حوار : الشاعر المغربي محمد الطوبي لـ ( الزمان ).. لابد لأي شاعر حقيقي من مرجعية تراثية يوظفها في مشروعه الشعري - حاوره: عبد الحق بن رحمون

لماذا دائما الشعراء المغاربة منذورون على الألم ، هل هذا قدرهم؟ . في الشهور الأخيرة مر الشاعر المغربي محمد الطوبي بمحنة عصيبة من جراء مرض مزمن ألزمه الفراش بالمشفى ، ... في هذه الأيام ( الزمان ) التقته للاطمنان على أحواله الصحية وأجرت معه أول حوار بعد أن اجتاز مرحلة الألم ، وبهذه المناسبة يتمنى محرر ( الزمان) للشاعر محمد الطوبي الشفاء والعافية ونحيي فيه مكابدته ومقاومته للمرض. الآن حالته الصحية بدأت في تحسن شيئا ما ، هنا اطمئنا على حالته الصحية خاصة وأنه في فترة نقاهة ، ووصف لنا بأن الانسان كائن هش وجسده قابل للأعطاب بسهولة ..وقال : "اجتزت مرحلة كانت قواي الجسدية منهارة تماما وأجد صعوبة في التنفس ..وفي فترة العلاج كانت المواد الكيماوية التي أحقن بها تصيبني بنوم عميق ولما أفيق يكون ذهني شاردا ومشوشا..لهذا ولحد الآن لاأستطيع الكتابة عن سيرة المرض لأني في وضع نفسي فيه الكثير من الشرود.."

صدر مؤخرا للشاعر محمد الطوبي ، ديوان جديد تحت عنوان " أنت الرسولة أيقوناتك اندلعت " عن دار القرويين بالدار البيضاء ، وكتبت قصائد الديوان بخط الشاعر ، وفي هذا الدوان نجد الشاعر في عشق أبدي مع المرأة التي تشعل فيه الأشواق ومنها يغدق جرح الوقت أنخاب فوضاه شبابة .../ إذن فلنتابع سيرة القصيدة ...والألم... والمرأة في نص هذا الحوار :


* أنت العائد الآن من جحيم الألم ، هل الشعراء قدرهم هذا العذاب والألم . أود أن تتحدث عن هذه السيرة التي عشتها مع المرض . وهل ترجمة هذه اللحظات الصعبة شعريا ؟

** سيرة المرض عشتها أتأمل علاقتي بالعالم بالآخرين ..في لحظة صعبة كتلك عرفت من هم أصدقائي الحقيقيين الذين لم يغيبوا عني أبدا كانت الزيارات والهواتف .. في حين أن آخرين في مقاهي الرباط كانوا يشيعون أني في إحدى مصحات باريس أو أني مرتاح في جناح ملكي وهؤلاء لم يزرني منهم أحد ولاحتى هاتفني.. " ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه – أني بما أنا شاك منه محسود " كما قال المتنبي ..

الانسان كائن هش وجسده قابل للأعطاب بسهولة ..اجتزت مرحلة كانت قواي الجسدية منهارة تماما وأجد صعوبة في التنفس ..وفي فترة العلاج كانت المواد الكيماوية التي أحقن بها تصيبني بنوم عميق ولما أفيق يكون ذهني شاردا ومشوشا..لهذا ولحد الآن لاأستطيع الكتابة عن سيرة المرض لأني في وضع نفسي فيه الكثير من الشرود..

* تم إدخالك إلى المشفى برعاية ملكية إثر ملتمس تقدم به المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب ، كيف تنظر إلى هذه الالتفاتة في الوضع الاعتباري للكاتب المغربي ؟

** هي هبة ملكية منحت لاتحاد كتاب المغرب ولكن على إدارة الاتحاد أن تهيئ لها ملفا قانونيا يتيح لأي كاتب مغربي في حاجة إلى علاج أن يتلقى العلاج بسرعة ودون تماطل قد يفاقم الوضع الصحي للكاتب ..مثلا هناك الكاتبة مليكة مستظرف التي مرت شهورعلى ملفها الصحي ولم تستفد لحد الآن من أي علاج ..


* في إصداراتك الشعرية ، نجدك قريبا إلى الشرق أكثرمن المغرب ، هل أقول إن ذلك هجرة اختيارية إلى دمشق ، بغداد ، بيروت ثم لتحط رحالك بطرابلس وبعدها الرباط والقنيطرة . هل ذلك كان بسبب أزمة النشر بالمغرب أم ماذا ...؟

** تميزت عن غيري بأن نشرت أغلب نتاجي الشعري في مجلات شرقية مثل الآداب والأقلام والمعرفة وإبداع ومواقف والكرمل وغيرها في بيروت دمشق القاهرة وبغداد ..كما نشرت دواويني في عدة عواصم لأن المغرب لايتوفر على ناشرين حقيقيين كما هو الحال في بيروت والقاهرة ..في الفترة الأخيرة كثرت المطابع وصار الكتاب والشعراء ينشرون كتاباتهم على حسابهم الخاص .

عملية النشر في الشرق جعلت اسمي معروفا في أغلب البلاد العربية الأمر الذي صارت معه الدعوات إلى المهرجانات تأتي على عنواني الخاص ..

وأزمة النشر في المغرب لايمكن أن تحل إلا إذا اتفق اتحاد كتاب المغرب بشراكة مع وزارة الثقافة ضمن خطة بعيدة المدى لحلحلة أزمة نشر الكتاب المغربي ..

* أظن أن لك وجهة نظر خاصة بالنسبة للحداثة ما انتقاداتك لقصيدة النثر والتجريب الشعري أي ما يعرف بالتقليعات ...؟

** أنا مع التجريب في كتابة القصيدة لكن ضمن شروط فنية معروفة ..هناك ركام من الرداءة باسم التجريب الشعري لاقت رواجا في الصحف والمجلات ..من المعروف أن القصيدة لها قواعد متعارف عليها سواء بالعربية أو بأية لغة أخرى ..فلا يمكن أن نعتبر أي خربشات يكتبها من هب ودب قصيدة..

* من خلال دواوينك الشعرية التي قرأتها لك أجدك مخلصا لتراث الشعر العربي القديم ، وأقصد هنا وفاءك للغة العربية بنصاعة قوتها وبلاغتها ، لو تتحدث في هذا السؤال ما درجة الوعي بالتراث العربي ؟

** لايولد الشاعر من فراغ ..الشاعر يتكئ على تراث شعري إنساني يتكون من تجارب مختلفة امتدت عبر عصور ..وكان لابد لي من قراءة ما أستطيع من تراث الشعر العربي من الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي وأيضا تجارب الشعر الفرنسي ..

وأرى أن لابد لأي شاعر حقيقي من مرجعية تراثية يوظفها في مشروعه الشعري ..

* أنت تعيش الشعر بجنون وبعشق ... لذلك يلقبونك بملك الصعاليك الجميل ...

ماذا أعطتك القصيدة ...وماذا أعطيتها من حياتك ووقتك وتأوهات مع الحرف ؟

**الشعر أعطى ويعطي معنى لحياتي ..بالشعر استطعت أن أتخطى الكثير من الأزمات والصعاب ..وما أخلصت لأي شيء قدر إخلاصي للشعر ..حتى مؤسسة الزواج لم أنضبط فيها وتمردت على أصفادها وخرجت منها حرا طليقا ..

بالشعر عبرت قارات لم أكن لأعبرها لولا الشعر ..بالشعر أيضا تكبدت خسارات وعداوات لم تكن لولا الشعر الذي غمر حياتي بمفارقات عجيبة ..

* ماذا يعني لك : القنيطرة ...بيت الشعر في المغرب ...وزارة الثقافة...اتحاد كتاب المغرب..الناشر...المهرجانات...؟

** لاتعني لي القنيطرة سوى أنها مكان الميلاد والاقامة ..إنها مدينة ملعونة ينهب خيراتها سماسرة العقارات وأباطرة الدعارة ..أما الناشر إذا ما استثنينا " دار توبقال " و " دار الفنك " فكل من يدعون أنهم ناشرون مجرد لصوص ومهربي الأموال إلى الخارج ..والمهرجانات إذا حضرتها أسماء مرموقة تكون ممتعة وأحيانا تكون مهرجانات لتبادل المجاملات والهدايا وصرف الشيكات بآلاف الدولارات وهذه تكون لأغراض لاعلاقة لها بالثقافة ..

*في شعرك نجد المرأة ...بكل تفاصيلها ، وفي كل مرة نجدك معها ... وهي تلك التي تسميها بالأميرة لأن القصيدة لا تشبهها ...القصيدة تسكن الظن والاحتمال .

أعتقد أنك في سرد سيرة المرأة وهي في نفس الوقت " شهرزاد " ،إنني في شوق لمعرفة هذه المرأة التي تقيم إقامة دائمة في قصيدتك ...؟

** هناك امرأة القصيدة قد تشبه القصيدة وقد لاتشبهها.. المرأة وطن نسكن إليه ..ليس لي شهرزاد ولا أحتاج إلى شهرزاد ..هناك امرأة تستحق أن تسكن القصيدة ..وهناك من تستحق اللعنة..

* يقال عن الشعراء المغاربة بأنهم مقلون في الكتابة وأن بين كتابة قصيدة وقصيدة مسافة قد تطول ، هل هذه ظاهرة صحية إذا ما أردنا أن نؤسس لمتن الشعر المغربي ونخلق تراكما ...؟

** من قال إن الشعراء المغاربة مقلون في الكتابة ..إسأل أي شاعر سيقول لك أن لديه عدة مخطوطات شعرية تحت رحمة الغبار لأنه لم يجد مجالا لنشرها ..

* الشعر المغربي الآن عوالم ، وأجيال مختلفة لوتتحدث لنا هنا عن هذا الجيل الشعري الذي تنتمي إليه تحديدا ...؟

** بدأت الكتابة في السبعينات ونشرت في جريدة ( العلم ) وجريدة ( المحرر) ومجلة ( أقلام) التي كان يصدرها بوعلو ..بعدها نشرت في عدة عواصم مثل بيروت بغداد دمشق القاهرة وتعددت الجهات التي نشرت في مجلاتها ..لا أستطيع أن أتحدث عن جيلي لأني لست باحثا ولاناقدا لأرصد ظواهر المرحلة بما لها وما عليها ..

*هل يحدث في بعض الأحيان أن يشعر الشاعر بالندم فقط لكونه شاعرا ؟

** يشعر الشاعر بالندم ليس لكونه شاعرا ولكن لكونه في زمان خطأ ..وفي مكان خطأ ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى