أحمد رحيم كريم الخفاجي - نشأة الأدب المقارن

"إن نشأة أي علم - مهما كانت هذه النشأة بسيطة أولية - قد تسبق وضع مصطلح علمي لاسم ذلك العلم،[...] ولذلك فإن تسمية الأدب المقارن تعتبر حديثة نسبيا، إذ يذكر كتّاب هذا العلم بأن(فيلمان) أول من استعمل مصطلح الأدب المقارن باللغة الفرنسية عام 1827 في محاضراته التي ألقاها في السوربون، ثم في 1830 خُصِّص له منبر في تلك الجامعة، ولم نصل عام 1840 إلا وقد ظهرت كتب عدة في هذا العلم الجديد".
نشأة المفهوم والتاريخ:"إذا ما تناسينا تاريخ نشوء المصطلح نجد أن الأدب المقارن قد وُجِد قديما، ونشأ من الموازنة والمفاضلة التي نشأت عند الرومانيين حين تكلموا عن الكُتّاب الإغريق وقارنوهم بمؤلفيهم وكتّابهم".
"وفي علم البلاغة العربية أجرى ابن سنان وابن الأثير مقارنات منوعة وطريفة حول الحرف العربي أو الأسلوب العربي ومقارنته باللغات الأخرى، وقد أشار الجاحظ إلى بعض الألفاظ الأجنبية في اللغة العربية وأسباب دخولها وأثر البيئة والمجاورة في ذلك. ولكن كل دراسات العرب لا تُكوِّن كتابا ولو جمعت ملاحظاتهم كلها لما كانت تتعدى الصفحات القليلة".
"أما نقاد القرون الوسطى في أوربا فقد اهتموا بذكر ما أخذه كتّابهم من الأدب الإغريقي والكلاسيكي، وكان البحث أقرب إلى موضوع السرقات الأدبية".
"وفي القرن الثامن عشر اتسع التأثر والتأثير بين الأقطار الأوربية خاصة في إيطاليا وأسبانيا وإنكلترا، وكثرت الترجمات بين هذه الآداب، ولكن اهتمام الأوربيين بتاريخ الأدب أكثر من غيره حجب نشوء الأدب المقارن".
"وازدادت العناية في القرن التاسع عشر بالتاريخ الأدبي، وقد ظهر الميل إلى الدقة العلمية، والبحث عن مناهج يصل بها النقاد إلى حقائق علمية ثابتة وراسخة حول هذا العلم... وساعد ذلك على ضرورة العناية بالآداب الأجنبية".
"وظهرت الآداب الشعبية التي دعت بطبعها إلى المقارنة بين القصص والأساطير، وظهر الميل إلى البحث عن الصفات المشتركة بين الآداب".
"وكان ظهور مذهب الرومانتيكية (1830) التي تميل إلى تصوير الأجواء الغريبة أو الأجنبية الجديدة، عاملا مساعدا على ذلك".
"ولعل الألمان أول من اهتم بالمحاولات الأولى للأدب المقارن، مثل شليجيل، وإيكهورن، وبوترويك، وهم الذين أبرزوا التأثيرات الأساسية في صورة مجملة وتعرضوا للموضوعات الأجنبية".
"أما في فرنسا فقد كان لـ (مدام ستايل) في كتابها (من ألمانيا)، و(فولتير) في كتابه (رسائل فلسفية) الذي عرّف به الفرنسيون لأدب الإنكليز، بعض الأثر أيضا في نشأة الأدب المقارن، وإن كان ما في الكتابين يقوم على المشابهة والموازنة ولا يعمد إلى تسجيل التأثيرات".
"وفي 1825 نشط التاريخ الأدبي نشاطا ملحوظا، وتعد محاضرات (فيلمن) (العصور الوسطى والقرن الثامن عشر) التي ألقاها في 1827، ومحاضرات دراسة التأثير الذي أحدثه كتّاب القرن الثامن عشر الفرنسيون في الآداب الأجنبية (الفكر الأوربي) في 1829 من أول محاضرات الأدب المقارن إلا أنها كانت تعتمد على العموميات".
"ثم تلت(فيلمن) مدرسة من الكتّاب مثل:(جان جاك أمبير) و(إدجار كينه) و(كسافيه) و(مارميه) و(مونتيجو) و(مزبيير) وغيرهم، وهم وإن لم يكونوا كتّابا مقارنين بالمعنى الصحيح، ساعدوا على خلق الجو الفكري الملائم".
"وفي الثلث الثاني من القرن التاسع عشر، ظهر الأدب المقارن وإن لم يساعد كل من(سنت بيف) أو(تين) على نمو هذا العلم".


د. احمد رحيم كريم اللبان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى