هادي الخزرجي - ستائر النسيان.. قصة قصيرة

عندما ازدحمت صالة الفندق الصغيرة بالنزﻻء الذين تجمعوا بها حازمين حقائبهم التي تكدست في المكان، وهي تزاحم الكراسي القديمة المتهرئة وقد أحتار البعض أن يختار مكانآ لجلوسه. وبنزول آخر مجموعة من الطابق الثاني وقد ملأت أصواتهم وضجيج أقدامهم درجات السلم الذي أصر البعض أن يكمل آخر حكاياته عليه، الجميع قد أنهى دراسته الجامعية. جمعتهم مقاعد الدراسة تقاسموا الهموم واﻵمال في غرف الفندق رغم صغر حجمها إلا أنها كانت تتسع لاحلامهم الكبيرة.
عجاف السنوات التي اعتصرت البلد بناسه لم تثن عزيمتهم من تكملة مشوارهم الدراسي. وهاهم قد توجوه بتخرجهم وحان وقت الوداع. كانت عقارب الساعة تؤذن في آذانهم وتوقظ فيهم حنينآ ترجمته دموعهم التي عجز البعض أن يخفيها حتى سمع نشيج بعضهم. منظرآ دفع بحارس الفندق أن ينسل من بينهم مصطحباً دموعه التي حاول حجبها بكوفيته واهمآ يقنعهم أنه يمسح وجهه. ذكرني المشهد بقسوة عنواناً درامياً ترجم تلك اللحظات ( عندما تبكي الرجال ). تعانق البعض وألقى البعض اﻵخر حقائبه أرضاً ممتعضاً ﻷنه لايريد الرحيل. لكن لكل بداية نهاية. هكذا هي الحياة. كم كانت قاسية وموجعة تلك اللحظات أطبق الصمت على المكان وفرض سطوته على الحضور. حتى كسر حاجز الصمت أحدهم حيث ربت على كتف صديقه وشجع اﻵخرين على وداع بعضهم البعض الآخر. أطلق السائق الذي ينتظرهم أمام الفندق صفارة سيارته معلناً... حان الرحيل. المشهد يوحي بأنك في موكب جنائزي مهيب. خرج الجميع. تعمد أحدهم مزاحمة صديقه عند الباب لكسر حاجز اﻷلم الذي خيم على الجميع. كنت تقريباً آخر المودعين بل بالاحرى آخر من يريد المغادرة، وقعت عيناي على ورقة جميلة عليها صور لقلوب حمراء تقطر دماً كانت قد داستها أقدام اﻷصدقاء ويبدو أنها كانت بيد أحدهم يمسك بها تعلقاً بذكراها وقد أنسلت من بين يديه لتصافح اﻷرض. ﻻن حرارة الوداع ودموع الحزن لفراق اﻷحبة واﻻصدقاء جعلته لم يشعر بسقوطها من بين يديه، بعد أن مسحت ما عليها من تراب شدني منظر القلوب في الورقة كأنها تحكي قصة حب لم تنته فصوله. دفعني الفضول ﻷن أوقظ الوجع الذي بداخل الورقة البكماء التي نطقت سطورها لحظة وضع يدي عليها كأنها تنبأ بجرح أزلي وأنا أقرأ ذكرى خطت بيد أمرأة أمتنعت أن تبوح بحبها لصديقها وتطلب منه أن ﻻيسدل ستائر النسيان على كل لحظة جمعت بينهما من أخوة وصداقة.


* عن نادي القصة السعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى