زينة عبد القادر منصور - الحب الأول وغدر الزمن.. قصة قصيرة

تجبرنا ظروف الحياة احيانا على اختيار ما لا نحب من اجل من نحب وان نسير في طريق رغما عن ارادتنا اما بالإكراه او لعدم وجود خيار افضل منه ،وقد يجد البعض منا الراحة وربما السعادة والبعض الاخر يذوق العذابات ومرارة الاكراه والغصب للسير في طريق ملؤه الأشواك والالم .

كانت فتاة جميلة ببشرة بيضاء ووجنتان ورديتان طريتان ممتلئتان توحيان بأسمها (زهرة ) وعيون عسلية بأهداب طويلة فيها بريق الشباب والطموح والامل بعمر الستة عشر عاما ، وشعرها الاشقر الفاتح كأنه خيوط من ذهب تسدله جدائل مختومة بشرائط بيضاء ناصعة وهي ذاهبة الى المدرسة . كانت البنت الكبرى المدللة لأخ واخت صغيرين وكانت المحببة لأبيها لرجاحة عقلها وحسن تصرفها وابتسامتها التي كانت لا تفارق ثغرها الوردي وما تملكه من روح الدعابة .

وفي احد الايام وهي عائدة من المدرسة ، انتبهت لظل يرافقها من المدرسة حتى البيت واستمر هكذا كل يوم حتى في حر الصيف الهالك وكانت تخاف او ربما تستحي ان تنظر الى الوراء لتعرف من هو الشخص الذي يتبعها ويراقبها او يحميها .حتى جاء اخر يوم لامتحانات نهاية العام الدراسي فأصابها فضول للتطلع الى الوراء لتعرف صاحب الظل الصامت والحارس!ولما التفتت عند باب بيتها وجدته ابن جيرانها الشاب المهندس (احمد) . تفاجأت من رؤيته وبدأت امواج من التساؤلات تتلاطم في رأسها الصغير : لمَ يتبعني ؟ لمَ لا يتحدث اليَ ؟ لمَ يسير ورائي أهو معجب بي ام يراقب تحركاتي ؟ أهو صادق ام كاذب ؟ وبدأت ترقبه من الشباك حتى انها تعلًقت به من بعيد واحبته واغرمت به .

وظهرت نتيجة الامتحان واذا هي المتفوقة على مدرستها . حضرت ام احمد لتهنئ ام (زهرة) على النجاح وفتحت موضوع رغبتها في خطبة ابنهم المهندس لابنتهم وتعهدت لها ان تكمل دراستها خصوصا انه لم يبقَ لها الا سنة واحدة وتحصل على الشهادة الاعدادية.طارت ( زهرة ) من الفرح وغمرتها سعادة لا تسعها ارض ولا سماء. وافق الاب وتم التحضير لحفل الخطوبة .

كانت ( زهرة) سعيدة بشكل لا يوصف وبريق الحلم بالبيت الذي سيجمعها بمن تحب يلمع في عينيها لكنها لم تعلم ان باب السعادة الذي تصورته قد فتح لها لتكمل مشوار حياتها مع حبها الاول والاخير قد فتح معه بابا للحزن والالم وخيبة الامل .

حضر المحبون من الاهل والاقارب والاصدقاء والجيران الى بيت (زهرة) تلك التي بدت كالأميرة الصغيرة بفستان وردي انعكس لونه الجميل على وجهها وشعرها الذهبي الذي توًجته بحلقة من الزهور البيضاء الصغيرة كانت سعيدة تضحك وترقص مع صديقاتها وقريباتها فرحا وغبطة .

حتى حضر ابن عمها ملوًحا بالسلاح ومهددا العريس بالقتل وامام الناس ان تزوج بأبنة عمه وبقتل عمه وابن عمه ان وافقت هي على الزواج .وهنا حل الصمت في المكان ولم ينطق احد بكلمة ولا تسمع سوى صوت بكاء العروس وعويل ام احمد .

غادر الجميع وغادر الفرح معهم ومن هنا بدأ طريق التعاسة لا السعادة .

قبلت ( زهرة ) ان تتزوج من ابن عمها (الشقاوة) ،رغم معارضة ابيها الذي كان يحبها كثيرا، خوفا على من تحبهم وتضحية منها على الرغم من كرهها له، فقد كان عاطلا ، سكيرا ، فارا من الخدمة العسكرية وعندما التحق بها اثناء الحرب ترك زهرة (وهي عروس) مع خمسة اخوة واب سكير وام بخيلة لأربعة شهور، وعند عودته توسلت اليه ان تعود الى المدرسة ما دام غائبا فلم يرضَ.وما زاد الطين بلًة عدم قدرته على الانجاب ، هنا احست (زهرة) تللك الوردة التي ذبلت حزنا وكآبة ان كل الابواب قد اغلقت بوجهها .

لا زالت زهرة ترافق زوجها العجوز الهرم السكير الذي ما ترك الشرب على الرغم من كبر سنه ودنو قدمه الى القبر (كما يقولون) واصبحت هي (ام غايب) امرأة كبيرة في السن رسمت الدموع خطوطا على خدودها الوردية الذابلة ووجها الابيض الذي خطه الفقر والعوز . اما احمد حبها الاول فقد رأته مرة في التلفاز وقد اصبح شخصية عامة ذا مركز مرموق ومحبوبا من قبل الجميع .

زينة عبد القادر منصور – بغداد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى