صفاء ذياب - تكاذيب الأدباء..

1
"... تكاذب أعرابيان فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس لي فإذا أنا بظلمة شديدة فيممتها حتى وصلت إليها، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه فما زلت أحمل بفرسي عليها حتى أنبهتها، فانجابت.
فقال الآخر: لقد رميت ظبياً مرة بسهم فعدل الظبي يمنة، فعدل السهم خلفه، فتياسر الظبي فتياسر السهم خلفه، ثم علا الظبي فعلا السهم خلفه، فانحدر عليه حتى أخذه".
يورد المبرِّد في كتابه (الكامل) فصلاً عن تكاذيب الأعراب التي عدها بعض الدارسين الأوروبيين أساساً لفن الرواية، لأن العرب جنس بشري موهوب في صناعة الكذب. يشير الغذامي في أحد كتبه إلى هذا، موضحاً أن الأوروبيين لا يذمون العرب بهذا الرأي، بقدر مدحهم في إنجاز فنون موازية للشعر الذي عرفوا به.

2
الكذب فن مؤسس للرواية، فهي تبني عالماً متخيلاً، لأنه في أغلبه لا يتجه لغاية نفعية، بقدر ما يمثل متعة في القول والمسامرة، هذا على مستوى النص الأدبي الذي يسعى كاتبه فيه للكشف عن مواهبه في خلق حيوات محاذية للحياة القاسية التي نهرب منها نحو أكوان أخرى.
لكن هناك بعض الأدباء يتمثلون الكذب في حياتهم الشخصية بعيداً عن نتاجهم الإبداعي. قبل بضعة أعوام نشرت إحدى الكاتبات اللبنانيات خبراً عن حصولها على جائزة إيطالية مهمة، إلا أني عندما سألت بعض الكتاب الإيطاليين عن هذه الكاتبة أو الجائزة التي فازت فيها فوجئ بأنه لم يسمع في حياته عنها وعن المؤسسة التي منحتها هذه الجائزة.

3
للعام الثاني على التوالي يعلن أحد الروائيين العراقيين عن ترشيحه لجائزة البوكر العربية، وبعد ظهور القائمة الطويلة نكتشف بأن كل ما فعله إرسال روايته للمشاركة مع مئات؛ إن لم تكن، آلاف الأعمال. إلا أن هذا الكاتب يعتقد أن بمجرد إرساله لعمله يعني أنه دخل في هذا العالم الذي يتقاتل عليه أهم الروائيين العرب.

4
عندما زرت أوروبا للمرة الأولى، كنت أتوقع أن يحدثني الكُتَّاب هناك عن أسماء عراقية وعربية نعتقد أنها معروفة في الوسط الثقافي في تلك البلدان، إلا أننا نكتشف بعد أيام قليلة أن ما يشاع هنا ليس إلا خرافات صنعها هؤلاء، وضحكوا فيها علينا، نحن الساكنين في قعر الوادي، ولا نسمع لغط من يصرخ في الأعلى. الجوائز التي يدَّعون أنهم حصلوا عليها من مؤسسات مهمة، لم تصدر إلا من بيوتات صغيرة شكلوها مع بعضهم وبدؤوا يرسلون إلينا أخبارهم من إذاعة لا تَبِثُّ إلا في ودياننا.
ربما هناك أسماء عراقية مهمة في أوروبا، لكنها لا تصل إلى عدد أصابع الكف الواحدة.


* عن الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى