إبراهيم سعد الدين - المَقْهَى الزُّجاجي

ابراهيم سعد الدين.jpg

أُواعِدُ فتاةً شابَّةً بِمِعْطَفٍ قصيرٍ وساقَيْن بديعَتيْن. يروقُ لي مَرْآها وهي آتِيَةٌ لِمَوْعدي. تَعْبُرُ مُسْرِعَةً الشَّارعَ الغاصَّ بِحَرَكَةِ السَّيّاراتِ وضَجيجِ المارَّة، وعيْناها على المَقْهَى الزّجاجيّ حيْث أجلس. أراها من خَلْفِ الواجهة الزّجاجيّة تَتَوقَّفُ قليلاً وتُحْكِمُ ياقَةَ مِعْطَفها وتُعَدِّلُ خُصلاتِ شَعْرِها الأصْفَرِ الخَفيفِ المُبْتَلّ ثُمّ تُتابِعُ سَيْرَها قاصِدَةً المَقْهَى. ولأنّنا نقطُنُ ذلك الجُزْءَ من العالم حيث الطَّقْسُ شِبْه جافٍّ وحيْثُ المَطَرُ قليلُ الهطولْ، فهي كثيراً ما تُخْلِفُ مَوْعِدَها. وأحياناً في الأيّام القليلة المُمْطِرَة تُغَيِّرُ رأيَها فَجْأة فَتَمُرُّ بِمُحاذاة المَقْهى وكأنَّها لا تَعْرفُني. أفِكِّرُ أحياناً في اقْتِفاءِ أثَرِها لكنَّني أخْشىَ من رَدَّةِ فِعْلِها غيْر المُتَوَقَّعَة. من يَدْري..؟! قَدْ تُحَدِّقُ في وَجْهي بُرْهَةً وهي تَسْتَحِثُّ ذاكرتها. لكنّها في كُلّ الأحوالِ سوف تُتابِعُ سَيْرَها ظَنّاً منها أنَّني رُبَّما أكون واحداً مِمَّنْ شاهدوها في ذلك الفيلم الأجنبي اليَتيمْ الذي ظَهرَتْ فيه بِمَحْضِ الصُّدْفَة، وهي تَعْبَرُ الشارعَ بِمِعْطفِها المَطَريّ القصيرْ وساقَيْها النَّحيلَتَيْن.
(من مجموعة قصصية تصدر قريباً بعنوان: صَمْت العجائز)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى