الجنس في الثقافة العربية الجنس في الثقافة العربية : سلام إبراهيم - الجنس في الرواية -3- العراقي والجنس

(حملق «عزيز» في خبث للحظات، قبل أن يتساءل:
- ماذا تقصد بالضبط؟!..حدد.. صبي.. حمارة.. عاهرة!.
فغر «محمود» فاه ونقل نظره بين الاثنين، فوجدهما يبتسمان وكأن ما قاله عزيز شيء عادي ومألوف، فهو طالما سمع همسًا عن أولئك الذين يمارسون الجنس مع كل شيء حي.. كان يظن أن مثل تلك النماذج غريبة الأطوار.. مريضة.. ليس لها أدنى درجة من الوعي.. لا.. بل كان يردد مع نفسه كلما سمع مثل تلك القصص: هذا مجرد خيال.. وهاهو في هذه اللحظة يسمع رفيقين من أبناء مدينته.. مناضلين.. صمدا في المعتقل عدة مرات، وقاتلا بكل شجاعة في كردستان وتشردا، وأحبّا وتزوّجا.. ولديهما أطفال بعكسه؛ فهو لم يستطع أن يوفق وضعه البشري بين النضال السري والزواج.. وبقولٍ أدق لم يجد رفيقة تتعلق به، رغم احتكاكه بعدد كبير من الرفيقات في العمل السري ببيوت حزبية.. يسمعهما يتحاوران وكأن ذلك جزء من ماضيهما المشترك.. سألهما وفي صوته رعشة:
- يعني.. يعني.. أنتم مضاجعين.. كل شي!.
تبادل «إبراهيم» و«عزيز» نظراتٍ متواطئة ليعلق «إبراهيم» قائلا:
- على كل حال!.. لا تسأل.. اسمع فقط!
وثبت عينيه على «عزيز» قائلًا:
- لا تصير خبيث وتفضحنه.. أقصد أول تجربة ويه عاهرة، ويه متزوجة، ويه باكر.. أول مرة اتنام مع امرأة وتذوقه!.
- صار واضح.. اسمعا:
«في أول مراهقتي عملت في مقهى أبي اللي يديره أخي الكبير تعرفوه شيوعي، شقي، سكير، مقامر، نسوﻧﭽﻲ .. طيب، كريم، ثرثار، متلاف كل التناقضات بيه ومعروف في المدينة كلها، وكان قاسيًا معي.. إذا تأخرت أو أخطأت أو نسيت شيئًا.. يضربني بقسوة بعصا يخبئها في خزانة المقهى.. كان لا يعاقبني أمام الناس، بل عندما يخلو المقهى من الرواد، أما في الظهيرة أو في ساعة متأخرة من الليل قبيل غلق المقهى.. بالمقابل كان يعطيني أجرة يومية مقابل عملي.
تتذكرون مقهانا اللي هو عبارة عن باحة كبيرة في آخرها غرفة صغيرة، تحوي الموقد وأدوات الشاي من قواري واستكانات وأركيلات وفحم، وفي داخلها باب صغير يؤدي إلى المغاسل والمرحاض.
حرموني من اللعب بالشارع.. من المدرسة للمقهى، حتى واجباتي كنت أحلها بغرفة الموقد الحارة. ومثل ما قلت لكم بدأت أحلم، ومن زملائي في المدرسة سمعت عن العادة السرية فجربتها في ليلة تحت الغطاء، بعد أن نام إخوتي المتكدسين معي في غرفة طويلة بلا أثاث.. وجدت بها لذة غريبة، فرحت أمارسها كل ليلة تقريبًا..
كنت أرتبك في الصباح شاعرًا بالذنب.. إلى أن تبدل موعدها حينما وجدتُ يومًا على قنفة في طرف المقهى مجلة الشبكة نسيها أحد الرواد مع عدة جرائد أتذكرها حتى هذه اللحظة، المنار، كل شيء، والراصد. تصفحت المجلة في الظهيرة فأنذهلت من أجساد النسوة العاريات.. وكانت صورة الغلاف الملونة لـ «برجيت باردو» شبه عارية، إلا من قطعة قماش صغيرة جدًا تغطي شقها الذي بدا صغيرًا..
يضاف إلى صور بالأسود والأبيض داخل الصفحات وهي بأوضاع مختلفة مثيرة، من الخلف من الجوانب من الأمام رافعة الساقين، منحنية تنظر من بين فخذيها الرشيقين الأملسين اللذين بدوا كعمودين شاهقين، فكنت أتتبع الساق من الكعب حتى المؤخرة قليلا.. قليلا..
تلك الصور سببت لي ما كنت أعتقده كارثةً.. خبأتُ المجلة في زاوية من غرفة الموقد المكتظة. ودأبت على إخراجها في الظهيرة، عندما يخلو المقهى لأقلبها على مهل إلى أن أستثار وينتصب، فأداعبه على مهل خلف بناء الموقد جالسًا على الأرض، في زاوية لا يستطيع الداخل للغرفة أن يراني. أصبحت أمنية يومي هي انتظار لحظة أذان الظهر ومغادرة أخر جليس، وفي ظهيرة من ظهائر تموز الحارق.. تأكدت من فراغ المقهى والشارع من الناس، فأسرعت إلى مجلتي المضمومة في فجوة مهملة بحاشية القنفة، وبدأت بتقليبها رافعًا ثوبي إلى ما فوق خصري، وفيما كنت أداعب وسطي .. متخيلًا جسد «برجيت» حيا يتحرك لصقي، سمعت صوت أخي المدوي يصرخ:
- حمار..ماذا تفعل؟!.
جمد الدم في عروقي.. ماتت يديَّ، فانحل قضيبي وسقطت المجلة.
قرع الباب قرعًا عنيفا أيقظهم من المشهد الحار.. أسرع «عزيز» وغاب في المدخل.. سمعه «إبراهيم» يفتح الباب، ويدخل في حوار بالروسية مع امرأة.. عاد بعد دقيقتين ليقول مستغربًا:
- هذي واحدة سكيرة، تقول أريد حبيبي «إبراهيم»!.. ولك وين لقيته ما صار لك وحدك بموسكو غير شهر ونص!.
- أصرفها وبعدين أسولفلك!.
- ما تقبل.. قلت لها غير موجود تقول تكذب.. فقط أخبره أني في الباب!.
- راح تخرب الجلسة بس تدخل.. أعطيها ما تبقى بالبطل من فودكا.. وأصرفها!.
وأشار «إبراهيم» إلى القنينة المنتصبة وسط الطاولة الصغيرة.. تناولها «عزيز» وخطا نحو المدخل.. سمعاه يدخل بالحوار من جديد، ليتحول إلى شبه مشادة، انتهت بغلق باب الشقة بعنف، ليظهر بعدها على عتبة الغرفة مدهوشًا يحدق نحو «إبراهيم»، قائلًا:
- شبعتني شتائم، تقول أني لست متسولة «بنت العاهرة».. أنا حبيبة «إبراهيم».. قلت لها: روسي ما يعرف أش لون صار حبيبك.. رمتني بخرطوش طويل من فشار الروس اللي بالحضيض، وقبل ما أَسِدِ الباب خطفت «البطل» من يدي.. «إبراهيم» هذي وراها قصة لازم تحكيها إليّ..
- بعدين.. بعدين.. خلينا نسمع قصتك بالأول!.
أنتبه «إبراهيم» إلى «محمود» وقسماته النحيفة السمراء، التي أمعنت في غبائها، وهو يستمع إلى هذه التفاصيل، ويرى مشهد الروسية أمام ناظريه قبل لحظة.. فقال في نفسه:
- من المؤكد أنه يتساءل الآن عن أية أسرار نكتم!.
قال «عزيز»:
- أين كنت بالضبط؟!.
وأنهمك بفتح غطاء قنينة فودكا جديدة.. ذكره «إبراهيم» معيدًا آخر مشهد تمامًا كما رسمه قبل طرق الباب عن سقوط المجلة في زاوية خلف موقد المقهى، فاستعاد «عزيز» مناخ المشهد من جديد، وقال:
- بدأت أرعش.. تيبس ريقي.. قفزت من مكاني.. وقفت وتمنيت أطير من الباب وأضيع بغير هذي الدنيا، بالسماء.. أخفيت قضيبي باللباس وعدلت ثوبي.. وتوقعت راح يكسّر العصا على رأسي. لكن ظل ساكت ما أدري ليش.. ساكت ويتمعن في وجهي، وكأنه يفكر بأمر ما، فقلت مع نفسي: يمكن يفكر أش لون يعاقبني، بالعصا، بغيرها..
ولما هز رأسه، والتفت جهة الموقد المليء بالجمر ارتعدت وراحت أسناني تصطك بصوت مسموع، وأنا أتخيل الجمر يلامس جلدي، زاد رعبي فبدأت أبكي.. صاح بيّ: أسكت حمار.. لا تبكي مثل النسوان.. أسكت.. قال ذلك بلهجة مرحة.. سكت. وانتظرت والتوتر بدأ يخف لما شفت بسمة خفيفة، لاحت بطرف عينيه «معنى ذلك أنه بمزاج رائق وغير غاضب مني» قلت مع نفسي بشك.. مد يده الضخمة وسحبني بعنف إلى صدره، عانقني وضربني بقوة على ظهري بكفه المفتوحة، قائلا: صرت كبير وما أدري!.. أخذني إلى أول قنفة قريبة وجلس أمامي وقال: أسمع ما أقوله يظل سر بيني وبينك ما تطلعه لأي بشر.. وافقته. فشدّد وإذا سمعت طالع لغيرنه راح أسلخ جلدك. هززت رأسي مؤكدًا فقال: لازم تنام ويه مرة من لحم ودم!.
لم أصدق ما أسمعه.. هل من المعقول راح أنام ويه واحدة؟!.. هذا الحلم المستحيل وقتها أو اللي يبدو بعيد.. بعيد، قلت لنفسي ذلك، وأخوي يكمل: بكرى الظهر حضر حالك.. أسمع راح تدفع أنت ثمن المضاجعة.. كنت ساكت وهو يقول أقطع أجرة أسبوع.. من عملك بالمقهى. وقتها كنت مستعد أدفع أجرة سنة ليس أسبوع. ما نمت تلك الليلة ومارست العادة السرية «وأنا أتخيل العاهرة اللي وعدني بها» أكثر من مرة. وعند ظهيرة اليوم التالي وبعد خلو المقهى وقت القيلولة أقفل المقهى وقال:
- هيا بنا..
ما أنسى ذاك اليوم أبدًا.. كانت ظهيرة حارة جدًّا.. نهاية تموز. والشوارع خالية من البشر.. كان يسير أمامي بعدة خطوات.. وكنت أكاد أطير.. لا.. لا.. كنت طاير من الفرح. لما أتذكر الآن بعد أكثر من عشرين سنة، أشوف نفسي بحالة من الفرح الغريب ما أحسست بمثله بعد ذلك أبدًا، رغم مضاجعتي لعشرات النساء من مختلف الأجناس.. كنت أسير خلفه وكأنني ذاهب إلى جنة الخلد.. ولم أكن أدري وقتها.. أن تلك التجربة ستفتح علي أبواب جهنم والمرأة وأظل ألهث وألهث دون أن أرتوي..
المهم عبرنا الجسر الخشبي القديم باتجاه الصوب الكبير.. كان النهر الصغير مليئًا بالصبيان العراة.. انحرف يمينًا، ثم عبر الشارع العريض، وهبط على السلالم الحجرية للزقاق المجاور لمحكمة الديوانية القديمة. غمرتنا أزقة الجديدة بظلالها الباردة.. كنت أحث الخطى خلفه. وكان صامتا لا يبادلني الكلام.. لا بل لم يلتفت نحوي مرة واحدة..
وعندما استدار مع حافة جامع السنة باتجاه الكرفت، بدأت أشك، فالطريق يؤدي إلى بيتنا.. بدا خطوي يضطرب، وأنا أتخيل أنه أعدّ لي كمينًا في بيتنا كي أجلد من قبل إخوتي الكبار. تلكأت.. فأحس عندما تخافت صوت قدمي.. التفت وحثني على الإسراع. ومن باب جانبي لخان الحصن والحمير في الكرفت قرع الباب، فخرج الحارس العجوز مرحبًا.. وغادر بينما دخلت مع أخي. قال بصوت قوي: بيض وجهي وصِرْ رجلا عن حق. لم أفهم فالخان واسع وفيه أحواض طولية للعلف وقدور ماء وحشيش وعدة حصن تجوب في المساحات العارية، وتحت سقيفة تلتف على امتداد ثلاثة جدران..
وقبل أن أسأل اندفع باب الخان الخشبي المردود، ودخلت امرأة تلهث ملفوفة بعباءة سوداء.. وعندما وقع نظرها علي قالت: ياه هذا أخوك.. بعده زغير.. أخاف يفضحنا!..
فرد بجد:
- لا.. لا تخافين سرك في بئر!
كنت مرتبكًا.. بدأت أنضح وهو يوصيها: انتبهي بعده ولد.. هذي أول مرة، فلم أدرك إلا بعد أن تركنا أخي لوحدنا قافلا باب الخان من الخارج.. أنها جارتنا زوجة شرطي النجدة «مشكور»، والتي ولدها زميلي في الصف نفسه، ويلعب معي في المدرسة والشارع. وكانت تزورنا كل يوم تقريبًا.. يعني مصادقة أمي وتساعدها بالتنظيف والطبخ.. وكنت أناديها «خالة». فكرت بكل هذا ما أن أغلق الباب وصرت وحيدا جوارها.. كانت تنظر نحوي بحنان وتبتسم بينما تبللت ملابسي وكأني غطيت بالنهر.. أخذتني من يدي وسارت بي نحو ظلال السقيفة جوار المعلف.. لم تنطق بكلمة واحدة ولا أنا طبعا.
كنت أشعر بالذنب، وأنا أخطو جوارها حتى فسحة مغطاة بالتبن.. نزعت عباءتها وفرشتها فأنحسر ثوبها الأحمر القصير عن فخذين أبيضين متينين من الخلف، أنسياني كل ما يتعلق بالشعور بالذنب.. عدلت أطراف العباءة فوق التبن وكانت ترمقني بين الحين والحين بعينين متوهجتين.. قامت وأخذتني إلى حضنها. قبلتني على وجنتي ورقبتي هامسة: لا تخاف.. لا تخاف.. وهي تحاول حبس الرجفة بجسمي.
وقليلا.. وقليلا بدأت أحس بدفء جسمها. وتوترت.. وبخبرة راحت أصابعها تجوس أنحاء جسمي، وتمص فمي بعد أن رفعت ثوبها .. التحمت بها .. همست: أكمل .. توترت إلى الأقصى، ثم همدت .. إليّ الثانية.. وقتها لم أفهم ما تعنيه ..
وعندما جلست على العباءة وأجلستني جوارها وراحت تمسح بشرتي بعد أن جردتني من ثوبي.. كنت أحس بدغدغة لذيذة وشفتاها تجوبان أنحاء جسمي.. إلى أن تهيجت من جديد. فاستلقت فاتحة ساقيها الطويلتين إلى الجانبين وجرتني فوقها وهمست: ارضع.. ارضعْ.. ودسَّت الحلمة في فمي. وفيما كنت أرضع.. قادتني إليه.. كان ناعمًا.. ساخنًا.. لينًا أخذني إلى عالم غير عالم الخان والتبن.. وملأت شمي رائحة جسدها وملابسها وشعرها، التي هي مزيج من روائح المسك والبخور والحناء والدارسين والبهارات، فطردت رائحة الروث والتبن والتراب..
حتى تلك اللحظة لم أجرؤ على النظر في وجهها، إذ كنت أغمض عيني.. لكنني فتحت عيني القريبتين من قسماتها.. كانت تقضم أسنانها، ويتموج في وجهها شيء يصعد وينزل. وكانت تنظر إلى الجهة اليمنى.. فشخصت إلى حيث تنظر.. فرأيت حصانًا أسود قريبًا جدًّا يحدق نحونا بينما تدلى .... طويلا متوترًا يكاد يبلغ الأرض.. تتموج تحتي وتكتم الصراخ، وما فارقت عينها الحصان الذي بدأ ينخر ويرفع ..... ويضربه بجدار بطنه ضربات متتالية إلى أن صرخت وعضتني بصدري، مطبقةً ساقيها على وسطي بعنف توافق مع صهيل الحصان.. مما جعلني أشخص نحوه مرة ثانية فرأيته يرفع قائميه الأمامين ويخبط بهما الهواء في هياج.
وصمت «عزيز» فجأةً.. فوجد «إبراهيم» نفسه من جديد في المكان.. تلفت محملقًا حواليه، فرأى «محمود» مضرج الوجه يفغر فمه، ويركز نظراته على شفتي «عزيز» المطبقتين منتظرًا المزيد من التفاصيل أو نهاية القصة التي بترها، ولم يكملها لينقل إلى موضوع يتعلق به قائلًا:
- فتحت عيني هذي التجربة، وبقيت أعمل لدى أخي دون مقابل.. إلى أن وجدت السكة!.
سأل «محمود» بلهفة:
- أش تقصد بالسكة؟!
- عرفت الدرب.. بدأت بالجيران.. فكثير من المتزوجات إما مهجورات وإما ما يشبعوهن أزواجهن.. هذا عدا اللي عندهن مشاكل.. المهم وجدت الطريق سهلًا.. شيء واحد يتأكدن منه هو سكوتك.. فإذا عرفن أنت سراني يشبعنك. ولما بنيت علاقة مع جارتنا اللي ضاجعتها بالخان، عرفت أن أخي الزنديق ما يعطيها ولا فلس من أجرتي!.. فهي تريد تتمتع يعني ليست عاهر.
صمت لحظة وعقب معلقًا:
- خربتْ نظرتي للنسوان!.. صرت أشك بكل واحدة حتى بأخواتي.. بنسوان إخوتي.. وتصورت أن كل جاراتنا ممكن النوم معهنّ فوقعت بعشرات المشاكل وشبعت ضربًا من كثرة حماقاتي، لكن كنت ما أجوز لأن مرة أصيب ومرة أخيب..تعودت على القحاب وصرت أناني مثل ما تعرف يا «إبراهيم» وما زلت.. غير أني متزوج وعندي طفلة، لكن لما أشوف واحدة بمكان أنسى كل شيء.. وأتنافس مع أعز صديق.. لا حتى مع أبوي وأعمل المستحيل حتى أزيحه وأحصل عليها!.)

ص208-218 من الحياة لحظة صدرت عن الدار المصرية اللبنانية -القاهرة-

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى