محمد قسط - أنثى الهايكو.. نص

تمشي حافية في فضّة النهر.. تغنّي: ذهب "باشو"، وترك دودة القزّ في فم الريح.. لا تحزني يا "أوساكا" (السماء خوذة الجندي المرصّعة بالنجوم..)... جثتةٌ ملقاة على جانب البناية العالية.. شجرة تتقيء أوكسجينها.. كنت أتسوّل قصيدة هايكو، في مكبّ القمامة.. لا أعتقد أن باشو في سفرياته عبر قرى أوساكا، قد ارتطم بمثل هكذا مشهد.. مجاري.. روائح عفنه.. أجساد بلا هوية.. رغبات تعرق.. لا طوفان يغسل المدينة من شهوتها.. لا زالت خرافة المريد "صَايم الدّهر" عالقة في رأسي التافه.. المخلوقات الشبحية التي تسكن هامش الحياة.. هامش الحواس.. تلدغنا.. وكأنها أكثر منّا امتلاءً بالوجود.. أكثر إدراكا.. نحن الكائنات الأقلّ مرتبة في مداراتهم الهائلة.. رنّ في داخلي صوت خافت.. صوت الفضول.. يقول: لما لا تبحث عن تفسير حلمك عند "صَايم الدّهر" ألم يؤتي حسب هذيانه تأويل الأحلام؟.. بعض الحماقات فواكه الكاتب.. النص لن يسقط على البياض من التصرفات العاقلة.. الخوارق تحدث.. الهرطقات حشيشةٌ مخدرة.. أنت أحمق.. يقول صوت آخر.. أقل إغواء.. زقاق.. يضجّ بحفيف القهوة رصيف متعب.. بنفسجه تسقط من فم متسولة صغيرة.. نطق خُفّها القدّيس.. أسمع تراتيله.. "رحبة ليهود" مقهى.. لا مقهى.. أدخل وحيدا عاريا من جسدي.. فجأة من فوضى الشارع والباعة إلى خلوة هايكو.. رائحة بوذا.. أزهار اللوز.. شبح المريد "صَايم الدّهر" في ظل الجدار.. مُغمض العينين.. العين الثالثة مفتوحة على كونٍ ما.. أقترب دون أن أثير حفيظة اللحظة.. أجلس بجانبه هادئا كنبوءة.. يومض الحلم في ذهني مرّة أخرى.. دودة القزّ التي تركتها عمدا على حافة اللغة.. تمضغ رائحة الكلام.. على جبين أنثى الهايكو.. تسيل أقحوانة المعنى.. كنتُ أغمضت عيني.. لَبستني بنفسجة الغيب.. ما أخف الزهرة.. جميل أن تحمل على كاهلك زهرة.. الحب ماء الحياة.. أسمعه يردد.. ألتفت.. بكلتا يديه مسكني من تلابيبي.. وراح يهزّني.. الحب ماء الحياة.. يهزّني.. يفوح المكان.. يفوح الزمن.. يجعل فمه على أذني ويهمس.. جئتني بحلم ثقيل.. جئتني بزنبقة القيامة.. الرؤية.. لا قبل لي على مكابدة البعث.. إذهب.. إذهب.. كان النبض غريب... والأشياء حولي تتراقص كالخيالات.. قفز المريد من مكانه إلى منتصف الفناء الصغير.. وراح يدور حول نفسه.. في رقصة صوفية.. زوبعة من الأسمال البالية والتجاعيد انكمشت.. ألم في معدة اللغة.. جرح في لسان الحالة.. أقف على حافة الروح.. أصيح: الحب ماء الحياة.. يسقط المريد "صَايم الدّهر" على الأرض.. أفرّ إلى الشارع..

(الحب ماء الحياة) من أقوال جلال الدين الرومي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى