محمد نوري جواد - نعم وبلى

تستعمل (نعم) وهي حرف من حروف الجواب في تصديق مخبر كقولك: نعم لمن قال: قام زيدٌ، وفي إعلام مستخبر لمن قال: هل جاء زيدٌ ؟ فتقول: نعم، ووعد طالب لمن قال: اضربْ زيد فتقول: نعم. أما (بلى) فهي مختصة بالنفي فلا تقع إلا بعد نفي في اللفظ أو في المعنى، فهي إيجاب لنفي مجرد كقولك (بلى) لمن قال: ما قام زيدٌ، أو مقرون باستفهام كقولك: أليس زيدٌ بقائم ؟ فتقول: بلى، والمعنى: زيدٌ قائم، وإذا قلت: نعم، يكون المعنى: ليس زيدٌ بقائم، أو التقرير: كقوله تعالى ( ألست بربكم قالوا بلى ) أي: أنت ربنا، والعرب أجرت التقرير مجرى النفي. ومن هنا يتضح الفرق بين (نعم) و(بلى).
وقال ابن مالك النحوي المشهور: وقد توافق (بلى) (نعم) بعد النفي المقرون بالاستفهام كقول جحدر: أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عَمْرو... وإيانا فَذَاك بِنَا تدان * نعم وَأرى الْهلَال كَمَا ترَاهُ... ويعلوها النَّهَار كَمَا علاني. والمعنى: يجمع الليل أم عمرو وإيانا، وقول الأنصار للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ألستم ترون ذلك ؟ قالوا: نعم، والمعنى: نرى ذلك. فقيل: يؤول قول الأنصار على أن ذلك لأمن اللبس، وقول جحدر على أنّ (نعم) جواب المقدر في نفسه من اعتقاده أن الليل يجمعه وأم عمرو، أو يكون جوابا لما بعده فقدم عليه.
وقال بعضهم: (نعم) صحيحة بمعنى تصديق المخبر ؛ لأن نفي النفي إثبات والكلام موجب لا بمعنى إعلام المستخبر، فيكون المنع أن تكون (نعم) بمعنى الجواب وتصديق النفي ؛ لأن ذلك يكون تصديقا لما بعد همزة الاستفهام فيكون المعنى: ليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا، ولسنا نرى ذلك، وليس هذا المعنى.
وقالوا أيضا: يجوز أن يأتي بعد التقرير بـ(نعم) ؛ لأن معناه الإيجاب في نفس المتكلم، وليس في هذا تصديق للنفي ؛ لأن المتكلم إذا قال لمن رآه يشرب الخمر المنكر عليه: أليست الخمر حراما، لم يستفهمه، وإنما أراد تقريره أو توبيخه، وفهم مراده في ذلك جاز أن يجاب بـ(نعم) تصديقا لمعتقده دون الالتفات إلى لفظ النفي ؛ لأنه ليس بناف في الحقيقة إلا أن أكثر العرب يرون مراعاة اللفظ أولى ؛ لأنه الظاهر المسموع وبه نطق القرآن.
وصفوة القول: إن (نعم) وافقت (بلى) مراعاة للمعنى، والفقهاء سوّوا بينهما ؛ لأن الأحكام إنما تتعلق بالمعاني لا بالألفاظ، فإذا قال شخص لآخر: أليس لي عليك دينار، فقال الآخر: نعم أو بلى فإنما لزم بها الإقرار على عرف الناس، وقد اشتهر بالعرف كما قال الرضي الاسترابادي في شرح الكافية ما قال هذا القائل، فلو قيل لك: نعم، لزمت بالدينار بناء على العرف الطارئ على الوضع، والأقوى لغويا استعمال (بلى) ؛ لأنها دالة في اللفظ والمعنى.
ثُقاة أم ثِقات
يُخطئ من يجمع (ثِقَة) على (ثُقاة) أي: يجمع الكلمة على جمع التكسير، وقد ورد ذلك كثيرا في الرسائل الجامعية ومنها: ( من الرواة الثقاة الذي يعتمد عليه)، و(فيهم العدول الثقاة)، و(حاكيا أقوال الثقاة من المتقدمين)، وهذا غير جائز لا سماعا، ولا قياسا أن تجمع (ثِقة) على زنة (فُعَلَة)، وصفوة القول: إنها تجمع على (ثِقات) للرجال والنساء، فنقول: من العلماء الثِقات، ومن النساء الثِقات، ورجل ثِقة، وعلماء ثِقة، فيوصف بـ(ثِقَة) المفرد والمثنى والجمع ؛ لأنها من المصادر التي يوصف بها.


د. محمد نوري جواد


* عن الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى