يزيد عاشور - غرباء يعزفون الموسيقى

لم يكن يدري أن الوقت سيعبث فيه وأن الشوارع الغريبة سوف تتقاذفه منذ أن غادر. طعم الصباحات، المطر الخجول المنتظر. والذي لا يأتي. مآذن الجوامع التي لم تعد قادرة على منازعة الأبنية المحيطة في الارتفاع . هاهي آثرت الوقوف في فضاءات مكشوفة. قبيل فيضانات الإسمنت. أصوات أجراس الكنائس القابعة بحميمية دافئة بين البيوت. المستنقعات الصغيرة، قايا الضفادع. أصوات الباعة والمشردين، غادرها. ابتلعته مدن بلا ألوان، غريبة الطرقات، لا صديقة ولا عدائية، هي شارة استفهام لم يجد لها تفسير أو سبب. لعبت بك الأيام يا عاشور.

مرغتني بعهرها، لم تقبلني، لم ترفضني، لم تتجهم ولم تبتسم. منحتني رقما جديداً فرشت قدامي أزقتها وقالت أمضي أيها الغريب. حاولت غير مرة أن أرفع الغطاء عن وجه المدينة.. نجحت بالوصول لأطرافها رفعت عنها غطاء المصانع والغابات ولم أر غير ناس منتشرين بصمت بين البيوت. خبز التنور رائحة البندورة الطازجة، سندويشات الزيت والزعتر.. دبس البندورة.. وبقايا جبنة بيضاء مزقت بإهمال في أحسن الأحوال.

بائع الحمص المسلوق على طريق المدرسة وهو ينادي بطريقته الغريبة والمعتادة (أومووت حال أموت حال ياأموووت) ونحن نفهم أنه يقصد حمص حار حمص حار يا حموووص.

جدار الفضيحة على طريق المدرسة حيث كتب أحد الحاقدين بخط عريض ـ يزيد عاشق . طلاب المدرسة بأسمائهم وأسمالهم، موريس ابن الجيران، بسام الذي غادر إلى ألمانيا وأصبح مبشّرا، بيت القصاب القادمين من حلب وحكاياتهم عن بطولات خالهم الذي يستطيع رفع شاحنة بيد واحدة وتعليقات جوزيف ابن حنا خالو (دي جوري دي) .

خالة فهيمة طيبة القلب ولأنها دائما تمشي مسرعة وبقايا فستانها يكنس تراب الرصيف فهو يثير بعض الغبار وراءها، من يومها أطلق عليها أولاد الحارة اسم (عجاجة) بيت ابو ميناس الذين جاء بهم عمو كريكور ميناس هربا من مجزرة الأرمن، أم جوني تلك السيدة الأنيقة الفاتنة وهمس زوزو ابن الجيران عنها، هي تستقبل رجالا غرباء بعد أن يغادر زوجها الموظف بالبلدية. صوفي علّو وهو يدفع عربته العتيقة المتخمة بالفواكه والخضار (باجان أسود…يلا يا يا بندورة يا خيار ياقتي يالا يا عجوور. ..)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى