ألف ليلة و ليلة باسم عبد الحميد حمودي - من هو مؤلف (الف ليلة وليلة)؟

اختلف الدارسون لليالي الالف في نسبة تأليفها : هل هو شخص واحد عكف على التدوين والرواية؟ ام هم عدة رواة وكتاب زاد بعضهم على الآخر ومن اماكن شتى؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال الاساسي لا بد من عرض اولي لشؤون السرد رواية وتدوينا ،منذ أن كانت بغداد وكان ادبها السردي شفاها وتدوينا .
دخل السرد العربي أسوار بغداد مكانا وثقافة منذ أن تشيأت بغداد العباسية حتى يومنا هذا ، ولا يمكن محاسبة السارد القديم بمعايير الساردين المعاصرين ،فما صح قديما وأصطلحت عليه الاقلام وأفواه الرواة لا يمكنه أن يصح اليوم ،اذ استبدل اهل الارياف قعدات السرى القديمة ومعظم جلسات المضايف بمشاهدة الراوي الحديث ، التلفزيون ، وبذلك انحسر أو ضعف تأثير الراوي ، السارد الشعبي على المتلقين ، ومن الطبيعي هنا اني لا أتحدث عن السارد المدون القديم كابن طفيل أو ابن المقفع او السهروردي بل بعدة انشغالات يحكمها الزمن .
تبدأ الانشغالات السردية بقعدات السرى في مضايف القبائل وجلسات الفلاحين ، مع وجود هذا الخلل التركيبي بين المضايف السريعة الحركة والتحول من مكان الى آخر بالنسبة للقبائل الرحل والمضايف الثابتة للقبائل المستقرة وساحات قرى الفلاحين التي تتواجد في مصر والسودان والمغرب ويوجد مثلها في العراق والسعودية وسائر ارض الخليج وهي مضايف الوجهاء والشيوخ ومالكي الارض، حيث يتجمع الناس ساعات المساء ليتسامروا أو ليستمعوا الى من يسامرهم من رواة سير وشعراء ،وقد تتلى عليهم سير الائمة الصالحين ومقاتل أهل البيت الكرام خلال شهر رمضان وشهر محرم
الحرام .
السرد هنا شفاهي وقد يعتمد على مدونة صغيرة للسارد الشاعر – المنشد – الراوي .فاذا دخلنا المدن وجدنا مضايف المتقدمين اجتماعيا تنعقد مساء ووجدنا المقاهي تستضيف الحكواتي والراوي في رمضان ومحرم الحرام،وهنا تتداخل الوسائل وتتغير اساليب المحافظة على المتون السردية ،من رواية شفاهية تعتمد الحفظ والتغيير في الرواية حسب مقتضى الحال الى مدونة مكتوبة تحتمل التبديل في اقسامها حسب الراوي – المنشد ، الى مدونة مطبوعة –زمن المطبعة- ثم الى مدونة صورية وقد دخلنا عصر السينما والتلفزيون ،لكن السارد يظل هو الانسان الذي يستعين بالتطور العلمي ليحقق درجة من النجاح أفضل من السابق في حقل الاداء والتأثير السردي على المتلقي .
ظهرت بغداد كمدينة وعاصمة للامبراطورية الاسلاميةعام 145 للهجرة المصادف لسنة 762 للميلاد لكن ظهور المادة السردية عنها قد أعقب هذا التاريخ
بالطبع.
واذا كانت ( الف ليلة وليلة ) هي المادة السردية البغدادية القديمة هي الاهم في حقول الدراسات فان مواد اخرى قد ظهرت لكنها اقل تأثيرا في الذائقة المجتمعية من الليالي العربية التي غزت العالم على يد (الاستاذ وليم لين ) وغيره من المستشرقين .


من هو كاتب الليالي الالف ؟!
سؤال يتردد دوما ولايقطع به كثيرون خشية الخطأ والتعرض للانتقاد لا النقد ، ولكن : لايعقل أن نقدم هذه المدونة الدرامية الفكرية الغرائبية بلغتها المتداولة المنقولة من جيل الى جيل هدية للنساخ والكتاب المجهولين ، والوراقين القاهريين والشاميين والبغداديين الذين أضافوا الى أصل المدونة الجليلة ما شاب أصالتها ، بل لابد من مؤلف واحد اساسي كتب الفصول الاساسية وصاغ الحكايات الرئيسة المحيطة بالحكاية الاطار ، ثم اضاف الوراقون بعد هذا ما أضافوا ،ثم جاء العلامة الراحل الدكتور محسن مهدي ليحقق الروايات جميعا ويقطع بالعدد الذي حدده للحكايات الاساسية التي احاطت بالحكايةالاطار وكان عددها(282)، أضاف لها الوراقون والنساخ ما شاؤوا ليصل العدد الى ما تعارف
عليه .
والدكتور محسن مهدي مثقف عراقي عالمي كبير وهو أحد شباب جماعة الوقت الضائع في شبابه عندما كان طالبا في دار المعلمين العالية ( وهو يستحق منا دراسة مفردة غير التي دونتها عن تحقيقه لليالي العربية ) .
ولد البروفيسور مهدي في 21 حزيران 1926 في كربلاء ودرس في بغداد وبيروت والولايات المتحدة وتوفي في مدينة بروكلن في التاسع من تموز 2007 وهو استاذ كرسي في جامعة شيكاغو وعميد دراسات الفلسفة الوسطوية العربية عالميا ،وقد أقام له تلامذته في كل المدن والجامعات التي درس فيها في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وفي المغرب وتونس احتفالات تأبينية مميزة ،ولم تذكره بغداد الا بمقالة هنا وهناك، فيما أقام له طلبته بالقاهرة حفلا تأبينيا علميا لمدة ثلاثة أيام ابتداء من يوم 29 تشرين الثاني 2007، وقد نظم هذا الحفل العلمي مركز دراسات التراث العربي في جامعة القاهرة بالتعاون مع الجامعة الاميركية بالقاهرة وكان عنوان الحفل - المؤتمر :(( د.محسن مهدي الفلسفة والآداب وتاريخ
العلم )).
وأجدني أطلت في ذكر محسن مهدي لأنه يستحق هذا ، اذ هو الوحيد الذي حقق الف ليلة تحقيقا علميا شافيا دون أن يكشف عن مؤلفها الحقيقي ، وكنت قد خصصت فصلا عن محسن مهدي وكتابه( الف ليلة وليلة من أصوله العربية الاولى ) في كتابي ( سحر الحقيقة ) أشرت فيه الى جهده الكبير في التحقيق والكشف والتوثيق.
المحاولة التي قام بها جمال البدري بتقديم الليالي العربية الى يهود بابل والمدائن محاولة بائسة وغريبة ويعوزها أي دليل ، لكن محاولة الاستاذ حمزة حسان الاعرجي جديرة بالاعتبار .
اصدر الاعرجي الموصلي كتابه عن مكتب الضياء بالموصل في حزيران 1999 بعنوان ( تاريخ الف ليلة وليلة ) وقد جاء في مقدمة واربعة فصول حلل فيها الحكايات فنيا وتاريخيا وردها الى أصولها قبل أن يجمعها قلم كاتب واحد صاغها بلغته قبل أن تعبث بها أقلام النساخ والوراقين.
في فقرة خاصة من الكتاب وضعت تحت عنوان(من هو كاتب الليالي ؟ ) يصور الكاتب حياة مؤلف الليالي المفترض وهو الاديب ( ابو حيان التوحيدي ) ، ويأتي من الادلة الاسلوبية والتاريخية والبحث في شخصية التوحيدي وكتبه الاخرى ما يرجح نسبة التأليف اليه دون سواه لكنه خشى من حكام الفترة التي عاش خلالها فلم يضع اسمه على هذا الكتاب المعجز -على رأي الاعرجي - وفضل الصمت عن نسبته وهو يذيعه بين الناس ويتكسب منه وراقا لا مؤلفا.
يقول الاعرجي في صفحة59 - 60 ما نصه : (( بلغت مؤلفات ابي حيان أكثر من خمسين كتابا ضخما منها:(أوصاف المجالس ) و(ترويح الارواح )و(عجائب الغرائب ) و (المقابسات ) وغيرها كثير تحس من خلال أسلوب كاتبها الذي يكاد يتطابق تماما مع أسلوب كاتب ( الف ليلة وليلة) فاذا قرأنا مدخل هذه الحكايات التي يفتتحها القاص بهذه العبارات.. الخ )) وهو هنا يورد مقاطع من المقابسات وغيره من كتب التوحيدي تتفق ونصوص بعض حكايات الف ليلة ، وله بعد ذلك آراء تؤكد هذه الصلة بين السارد الكبير التوحيدي واسلوب الليالي .
ونحن نأخذ تحليل الاعرجي ونسبته مؤلف الكتاب على محمل الجد لاجتهاد الباحث وحيوية فكرته دون ان نقطع برأي جازم لصعوبة القطع ، لكننا نجد في جرأة السارد القديم لألف ليلة واستلهامه لقصص الاكليل وغيره ما يقربه من التوحيدي دون غيره ، وما اضافات النساخ الا تضييع لهوية الليالي وعراقيتها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى