليوناني Schole ويقصد به وقت الفراغ الذي يستغله الناس مع زملائهم في الترويح عن أنفسهم أو للاستزادة من المعرفة. ثم تطور اللفظ ليشير إلى التكوين الذي يعطى في شكل جماعي مؤسسي، أو إلى المكان الذي يتم فيه التعليم أو اتباع مدرس معين. ويفيد اللفظ حاليا المؤسسة الاجتماعية التي توكل إليها مهمة التربية الحسية والفكرية والأخلاقية للأطفال والمراهقين في شكل يطابق متطلبات المكان والزمان.
فهي إذن المؤسسة العمومية التي يعهد إليها المجتمع بدور التنشئة الاجتماعية لناشئته وفق منهاج وبرامج يحددهما حسب غاياته ومراميه، فهي نسق يعتمد التدرج في نقل المعارف والقيم موزعة على سنوات التمدرس والمواد المتكاملة فيما بينها بجرعات مضبوط، ويمكن تصنيف المدرسة حسب نوعها، حجمها، طبيعتها التربوية، نظام الدراسة فيها وجودة أدائها. [7]
الهدر المدرسي
انطلاقا من تعرفنا على برنامج تيسير فإننا نرى بكل وضوح مدى ارتباطه بالهدر المدرسي، فما المقصود بهذا المصطلح/ المفهوم والذي كثر الحديث عنه في مخططات وبرامج الإصلاح التعليمية ولا يكاد يفارق العديد من مشاريعه وتشكل "محاربته" رهانا وهدفا تربويا.
إن الهدر أو الإهدار المدرسي يقصد به "الخسارة الناتجة عن نقص في الفعاليات الإنتاجية الداخلية والخارجية للنظام التعليمي". وهذا يعني تعثر التلاميذ في دراستهم أو التكرار المؤدي إلى رفع تكاليف الدولة اتجاه تلاميذ المؤسسات التعليمية، حسب المنطق الاقتصادي الذي يسيطر على المخططات التربوية الإصلاحية ببلادنا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم الهدر المدرسي يتقاطع مع عدة مفاهيم أخرى مثل "التسرب الدراسي" والانقطاع الدراسي، و "الفشل الدراسي".[8]

مصطلحات وإحصاءات مرتبطة بالبحث
المخطط ألاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين
لن أدخل هنا في تفصيل حول المخطط لأن ذلك يتطلب بحثا مستقلا لست في صدده ,إنما سأقدم بعض المعلومات الكفيلة بالتعريف بالمخطط و بعض أهدافه العامة:
إن المخطط ألاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين هو برنامج إصلاحي وخطة انقاد للنسق التربوي التعليمي بالمغرب ,ولقد تم تبني هذا البرنامج من طرف وزارة التربية الوطنية و هو يندرج في سياق التعجيل بتطبيق و تنفيذ مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين* ,وما يميز المخطط هو طابعه ألاستعجالي الذي تم تبنه من أجل تجاوز الأخطاء و المعيقات التي جاء على ذكرها المجلس الأعلى للتعليم في تقريره اليتيم سنة 2008* , ولقد بدأ العمل بالمخطط مبدئيا سنة 2009عبرتنفيد مجموعة من القرارات الأولية من بينها إصدار عدة مذكرات وزارية تمهيدا لتفعيل البرنامج في السنتين الدراسيتين المواليتين(2010/2011) و(2011/2012) .
أما فيما يخص الأهداف العامة التي سطرها المخطط فيمكن تحديدها على الشكل التالي:
1_ توفير الفضاءات الكافية لاستيعاب المتعلمين و المتمدرسين المغاربة .أي ضمان استقرار المدرسة عن طريق إيجاد البنايات التعليمية بواسطة بنائها أو اقتنائها أو كرائها ,مع توفير الماء والكهرباء و الهاتف .
2_ توفير الأساتذة الأكفاء و الأطر المجتهدة المتميزة لتحقيق المردودية التعليمية
3_استقطاب جميع التلاميذ للالتحاق بالمؤسسات التعليمية في أجواء مفعمة بالسعادة و الطمأنينة و الاستقرار [9]

[1] أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة,
[2] . مقتطفات من مقرر مسلك علم الإجتماع ,الفصل الرابع ,عبد الرحيم العطري ,2010/2011
[3] عن موسوعة علم الاجتماع ,مرجع سابق.
[4] عن موسوعة علم الاجتماع ,مرجع سابق.
[5] انطوان م,الخوري ,اعلام التربية,دار الكتاب اللبناني و دار الكتاب المصري,1964.

[6] محدد بنعلي ,المدرسة في الوسط القروي:مقاربة سوسيولوجية,مجلة علوم التربية ,المجلد الثاني العدد الثالث عشر,

[7] نور الدين مشاط ,المدرسة و التنشئة الاجتماعية مجلة علوم التربية .العدد الخامس و الاربعون ,2010.

[8] الأنماء التربوي ,قسم الدراسات التربوية,إشراف د أحمد صيداوي,معهد الإنماء العربي,الطبعة الثانية,بيروت,1982.

[9] د جميل حمداوي,المخطط ألاستعجالي المغربي في مجال التربية و التعليم, مجلة علوم التربية، ملف خاص: المخطط ألاستعجالي للتربية والتكوين (2011- 2009)، العدد الثاني والأربعون- يناير 2010.





أنور هيليل
بحث لنيل الإجازة كلية الآداب القنيطرة - شعبة السوسيولوجيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى