صفاء ذياب - ذات حلم ضائع.. تلك الحكاية، هذه القصة

هل يكفي الحلم لكي نمدَّ من خلاله عيوننا وننظر إلى الكنز المخبَّئ تحت الشجرة؟
هكذا تجعلنا حكاية (حالم بغداد) التي رويت بأكثر من كتاب، وفي كل مرة تسرد تفاصيلها بشكل مختلف، لكن الحلم باقٍ، وبغداد مكمنٌ دائم للكنز...
تقول الحكاية: إن تاجراً بغدادياً أفلس ذات يوم، فحلم بأن هناك كنزاً مخبأً له في مصر، لكنه يصادف لصوصاً في مسجد هناك ويؤخذ بجريرتهم، فيخبره الشرطي الذي يُلقي القبض عليه بعد أن يعرف حكايته بأنه أيضاً حلم أن هناك كنزاً ينتظره في بغداد، في منطقة ما، وفي بيت رجل من رجالاتها، بالمصادفة ، أن الاسم الذي ذكره الشرطي هو نفس اسم ذلك الرجل، والكنز تحت سدرة بيته، فيعود هذا الرجل إلى بيته في بغداد ليجد الكنز مدفوناً تحت تلك السدرة.

**

رويت تلك الحكاية في ألف ليلة وليلة، ومن ثم في كتاب "حدائق الأزاهر" لابن عاصم الأندلسي، والرواية الأخيرة كانت لدى بورخس في كتابه "تاريخ عالمي للعار". ومع اختلافات بسيطة في الحكاية، إلا أن أركانها الرئيسة تمكنت من المحافظة على نفسها، فالإفلاس كان الركن الأول، والحلم كان الثاني، وبغداد كانت الركن الثالث والأهم.
قلت: الأهم، لأن أغلب كنوز العالم كانت مخبَّاة فيها، منذ أن خُطَّت كمدينة غير معلومة الجهات، دائرية، كأنها تحاول أن تقول أن طولها يساوي العرض، وشمالها تائه مع الجنوب، هكذا رُسمت، وهكذا حيكت حولها وفيها حكايات لا تنتهي. فالكنوز التي نُثرت تحت سدراتها، وفي مخابئها، وعلى سطوحها، لم تنضب. والأحلام بقيت مسرحها الدائم.

**

تحت أرضنا أحلام ما زلنا نمشي عليها من دون ان نشعر بوخزاتها، وفوقها هياكل معبأة بالألم والحزن، وفي ملامحها التي أضعناها تقاسيم عود عزف حروباً خنقت بأوتاره كل أغنية لا تفارق نشيجها، فهل سنبدأ بالحفر فعلاً، لندون حكاياتنا من جديد، ونركض ساعين خلف زمن لا نريده أن يفلت من قبضتنا؟
كل شيءٍ مرهون بزمن ما، وعيون تحدق في الأفق المفتوح على مصراعيه، وسدرة مزروعة في حدائقنا.
في كل حديقة سدرة خُبِّئَ تحتها كنزٌ، ربما نفتحه ذات يوم ونجد فيه أنفسنا النائمة منذ كمٍّ من الزمن اللامتناهي، حكاياتنا مرصوفة فيه كأنها أكوام تراب تحتاج الى من يرممها مرة أخرى، ويبني قصورنا السردية، بغداد أم الحكايات وكنوزها، وأنفسنا ضائعة في حدائقها.



* عن الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى