ثقافة شعبية الفرحان بوعزة - فن الهيت.. ورقة تعريفية للموروث الشعبي .

رقصة الهيْتي تدعو إلى تجاوز الأنا الأحادية.
وكلمة "هيت" معناها : هلم، هلم!
وهلم معناها: تعال، يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث والمذكر، إلا أن العدد فيما بعده، تقول: هيت لكما، وهيت لك".(14)
هناك ثلاثة أنواع من الهيت في المغرب:
ا ــــــــ الهيت الحياني: وهو بطيء ويتـميز باستعمال المقص، إضافة إلى الدفوف (لبنادر) وهو منظم أكثر ومتعارف عليه بالنسبة للجمهور المغربي، بسبب مشاركة فرقة مشهورة من مدينة تيسة شمال فاس، في المهرجان الوطني السنوي للفلكلور بمراكش، وفي البعثات الفنية للخارج.
ب ــــــــ الهيت الشرادي: وهو أكثر سرعة من الحياني، وتستعمل فيه الغيطة والطبل الصغير والتعاريج، وهو غير معروف عند الجمهور المغربي، باستثناء إقليم سيدي قاسم.
ج ــــــــــ الهيت الغرباوي: سريع جدا، وتحتل فيه التعاريج مكانة مهمة، وما يجمع بين هذه الأنواع من الهيت هو الإيقاع الذي لا يتشابه مطلقا مع أي نوع من الإيقاعات الفلكلورية المغربية كما يتشابه في عدد أعضاء الفرقة. إضافة إلى انعدام الغناء فيه، هو إذن فن إيقاعي خالص.(16)
وقد أعطى الكاتب: بوسلهام الكط لرقصة الهيت أسماء مختلفة:
1ـــــ الهيت الحسناوي نسبة إلى قبيلة بني احسن بنواحي سيدي قاسم وهو يتميز بإيقاعه وحركاته الهادئة .
2 ـــــ الهيت الحدادي وهو يتميز بإيقاعه البطيء تتفنن به جماعة الحدادة المحاذية لمدينة مهدية ومنها اشتق اسمه.
3 ـــــ الهيت الغرباوي ويتميز بإيقاعه السريع ويتمركز بين القنيطرة وسيدي سليمان". (17)
إن رقصة الهيت هي رقصة شعبية ، إنسانية ، اجتماعية ، وثقافية. ولا يمكن أن نعطيها تعريفا علميا شاملا، ولكن نقول،إنها رقصة تنتمي إلى التراث البدوي الشعبي لها مكانتها وقيمتها في الذاكرة الشعبية البدوية. فرقصة الهيت هي من الرقصات الأساسية في أنشطة البادية خاصة في أعراسهم واحتفالاتهم المختلفة. وتزدهر هذه الرقصة حينما ينتهي سكان البوادي من الحصاد وجمع الحبوب والتبن. رقصة تنبني على حركة الكتفين بالأساس، واليدين والرأس وحركات الرجلين والردفين.
فظاهرة هذه الرقصة الشعبية تنبثق من الواقع الموضوعي المتحرك، واقع المجتمع البدوي الذي يمارس هذه الرقصة بشكل واع وهادف وبنشوة متميزة. فهي تجعل الإنسان الراقص يعيش في عالم الأحلام الجميلة، عالم الجذبة والشطحات كما يعيشها المتصوف وإن كان هناك اختلاف بينهما. ومن أجل ذلك نجد سكان الغرب يسمون"الهيت" ب " الشطيح ". وراقص الهيت يرقص بطريقة هستيرية والعرق بتصبب من جسمه بأكمله. إنها رقصة جماعية وليست رقصة الفرد وحده. ومن هنا تكمن أهميتها الاجتماعية والإنسانية والثقافية كما أنها ليست حكرا على فئة دون غيرها، بل للكل الحق في ممارستها بشرط أن لا يخل بنظامها العام، لأنه سيثير غضب المتفرجين والراقصين والعازفين.(18)
ورغم تعدد تسميات رقصة"الهيت"، فكل قبيلة تحاول أن تعطي اسما للرقصة التي تقوم بها من باب التميز والتنوع. وإن كانت كل رقصات"الهيت" تتشابه في الإيقاع والوسائل التنشيطية لها.
إنه نوع من الفرجة يدعى"الشطيح" أو"الهيت" وقد يكون خفيفا، أو ثـقيلا، وأهل البوادي يفضلون النوع الأول، إنه إيقاع تتحد فيه الغيطة والطبل، ومجموعة من الدفوف، وفي بعض الأحيان ينضاف إليه مقص قديم كان يستعمل في جزّ صوف الغنم. بالإضافة إلى"التعريجة". هذا النوع من الهيت منتشر في غرب المغرب. وفي قبائل كثيرة منها: قبيلة الشراردة، واحجاوة، أولاد عيسى، وشراكة، والحياينة وغيرها. فالغيطة والطبل أساسيان في تنويع النغم والطرب. والغيطة هي آلة موسيقية مغربية شبيهة بالناي، إلا أنها أكبر حجما، ذات مخرج واحد، بها ثقب تتحكم الأصابع في نغماتها أثناء النفخ فيها. والطبل هو آلة موسيقية إيقاعية تصنع من إطار خشبي أو معدني دائري كالصندوق يحمل على الصدر، جوفاء مستديرة، يشد على كل من وجهيها جلد يضرب عليه بعود أو عودين لإحداث الأصوات، ويتخذ الطبل للهو أو لعزف بعض الألحان العسكرية في السلم وفي الحرب.
فإيقاع شمال المغرب:(تطوان، طنجة، وزان) على سبيل المثال يختلف عن إيقاع ( سيدي قاسم، القنيطرة، سوق الأربعاء، سيدي يحيى) كما يختلف عن إيقاع: (وجدة، تازة...) بمعنى أن إيقاعات الأنغام تتنوع وتختلف باختلاف المناطق الجغرافية المغربية. والثـقافات المتواترة، والمتوارثة عن أب وجد، ولسنا بصدد دراسة التلـوينات الإيقاعية المتعددة في المغرب، ومع ذلك سوف نتعرض إلى رقصة"أحيدوس"وأحواش" لاحقا، فالذي يعنينا هو: الهيْـت الذي يبدو لي أنه إيقاع مشترك بين كل الأجناس البشرية، أهم ما فيه الغيطة والطبل، إنه نغم رتيب، تتخلله خرجات من الغياط أو الطبال لتكسير الرتابة التي تطبع إيقاع الهـيْـت. "فالهـيّـاتة" يتـشكلون على شكل جوقة دائرية تتوسطها راقصة محترفة أو راقصات متطوعات، ترقص الراقصة لوحدها، وتهز كتفيها متماشية مع إيقاع الطبل، والغياط يلاحقها بحركاته، والطبال يعترضها، ثم يقفز الثلاثة إلى الأعلى في حركة دائرية منسجمة، ويتوقفون دفعة واحدة، ليعلنوا وحدتهم في كل رقصة تعبيرا عن توحد وانسجام أهل الدوار في العادات والتقاليد، حيث يتم تجاوز الأنا الأحادية، وضمور الثنائية، ويبدأ الفعل الجماعي. تمتد هذه الفرجة إلى ما بعد نصف الليل، وهناك من يبالغ من الميسورين في تجاوزها إلى شروق الشمس.
فرقصة "الهيت " تعتبر رمزا للأصالة والثقافة الشعبية، والمغاربة البدويين متشبعون بهذا الفن الأصيل ،إذ لا يخلو أي عرس من حضور" فرقة الهيت " رغم منافسة الأجواق العصرية له ، والتي تعتمد على الأضواء ومكبرات الصوت المزعجة في بعض الأحيان.




* مقال مأخوذ من كتابي :العرس المغربي البدوي بين الرمزية والواقع (طقوس وعادات )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى