حسن إمامي - الثقافة المغربية، بين ضرورات التحديث ورهانات الحداثة.. بين كرامة الثقافة وثقافة الكرامة - (زاوية نظر)

لعل ما أثار انتباهي في تناول المحور الأول لمجلة الثقافة المغربية هو الكلام عن مفاهيم الثقافة والحداثة والتحديث. لكن كثرة التداول والتداخل، وكثرة التوظيف المتعدد بحسب السياقات والتصورات والمنطلقات، كل هذا جعلني أحتار في أي ثقافة ستكون موضوع الاشتغال؟ وأي حداثة سنتحدث عنها ونشتغل عليها؟ وأي تحديث نحن في حاجة إليه فعلا؟

وما دامت الثقافة لا تنحصر في المنتوج المعرفي والفكري والأكاديمي، بل هي كل أو جل المنتوج السلوكي المرتبط بالعقليات وسبل العيش والتعبير والتجلي والتشكيل الكلامي والمادي المترجم لفهم العالم والأشياء، قريبا من الانتثروبولوجيا ومن المفهوم الواسع والديمقراطي لكلمة ثقافة وتاريخية تطورها، فإن تناول الثقافة المغربية سيبدأ داخل هذا التصور حتى تترجم كل أشكال التعبير الكلامي والفني والإنتاجي والسلوكي المتميز.

لكن تناوله سيسائل توظيفه السابق والحالي. كيف هو التعامل مع الثقافة المغربية داخل حقول تجلياتها وتعبيرها؟ هل تم احترامها في ذاتها وتطويرها أم أنه تمت "فلكرتها" وترويجها كسلعة تجارية وسياحية من أجل ربح مادي جاف وخالٍ من كل قيمة ومن كل كرامة؟

أسئلة تقودنا إلى البحث عن المسؤول عن هذا التدني الذي أصبحت تعيشه الثقافة المغربية. وهو حكم لا يحتقر بقدر ما يشخص الواقع ويكشف مستور الحكاية في ما يروج ظلما ويسمى ثقافة مغربية.

سيكون الخوض في محاولة الجواب سياسة داخل السياسة، ما دام الكل سياسة تدبير وتنزيل. لكننا سنكتفي بالحديث عن شروط الوقوع وأولها كرامة تحصيل. نقول إن الكرامة الإنسانية شرط أساسي في كل عدل مبتغى وكل تطور مرجوٍّ للبشرية. وأول الكرامة عدم تسويق الثقافة كفرجة فلكلورية لأجل الربح المادي والتجاري والسياحي. لابد من تقديمها كشكل تعبيري جمالي وفني وترجمة رسالتها والدعوة إلى احتضانها واحترامها وتلاقحها مع تجارب الإنسانية المختلفة.

فإذا نظرنا إلى تسطير المجموعات التراثية وغيرها في الأرصفة، أو عرضها في ضجيج مختلط وممتزج كلوحة غامضة، أو تكديسها كعروض للشهوة وإثارتها، أو خندقتها كلصيقة بساقط الكلام وعالم "الحرام" وغيرها ـ وهنا أركزّ على ما يقع للموسيقى والغناء الشعبي ـ فإننا سنقول إن هناك جناية مورست لعقود وتمارس على الثقافة المغربية وفنها. ونعلم أن نهوض المجتمعات بنهوض ثقافتها ونيلها كرامتها واحترامها لذاتها حتى يحترمها الآخرون.

إن الكرامة مطلوبة في كل تصور وتحليل وتوظيف. والكرامة منظومة قيم جديدة تطهرنا من القديم الذي يحمل في طياته ظلما تاريخيا وتمييزا جغرافيا أو بيئيا أو لغويا.

ستكون الكرامة كدم جديد غير ملوث يجري داخل شرايين المجتمع وثقافته، وستكون أعضاء هذا الجسد مشكلة لثقافاته المتنوعة، ما دامت ثقافات، بما فيها الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي، وبما فيها طرق التعامل معه وتشجيعه وما يوفر له كبنية تحتية ولوجيستيك وتدبير سياسة وسياسة تدبير وتنزيل وتشجيع...

ولابد لنا من اسئلة من أجل المستقبل القريب:

كيف نطور الاهتمام بالثقافة حتى تكون مشرفة لكرامة الوطن وللمواطن المغربي؟

كيف نجعل الثقافة المغربية محركا لقاطرة التنمية الحقيقية؟

كيف سنتدمج الثقافة المغربية داخل بعد التطور الحضاري الإنساني وتكون سفيرة مشرفة لحضارتنا المغربية؟

كيف ستندمج السياسة الثقافية مع سياسة التربية والتعليم فتغذي حاجيات المتلقي في المدارس والمعاهد والكلليات زتكون مادة الاشتغال والمعالجة والاهتمام بين يدي الباحث والمتعلم والمحلل والناقد؟

أية مقاربة شاملة يمكنها أن تضم بعض إيجابيات هذا المقال دون ما سقط سهوا منه؟ والسؤال إيمان بالنسبية والديمقراطية والاختلاف والتكامل بين حقول التربية والتعليم والثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها من الحقول.

وأخيرا فإن الحديث عن التحديث والحداثة يحتاج إلى تصحيح ومحاربة تشويه يمارس على حقل الحداثة لكي يجعلها سلبيات انحلال وميوعة. وبقدر ما سنطهر الثقافة بقدر ما سنطهر الوعي من كل فهم زائف وممارسة زائفة تستهدف النيل من مشروع الحداثة المرجوّ لمجتمعنا من أجل تطوره ومن أجل كرامته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى