بَن لوري - الرجل والأيل.. تر: عبد الصاحب محمد البطيحي

ها هو أيلٌ يقفُ في الغابة عندما يسمعُ ضوضاء على نحوٍ مفاجئ . يرفع بصرَه الى الأعلى ويرى طائرةً تحلقُ في السماء. وبينما هو يشاهدُ الطائرة َ يرى رجلاً يقفزُ من داخلها . تنفتح مظلته ويهبط الى الأرض سالماً .
يقترب الأيل منه وينظر اليه .
يحييه الرجلُ وهو يلملمُ مظلته قائلاً : مرحباً
يردّ الأيل تحيته : مرحباً
ثم يسأله : ماذا تعملُ ؟
يجيب الرجل : أوه ، لا شيء . فقط أمارسُ القفزَ من الطائرات بين حين وآخر .
ينظرُ الأيلُ عالياً نحو السماء .
يسألُ : أليس هذا ممتعاً ؟
يجيبُ الرجلُ: أجل، هو ممتعٌ . ألم تمارسه أبدا ؟
يقـــولُ الأيـل : أنا ؟ أوه ، كلا .
يقولُ الرجل : حسنٌ . هيا تعال معي . سنرجع الى المدينة . سنرتب ُ لك كلَّ شيءٍ ، بعد ذلك سننطلق . ماذا تقول ؟
يقولُ الأيلُ : لا أعلمُ . أليس في هذا خطرٌ ؟
يقولُ الرجلُ : خطرٌ ؟ كلا ، لا شيء من ذاك مطلقاً ! حسنٌ ، لكن يا صاحبي : شيءٌ قليلٌ منه لا يعني كلَّ شيءٍ .
يقولُ الأيلُ : أحسبُ أن الأمرَ كذلك عندما تضعه على ذلك النحو .
وبعد فترةٍ قصيرةٍ ، يهزُّ رأسَه .
يقولُ : حسنٌ . انا موافقٌ .
يقولُ الرجلُ : رائعٌ. ستحبُ هوايةَ القفزِ !
ويضربُه على ظهرهِ ثم ينطلقُان .
يقفُ الأيل فجأةً عندما يصلان طـرفَ المدينةِ .
يقولُ: وماذا عن الناسِ؟
يقولُ الرجل : ماذا عنهم ؟
يقولُ الأيل : حسنٌ . أرجو أن تعرفَ بأنني لا أقول بأنني أخشى الناس. لكنهم دائماً في الغابة ينظرون اليَّ ، وهو ما يثيرني . كما انني لا اعرف ما الذي يبتغونه .
يقولُ الرجلُ : أشك بأنهم يبتغون شيئاً ما من وراء ذلك . لكن كلُّ شيء على ما يُرام وهذا ما سنفعله
ثم يخرجُ من حقيبته قميصاً اضافياً وقبعةً .
يقولُ : ارتدي القميصَ وضعْ القبعةَ على رأسك، عندئذٍ سوف لا يعرفك أحدٌ.
ينظرُ الأيلُ نحو زيّ التنكرِ الذي عرضه عليه لفترةٍ قصيرةٍ .
يقول : حسنٌ .
ويرتدي الملابسَ .
يتجولان في المدينة . الأيلُ مشدودُ الأعصابِ للغايةِ .
شخصٌ ما يقولُ: هاي توم !
بعد ذلك يتجمهرُ عددٌ من الناسِ حولهما .
يتساءلون : كيف كان القفزُ في يومك هذا ؟ ومن هو هذا الذي يرافقك ؟
يستديرُ وينظرُ الى الأيلِ .
يجيبُ : انه صديقي لورنس . لقد جاء تواً من الشاطئ .
والأيلُ يصافحُ كلَّ مَن حوله .
يقولُ رجلٌ من بينهم : يا لها من قبضةٍ حصلت عليها هناك يا لورنس !
يقولُ رجلٌ آخر : أتأتي بلورنس الى الحفلةِ ؟
يقولُ الرجلُ وهو ينظر الى الأيلِ : إلعب، لقد نسيت كلَّ شيء عن ذلك .
ويضيفُ مخاطباً الأيلَ : أيضيرك المجيء الى هذا الشيء هذه الليلة ؟ انها نوع من حفلةٍ راقصةٍ ستُقامُ بمناسبة قفزتي الأخيرة .
بإحساسٍ من الادراكِ النابعِ من دواخله يقول الأيلُ : بالتأكيد ، بالتأكيد . سيكون ذلك رائعاً .


يذهبُ الرجلُ والأيلُ الى الحفلة التي تُقام على شرفهما في (نادي الرواد ) في تلك الليلة . هناك عددٌ من المناضد الطويلة المرتّبة على هيئةٍ رباعيةِ الشكل .
يتمتعُ الأيل بوقتٍ رائعٍ : طعامٌ شهيٌ للغايةِ ، خطبٌ متنوعةٌ لخطباء مختلفين وتبدو له النادلة جذابةً، ساحرةً.لكن بعدئذٍ ، وعلى نحوٍ مفاجئ ، يلفتُ انتباهَه شيء ما : رؤوسٌ – رؤوسُ حيوانات تغطي الأجزاء العليا من الجدران . أسودٌ ، حمرٌ وحشيةٌ ، غزلان ، أيائلُ من الحجم الكبير . . . وأيلٌ .
يسيطرُ الخوفُ على الأيلِ .
يتخيلُ أن أبصارَ قتلةٍ تجوبُ الغرفةَ .
يقول الرجل وهو يشعر باقتراب المتاعب : ما هذا ؟
يستدير الأيلُ وينظر اليه برعبٍ .
يقولُ : أنت تحاول قتلي .
يقول ذلك بصوتٍ هامسٍ: جِئت بي الى هنا لتقتلني !
يقول الرجل : ماذا ؟ لِمَ أفعل ذلك ؟ لا افهم شيئاٌ مما تقول .
بيد ان الرعبَ المسيطر على الأيلِ لا يتيح له مجالاً لتوضيح هواجسه .يتعثرُ الى الوراء على قدميه . يشير الى حافرٍ لشيءٍ بغيضٍ على الجدار.
يراه الرجلُ، بعدئذٍ تتسع عيناه دهشةً
يقول : يا الهي ! لم اكن افكر في ذلك .
يبسط يده لغرض طمأنة الأيل
بيد أنها تمسك بالقميص ، تمزقه . ثم يحدث الأسوأ إذ تسقط قبعة الأيل على الأرض .
يستدير الجميع .
يتصايحون : أيلٌ ! امسكوه! امسكوه ! هاتوا السلاح !
يثبُ الأيلُ . يمشي، متثاقلاً ، خارج غرفة الرقص ، موقعاً بالناس يميناً وشمالاً . ينطلق بسرعةٍ فائقةٍ عِبر الأبوابِ ومنها الى الصالةِ. يضرب اعضاء النادي الزجاج على حقائب السلاح.
يتنادون بأصواتٍ عاليةٍ: هيا اسرعوا ! هيا اسرعوا ! إنه أيلٌ كبيرٌ ! هو الأكبرُ !
والأيلُ يسيرُ ، يتمايلُ في الشارعِ . يلوّحُ بيديه للسيارات . هناك تزميرٌ وصراخٌ ، كما هناك رعبٌ منقطع النظير يلمُّ بالأيلِ.
يهتف صوتٌ: انتظر ! انتظر!
يلتفت الأيلُ الى الوراء ويرى الرجلَ يركضُ خلفه .
يصرخ الرجلُ : انا آسفٌ . لم أكن أفكرُ ! ما أشدَّ غفلتي ! لكنني أقسم بأنني سوف اصلح الأمر وأبعدك عن الحالة هذه !
يصرخ الأيلُ :أتسخرُ مني ؟ لِمَ أثقُ بك بعد كل هذا ؟
بعد ذلك مباشرةً ، ينهمر الرصاص ُ بعد أن يحتشد اعضاء النادي في الطريق وهم يطلقون النار . يئزُ الرصاص مقترباً ويشتد ثم يغدو اكثر اقتراباُ .
يقول الرجل للأيل : أستطيع نقلك الى الطائرة ! هي فرصتك الأخيرة !
يقلّب الأيل الأمر في ذهنه .
رصاصةٌ اخرى تجتازه .
يقول اخيراً : حسنٌ . لنصعد الطائرة!
يقفزُ الرجلُ ويندفعُ الاثنان في الشوارعِ .
يصيح الرجلُ: انعطف يساراً ! وينعطف الأيلُ .
من امامهم المطارُ ، ومن خلفهم رجالُ النادي بأسلحتهم – يقتربون منهما في كل لحظةٍ قادمةٍ .
يصيحُ الرجل : ها هي الطائرة !
يندفع الاثنان الى متنها . يحرك الماكنة بسرعةٍ وتستدير الطائرة باتجاه المدرجِ .
ومن الوراء يصطف رجال النادي .
يقول قائدهم: اطلقوا النار ! اطلقوا النار بغزارةٍ !
يُصابُ هيكل الطائرة بإصابات كثيرة جداً، لكنها تواصل الطيران تتبعها حزم النار والدخان المرعبة .يشكو الرجل للأيل : سوف لا نكمل رحلتنا في الطائرة وينبغي علينا القفز الى الأرض .
يستدير ويبحث عن المظلات ، لكن ليس هناك إلا مظلة واحدة .
يخاطب الأيل : خذها .
غير أن الأيل يكتفي بالنظر اليها صامتاً .
يرفض ويقول : أنا حتى لا اعرف كيف استعملها. إضافةً الى ذلك ، ما كنت أقطع مثل هذه المسافة الطويلة من دونك .
يمعن الرجلُ النظرَ لفترةٍ من الوقت ,
يقول في آخر الأمر .: سنذهب معاً . ربما ننجح، ربما لا ننجح . مَنْ يَعرفُ !
يربطُ حزامَ المظلة حولهما ويوقف الأيل بمحاذاة الباب .
يقولُ : على العدِّ من ثلاثة .
ويقفزُ الأيلُ .
يهوي الاثنان عمودياً في الفضاء .
يصرخ الأيلُ: أتلك هي الغابة في الأسفل منا ؟
يجيبه الرجلُ : أجل ! أليس هو مشهداً رائعاً ؟
يقول الأيل: أجل ، هو كذلك . أستطيعُ أن أدركَ الآن سببَ حبك للقيامِ بهذا العمل .
ومن هذا الموضع تأخذ الأرضُ بالارتفاعِ على نحوٍ سريعٍ.
يقول الرجلُ : حسنٌ ، انها لحظةُ الحقيقةِ !
يقبضان معاً على حبل السحب بقوةٍ .
يقولُ الأيل : آملُ أن نتمكنَ من أن نكونَ أصدقاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى