شهادات خاصة هكذا تحدث الروائي محمد شكري عن الشاعر محمد الصباغ

كان مفهومي للكاتب إما أنه ميت أو صعب رؤيته. كنت في عام 1960 تلميذا في مدرسة المعلمين في تطوان، ولم تكن الكتابة هاجسا من هواجسي أو لم تكن تخطر علي بالي. كنت أحد رواد مقهي كونتيننتال في تطوان. وكان يرتاد هذا المقهي رواد ينتمون الي الثقافة وعلي راسهم محمد الصباغ. كان كاتبا مشهورا في ذلك الوقت في المغرب. ايضا كان هناك محمد العربي الخطابي، والمهدي الدليرو، وعبد الواحد أخريف ومحمد الطنجاوي. وبين فينة وأخري يأتي عبد السلام البقالي ومحمد البوعناني من أصيلة ومجموعة من المثقفين والمهتمين بمحاولة الكتابة، لكن محمد الصباغ كان قد صدرت له كتب بالعربية وترجم بعضها الي الاسبانية آنذاك. استرعي انتباهي اهتمام رواد المقهي بتلك الجماعة، لكن التقدير والاعجاب كانا يوليان لمحمد الصباغ. سألت شابا كان جالسا جواري عن ذلك الشخص الذي يهتمون به أكثر من الآخرين. قال إنه الكاتب محمد الصباغ. هنا فكرت في أن الكتابة لها تقدير كبير. وبما أنني أنتمي الي طبقة مسحوقة ومغمورة فإذا أنا أصبحت كاتبا مشهورا فسيُعْطَي لي نفس الاعتبار الذي يعطي لمحمد الصباغ. إذن اعتبرت الكتابةـ كما تصورتها في ذلك الوقت ـ مصلحة شخصية وإذا شئتم رفعة وتبجحا. اشتريت كتب الصباغ وقرأتها. كانت كتبا صغيرة الحجم. تأكد لي بعدما قرأتها أنني أنا أيضا أستطيع أن أصبح كاتبا.
في تلك الليلة قرأت الكتيبات الثلاثة. في اليوم الثالث كتبت خربشات أسميتها حديقة العار . لم أعد أذكر موضوع هذا النص. كانت هناك أشجار وعصافير تقفز فوق بعضها البعض. كتبته بخط واضح وقدمت نفسي لمحمد الصباغ: قرأت كتبك وأعجبت بها. أنا أيضا أريد أن أكون كاتبا . أخذ مني محاولتي الاولي ووضعها في جيبه ودعاني الي تناول القهوة. كان يشتغل في المكتبة العامة علي ما أذكر. قال سيقرأ المحاولة وغدا نلتقي في نفس الساعة. وكذلك كان. جاء كعادته لتناول قهوته. أعاد لي المحاولة قائلا بلباقة: قواعدك النحوية سليمة، لكن ينقصك الاسلوب . ما العمل إذن ؟ أعطاني لائحة كتب بالعربية وأخري بالاسبانية بعدما ذكرت لـه أني أقرأ بها. أغلبها دواوين شعرية. بدأت صداقتي معه ومع الكتب. وسيلتك الوحيدة لكي يكون لك أسلوبك الخاص هو أن تستوعب الكثير من الاساليب . هكذا قال. أصبحت مسكونا بجنون الكتابة. وخلال هذه السنة الدراسية من 60 الي 1961، التي قضيتها في مدينة تطوان، نشرت نصوصا قصيرة في جريدة العلم منها: جدول حبي مع صورة قلدت فيها أحمد شوقي واضعا جماع يدي علي حنكي لأضفي علي نفسي شيئا من الاهمية. إنه التبجح المراهقي سعيا وراء إثبات الذات من خلال الكتابة. كنت أسعي للخروج من أسرتي المهمشة.



* من حوار أجراه الزبير بن بوشتى و يحيى بن الوليد مع كاتب»الخبز الحافي» الرحل محمد شكري (القدس العربي اللندنية، يوم 30/01/2002 )


* عن العلم الثقافي
21/4/2013

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى