عائشة عسيري - الضحية.. قصة قصيرة

حاولت أن تتظاهر بأنها طبيعية جدا؛ وفي أفضل حال.
صنعت لها كوباً من القهوة، وحملت بيدها الأخرى زجاجة ماءٍ شديد البرودة.
شعرت بأن البرودة هي أكثر ماتحتاجه في تلك الحالة.
جلست في الفناء الخلفي لمنزلها؛ حاولت الهروب من أفراد عائلتها ، والاختباء عن أعينهم ، لتواري سوءة خيبتها ، وتهل التراب على حُبٍ مات أثناء ولادةٍ متعسرةٍ .
وضعت كوب القهوة جانباً وبجواره زجاجة الماء البارد.
شعرت بالغثيان ؛ وأنها فقدت رغبتها في كل شيءٍ ، حتى القهوة الأثيرةُ إلى قلبها.
خبأت وجهها بين كفيها ، وقد نكست رأسها للأرض.
تأوهت بعمقٍ ، كأنما انتزعت روحها مع تلك الآه التي أطلقتها.
تساقطت دموعها، وأدارت وجهها صوب مغيب الشمس.
امتزجت دموعها بشعاع شمس الأصيل. فبدت كحبات لؤلؤ متناثرة .
كان غروب شمس ذلك اليوم ، غروباً حزيناً جنائزياً ، كأنما سارت في ركب المشيعين ، لتدفن جثة حبها الميت.
وفي لحظات شرودٍ ، إلى الأمس البعيد ، تذكرت الكلمات التي قالها لها حبيبها في أول لقاء تعارفي بينهما .
عندها كان شديد الحماسة للزواج منها رغم أنه متزوجٌ من امرأةٍ أخرى ، إذ قالت له يومها بعدما طلب يدها للزواج :
فلتبقَ مع زوجتك؛ وليعوضني الله خيراً .
لم تشأ الزواج من رجلٍ متزوجٍ ، لكنه انطلق يحدثها عن اعجابه الكبير بها ؛ واستحالة تخليه عنها مهما كانت الظروف ، قائلا في قوةٍ وحزمٍ ولهفةٍ بالغةٍ :
( المهم أنتِ ياحبيبتي، ِ يجب أن أضحي من أجلك ، وأنا على استعدادٍ لعمل أي شيءٍ تطلبينه، المهم أن نكون تحت سقف واحدٍ ، وأنتِ بلا شك تستحقين التضحية ) .
وبقدر ماشعرت بالفرحة لهذا الرجل المحب المجنون بها، بقدر ما شعرت بانقباض قلبها خوفاً من شيءٍ لاتعلم ماهو بالتحديد.
مرت الأشهر وهم في علاقةٍ يسودها الشد والجذب ، والهجر والوصل.
ولما بلغ بها القلق أشده ، استجمعت قواها، وذهبت إليه طالبةً منه حسم أمر هذه العلاقة العاطفية المرهقة لهما معا.
بدا كما عرفته، محباً متمسكاً بها للنهاية ، ووعدها بأنه سيفاتح زوجته في موضوع زواجه من أخرى غيرها.
شعرت ببعض الراحة، رغم الوجوم ، والتغير الذي أصاب ملامح الرجل، لكنها لم تهتم لذلك كثيراً .
ابتدأت تتخيل حياةً تجمعها بحبيبها المغرم بها، و تشعر بأن خبراً ساراً سيزفه لها قريباً .
انتظرت لعدة أيامٍ ، ولكنه لم يرسل لها حرفاً واحداً .
انقبض قلبها، وحامت الشكوك في رأسها ، فأتته تسأله عن قراره الأخير.
أبلغها أن زوجته طلبت الطلاق عندما علمت برغبته في الزواج من زوجة ثانيةٍ ، وأن بيته سيتعرض للخراب.
قائلا بإستعطافٍ :
هلِ يرضيك ذلك ؟
لكنها ردت على الفور وبحزمٍ قائلةً :
أبداً لايرضيني حصول ذلك مطلقاً ، وأتمنى لكما حياةً مليئةً بالسعادة معاً .
فارقته، باكيةً ، وبلا وداعٍ ، والحزن ينهش قلبها كوحشٍ مفترسٍ ، متذكرةً كلامه الصوري عن التضحية ؛ وهي تغادر.
وحين جاء وقت الحقيقة، كان قلبها ذبيحاً على مذبح التضحية ، قرباناً لإمرأةٍ أخرى .



* عن نادي القصة السعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى