عبد القادر وساط - وزير الشمس و القمر لا يجد البيت الملائم

جاء في كتاب " إتحاف الخلان بأخبار طاغية نجدان " :
حدثنا شيخنا أبو الفضل النجداني ، قال:
حضرتُ مجلسَ الطاغية، يوم قام بتعيين تسعة من الوزراء الجدد ، في حكومة الشيخ أبي عبدالله المنجم ، الملقب بضمير الغيب . و هؤلاء الوزراء هم :
- وزير الأحلام، الشيخ مُحَسَّد العتابي ، الملقب بلَمْع السراب.
- وزير الرعد و البرق و المطر، الشيخ الأصَمّ سعيد بن جَرْوَل ، الملقب ببَرْد العجوز.
- وزير الشمس و القمر، الشيخ أبو كلدة المُغيرة بن حامد العقيلي، الملقب بواسطة العقد .
- وزير الحب والمرأة والغزَل، الشيخ أبو الحسن الصامت النهشَلي ، الملقب بقُطْب السرور .
- وزير العَروض والقوافي، الشيخ أبو فُرات المستتر النميري ، الملقب بقافِ رُؤْبَة .
- وزير المعلقات و الأصمعيات و المفضليات ، الشيخ أبو جعفر الضرير البيهسي ، الملقب بقرن الكركدن.
- وزير الظلم و الطغيان ، الشيخ غامد بن عمير الجرمي ، الملقب بنطاق الجوزاء، و هو أخ شقيق لوزير الطغيان السابق ، الشيخ خالد بن عمير الجرمي ، الملقب بحية الوادي.
- وزير الجن ، الشيخ العُجَير الكناني ، الملقب بريش القطا .
- وزير الهيجاء، الشيخ مقداد بن عيسى الطائي ، الملقب بعين الديك .
فلما كان يوم الغد ، عمدَ كل وزير من الوزراء الجدد - بأمر من الطاغية - إلى اختيار البيت الشعري الملائم ، الذي يرتضيه شعارا لوزارته . إذْ جرت العادة أن يُكتب ذلك البيت بخط كوفي بديع على لوحة كبيرة ، يتم تعليقها عند مدخل الوزارة.
قال أبو الفضل النجداني :
و كان الشيخ أبو كلدة المغيرة ، الوزير الجديد للشمس و القمر ، صديقا من أصدقائي المقربين ، فبعث إليّ لأوافيه في بيته ، بعد صلاة العصر، فلما توجهتُ إليه ألفيته واقفا ينتظرني لدى الباب ، و قد بدا عليه الضيق و الارتباك . و لم نكد ندلف معا إلى الداخل ، حتى قال لي :
- ضعتُ و الله يا أبا الفضل . و إني لا أعرف أيَّ ذنب جنيتهُ حتى أجدَ نفسي وزيرا للشمس و القمر في حكومة الطاغية . فلعله دعاء الوالدة قد استجاب له الخالق سبحانه ، بعد كل هذه السنوات . إذْ كانت تدعو علي و أنا صبي صغير بطول الهم و الغم !
فلما سمعتُ كلامه ، حاولتُ التسرية عنه و قلت له :
- هَوّنْ عليك يا أبا كلدة ، و لا تترك للجزع سبيلا إلى نفسك ، فإن الوزارة التي توليتَها أنت ليست كباقي الوزارات ، و نحن لم نسمع قط ، في ما مضى، أن وزيرا للشمس و القمر قد عانى من التعذيب في المخافر ، أو جرى تسييره إلى سجن الكثيب ، أو تمَّ نفْيُهُ إلى جزيرة دهلك.
إثر ذلك ، سألني صديقي الوزير أن أقترح عليه بيتاً شعرياً يَكُون شعارا لوزارته ، فأشرتُ عليه بقول القائل :
منعَ البقاءَ تَقَلُّبُ الشمسِ = و طلوعُها منْ حيث لا تُمْسي
فسُرّ الشيخ أبو كلدة بذلك البيت أيما سرور ، ثم إني استأذنته ، و عدت راجلا إلى داري ، بضاحية نجدان العاصمة . فلما كان أولُ الليل ، سمعتُ طرقا متواصلا على الباب فقمتُ و فتحت ، فإذا صديقي الشيخ ، وزير الشمس و القمر، يقف مبهور الأنفاس . فسألته عما جاء به في ذلك الوقت ، فقال بصوت متقطع :
- يا أخي ، أنت لم تقل لي من هو صاحب البيت الشعري الذي أشرتَ عليّ بكتابته على باب الوزارة . و قد يسألني عنه الطاغية غدا أو بعد غد ، و أنا لا أعرفه ، فيكون في ذلك هلاكي.
فلما سمعتُ كلام صديقي الوزير دعوته للدخول ، ثم قلت له :
- الحق أني لا أعرف قائل هذا البيت ! كل ما أعرفه هو أنه يُنسب تارة لقسّ بن ساعدة ، و تارة لروح بن زنباع ، و تارة لتبّع الأكبر.
فقال الشيخ المغيرة :
- يا أبا الفضل ، أنتَ من أعرف الناس بطباع المستبد بالله . فإنْ كنتَ تحرص على سلامتي ، فلا تُشرْ علي أبداً ببيت لا يُعرف قائله .
ثم إن الشيخ الوزير انصرفَ عائدا إلى بيته ، بعد أن استحلفني بأن أوافيه قبيل الفجر ببيت شعري آخر،يَجعله شعارا لوزارته ، على أن يَكون قائله معروفا و مشهوراً ، فيأمن بذلك من نزوات الطاغية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى