لينده كامل - في ردهة الصمت.. قصة قصيرة

كأن الذين أعرفهم ماتوا....كأن الذين لا أعرفهم أيضا ماتوا... وحدي أصافح الوجوه المتراصة كأكوام الرمل، في صحراء الشرود ، هناك وحدي أرى العالم يتلاشى وأنا الذي بدأ يتلاشى في ردهة الصمت . تمر على شاشة بصري صورهم المتنافرة ، وجوههم الضاحكة ، والمستبشرة ، وجوها عابسة وغاضبة ، وأخرى متناحرة كل هذا يجري أمامي كـــ "فلاش" أو ربما كفلم قصير ثم تأتي النهاية التي تحصر في جثة مسجاة فوق كنبة من الخشب تدثرها البكاء، ولحاف من الحزن بدت لي وسط ذلك الحشد من الناس أنها هي المتوفاة ، كيف لا أفكر هكذا؟! والموت بات سارقا محترفا قد يأتيك في أي موضع أنت فيه وكم كثر موت المفاجئ يندس ويخطف الأرواح خطفا .
لقد اخبرها أنه "سيرحل" ثم رحل فعلا هل كان يدرك معنى الرحيل حقا؟ لقد تركها في زحمت البؤس وبعقل شبه واعي تحاول أن تستدرك الموقف... الموقف الصاعق والقاسي على أي عقل أن يتحمله تركها وكلها استعداد لعودته لا لرحيله الأبدي كن يلتفّن حولها ويتبجحن في إعطاء الدروس لتتقبل صاعقة الفقد، وهي شبه واعية تتمتم "اجعله في الجنة " ، وكنت اردد في نفسي ، وكيف لا يكون في الجنة وأنت تحملين وزره بعد أن ترك لك كومة لحم، أردت أن أواسيها أو أواسي نفسي، ببعض الكلمات التي راحت تنتحر تباعا بين شفتيّ أمام مقصلة الدموع ، وغرقت معها في البكاء على شخص لا أعرفه لا بل عرفته اليوم من خلالها تقوي نفسها كي لا تنهار تماما لذاك الحزن المقيت تخبر الحاضرات عن تفاصيل تحدث غالبا قبل موت الشخص يتكرر المشهد مع كل زائرة ويفتح الجرح مع كل كرّ" جهزت نفسي لاستقباله انتظر عودته من الحمام رفقة ابني الصغير لكنه أبطأ المجيء " حدسها المنصهر في أشغال لا تنتهي لم ينبهّا أنه قد ذهب كي لا يعود اخبرها جارها أنه تعرض لوعكة وهو يداري فجيعته بين طيات لسانه, صوت تلك المرأة وهي تضغط على يدها " لا تحزني ربي اختاره ليختبرك كوني قوية .. " أي قوة تلك التي ستجلب لها القدرة على تحمل كل هذا الوجع وسط هذا السواد الذي يعصر قلبها ، من أين جاءتك القوة ! لتكسري الصمت بكلامك ذلك...! من أين لك جرأة الكلام أمام صمت الحزن. كنت أشعر بكل قطرة دمع تنزل من عينيها كنت ابكي معها بل كنت أنا من يبكي أتذكر قسوة هذه الحياة حين تصفعك في عز ابتسامتها لك أراهم كلهم أراها وحدها وأبقى وحدي دونها المس هذا الوجع في صمت أتعثر في تفاصيله القاتلة انه الصمت يجعلنا أكثر خشوعا وإنصاتا لمثل هذه المواقف بدل ثرثرة تحدثها الأخريات ربما كن في عرس يرقصن على تعلم الفرح، ينصرف الجميع وابقي وحدي انا وهي ننتظر الأيام دونه


* عن نادي القصة السعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى