نزار عبد الستار - قهوة غوته

سحب من ذراعيها جاكيتها الجلدي، والبسه مسند الكرسي، ثم وقف خلفها، واعتنى باجلاسها. رجع إلى مكانه على الجانب الآخر من المنضدة، وابتسم. لم تنظر إليه، فسألها بتوجس:
ـ كيف كان الوضع في ساحة اسبانيا؟.
انكمش التموج في شفتيها المطبقتين، واكتسى وجهها بالظل، وهي تقول:
ـ لا أجيد التعامل مع الإيطاليين.. أنا منزعجة.
قال، واصابعه تتناوب في الارتفاع والهبوط:
ـ علينا نسيان الأمر.. اهدئي حسب. أنت بحاجة إلى الاسترخاء.
رفعت بصرها إلى السقف، وسألته:
ـ أهذا هو المقهى الذي كان يجلس فيه غوته؟.
ابتسم بانشراح:
ـ نعم، إنه مقهى غريكو الشهير.
جالت ببصرها في المكان، فقال أنه أوصى بأن يجهزوا لها عصير كرانبري.
تابع، وعلامات الفخر بادية عليه:
ـ من الصعب هنا كسر تقاليد ثلاثة قرون من المشروبات، ولكنهم احضروا الكرانبري من الخارج. ارتبكوا مدة ساعة إلى أن جهزوه لك.
سألته إن كان يعرف نوع القهوة التي اعتاد غوته أن يشربها هنا قبل ثلاثة قرون، فقال لها أن التاريخ لم يذكر ذلك، وكتّاب سيرة غوته فاتهم هذا الأمر، نظرت إليه باستغراب قائلة:
ـ الأمر لا يحتاج إلى تاريخ، فمن المؤكد أنهم هنا يعرفون نوع قهوة غوته، وأنا اريدك أن تشربها. أنت لا تقل عنه بشيء. وبالتأكيد انت بنظري الأفضل.
كان النادل يتقدم نحوها حاملا قدح عصير الكرانبري حين استعجلته باشارة من اصبعها.
قال في محاولة منه لإسماع النادل:
ـ اعتقد أن غوته كان يشرب الاكسبريسو.
اسكتته بنظرة استنكار، ثم التفتت إلى النادل قائلة:
ـ من فضلك، أريد لزوجي أن يشرب قهوة غوته.
تبادلا هو والنادل نظرة حائرة، فعادت لتقول، وهي تسند رأسها على كفها:
ـ يوهان فولفغانغ فون غوته، هو اديب الماني كان يجلس هنا في المقهى قبل ثلاثة قرون. أرجو أن تتأكد من نوع قهوته، وتجلبها لزوجي.
انسحب النادل بارتباك، فأمسك بيدها قائلا:
ـ عليك نسيان ما حدث في ساحة اسبانيا.
قالت، وهي تغمض عينيها:
ـ نسيتها.. أنا منزعجة الآن من غوته.
عاد النادل إليهما مستأذنا إن كان بالامكان الانتظار ريثما يحضرون قهوة غوته من الخارج، ثم استدرك قائلا:
ـ إذا كان هذا يضايقكما، ولا تملكان الوقت، فادارة مقهى غريكو تنصح بتناول قهوة الاديب الايطالي الشهير البرتو مورافيا، لأنه كان يجلس هنا أيضا.


* عن صحيفة الزمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى