الجنس في الثقافة العربية الجنس في الثقافة العربية : إبراهيم محمود - تجربتي في الكتابة الجنسية

نشرت حتى الآن في مجال الكتابة الجنسية أكثر من دزينة مؤلفات تراوحت بين الجانب النقدي التاريخي والمتابعة الاثنوغرافية والانتروبولوجية، ودون إخفاء المقاربة النقدية في هذه أيضاً، ولأن ثمة مقصداً من كتابة هذا المقال، وفي هذا التوقيت بالذات، ومن باب التوضيح، أثبت لائحة بأسماء هذه المؤلفات أولاً،والتي تستغرق قرابة ربع قرن من الزمن :
الجنس في القرآن، شركة رياض الريس، لندن، ط1/1994/ط2/2000، ط3، دار رؤية، القاهرة، 2016.
جغرافية الملذات "الجنس في الجنة"، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/ 1998، ط2، الريس، بيروت، 1998، ط3، دار رؤية، القاهرة، 2016.
المتعة المحظورة " الشذوذ الجنسي في تاريخ العرب"، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/2000، ط2، دار رؤية ، القاهرة، 2017.
الشبق المحرم "أنطولوجيا النصوص الممنوعة"، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/2002، ط2، دار رؤية، القاهرة، 2016.
الضلع الأعوج "المرأة وهويتها الجنسية الضائعة"، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/2004.
الأنثى المهدورة "لعبة المتخيَّل الذكوري في صناعة الأنثى"، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط1/2009.
الجسد المخلوع بين هز البطن وهز البدن، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/2009.
جنازة المؤخرة "في مائة وواحد وعشرين نصاً"، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1/2010.
زئبق شهريار "جماليات الجسد المحظور في الرواية النسوية العربية"، دار الحوار، اللاذقية، ط1/2012.
الإسلام: مدخل جنسي - دراسة- شركة رياض الريس- بيروت، ط1/2013.
الجسد البغيض للمرأة- دراسة- دار الحوار- اللاذقية، ط1/2013.
سرديات الحيّة، دار رؤية، القاهرة، 2018 .
الجسد الدبق، دار رؤية، القاهرة، 2018 .
إلى جانب أنني تناولت هذا المفصل الحركي " الخطير " في الثقافة العربية والإسلامية السائدة وأبعادها من زوايا مختلفة، وما يعنيه الحراك الجنسي متناً وهامشاً، أو عموماً، في عشرات المقالات، أو ضمن فصول ضمَّنتها مؤلفات أخرى لي، منها:
أئمة وسحرة "البحث عن مسيلمة الكذاب وعبدالله بن سبأ في التاريخ"، شركة رياض الريس، لندن، ط1/ 1996، ط2، دار دار رؤية، القاهرة، 2017.
الفتنة المقدسة "عقلية التخاصم في الدولة العربية الاسلامية"، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/ 1999، ط2، دار رؤية، القاهرة، 2016.
تقديس الشهوة "الرموز الفلكية في النص القرآني"، شركة رياض الريس، بيروت، ط1/2000.
أقنعة المجتمع الدمائية، دار الحوار، اللاذقية، سوريا، ط1/2001.
جماليات الصمت "في أصل المخفي والمكبوت" مركز الإنماء الحضاري، حلب، ط1/2002.
نقد وحشي "رؤية لنص مختلف"، دار الحوار، اللاذقية، ط1/2005.
وإنما أجسادنا..الخ "ديالكتيك الجسد والجليد"، وزارة الثقافة السورية، دمشق، ط1/2007.
النص- الجسد- الهاوية "قراءات في ظلال المعاني"، دار تموز، دمشق، ط1/2011.
علم جمال الجسد المغاير "دراسة"، دار الحوار، اللاذقية، 2015.
تراجيديا الضحك، دراسة، دار الحوار، ط1، 2017.
وقد تعرَّضت إلى هذه النقطة الساخنة في حياتنا، وكيفية تداولها في اللغة المحكية " اليومية " وكيف تحضر أو تغيب في كتاباتنا حتى الأكثر تميزاً بـ" العفة " والرصانة، بإيحاءات معينة، أو في جمل عارضة، وما فيها من غمز ولمز جنسيين، كتجربة جديرة بالمكاشفة النقدية، وفي مجتمع مشهود له بالتخلف الفولكلوري، ونوعية المعايشة النفسية والذهنية لها، بالنسبة إلي في كتابي :
بروق تتقاسم رأسي، سيرة فكرية، دار الحوار، اللاذقية، ط1، 2015 .
أتوقف الآن عند مفهوم " التجربة " وما تعنيه من انخراط في الممارسة اليومية على أصعدة مختلفة، وحيث يكون صاحب التجربة هو ذاته الشاهد والكاتب عما يجري، حيث تابو الجنس لما يزل يتكلم هنا وهناك، لكن الجنس يتعدى التابو، يسبقه، ويشهَد له بالحضور رغم التابو القائم، ذلك يعني مدى تغير مفهوم " التابو " نفسه، والذي يشير إلى " الممنوع- المحرَّم- المحظور "، إنه أكثر من كونه ذاكرة مثقوبة، أكثر من اعتباره إحداثية ثابتة في المكان والزمان، وبالتالي، فأن يكتب أحدهم عن تجربته في مجال مرصود بأكثر من معنى سياسي، اجتماعي وأخلاقي، إنما أن يحيط علماً بما ينبغي عليه النظر فيه: قراءة وكتابة من جهة النوعية والأسلوب، والوسط المحلّي الذي يعيش فيه. وعلى سبيل المثال، فإنه من الواجب مراعاة تلك الفروقات القائمة ليس بين بلد وآخر، وإنما حتى بين مدينة وأخرى في هذا البلد، وأحياناً بين حي وآخر، على قدر ما تكون الكتابة مغامِرة متعدية الحدود المنصوبة، بغية التعرف أكثر على تلك المحركات لهذا التابو ومغذياته، وكونه هو نفسه يمثّل إسهاماً، وبشكل لافت، في الدفع بالموضوع المحظور لأن يذكّر بما يجب أن يُنسى، لأن يحفّز على إماطة اللثام حتى عما هو عرَضي جرّاء المراقبة، كما الحال في مدينة أنتمي إليها في سوريا " قامشلي "، وفيها فسيفساء اجتماعية غير متناغمة، للدين سطوته بالمفهوم التقوي، قبل كل شيء، وتعرضت للتشهير فيها حتى من قبل الجامع فيها لأكثر من مرة، تأكيداً على بنية الإقامة وثقافة المقيمين في المكان.
أما التجربة وقرباها من مفهوم " الجنس " فتمثّل الخيط الناظم، أو يكاد، بين كم كبير من كتاباتي بما أن الجنس أكثر من اعتباره فعل غريزة، وأن الجسد كينونة إنسانية وموضوعاً فلسفياً،ومن ثم، تكون التجربة الموصوفة هذه ارتحالاً دؤوباً بين النصوص ذات الصلة المباشرة، وتلك التي تبقى نابضة بإيحاءات مفيدة، وطيات الحياة والذين يتمثلونها ويعيشونها بمستويات شتى، أي حيث يكون الجنس كتوصيف مكتبة تضم أرشيفاً كاملاً من الإحالات المرجعية التي تتغذى على الجسد بنوعيه: الأنثوي- الذكري، وكل مسلك يتوسل الغريزة ويمنحها علامة مجتمعية وثقافية.
وبعيداً، عن الدخول في المماحكات أو السجالات الثقافوية بخصوص طرق استعمال ما يُسمى بـ" التعبير الصحيح- الأصح " بصدد " الجنس ": أهي كتابة الجنس، الجنسانية، الجنسوية، الجندر، النوع...الخ، وما في هذه التنظيرات والمجابهات أحياناً من استعراض، أو ثقافة خلَّبية، يبقى المؤثّر في المفهوم، والمعنى المنشود في وضعية إزاحة أو إهمال بصورة ما، إذ المهم، هو ما تفصح عنه الكتابة، ما يترتب عليها من وعي يومي، ونقد يومي لهذه الوضعية الحياتية، وكيف تتقابل " الكلمات والأشياء "، كيف يدير الكاتب أو الباحث دفة الرؤية البحثية، وأي موقع نقدي فعلي يتمثله أو يتسنمه، وما يكشف عنه من المخفي أو الصادم والمطلوب طرحه للعلن، بعيداً عن ذلك، أنوّه إلى المسيرة " اليوليسيسية " في المعايشة، وما فيها من تجربة مرة غاية المرارة، وحلاوة مشجّعة على المزيد من التقصي والتحري والنضال النفسي واللغوي بالذات، إذ إن انتقاء مفردة معينة دون أخرى موصول بعملية النضال " الجبهوي " والتأكيد على أن الكلام الذي يتقدم هنا، إنما يجلو صراعات مختلفة، إذ يواجه، ويمارس تكتيكاً أو استراتيجا أو مناورة، أو يطاح به أحياناً تبعاً للتحديات والمستجدات، ليكون ذلك تعزيزاً لفاعلية النص وكونه مجتمعاً حياً مرئياً بمفارقاته تبعاً لطريقة الكتابة والإيمان بجدوى الكتابة عينها.
في السياق، وكوني أتحدث عن تجربتي في الكتابة الجنسية، لا أزعم البتة أنني ريادي فيما نوَّهت إليه، حسبي القول أن ما أثرته وفي الزمان والمكان، يدخل في نطاق تعرية المحظور، والمحظور يصل السلطوي بالديني، لأن الجنس من جهته وضعي إلى أبعد الحدود، بمقدار ما يكون غيبياً: ميتافيزيقياً" كأن نتحدث عن غائية الجنس في عالم ما بعد الموت: الجنة "، وأن كتبي تم تداولها واستنساخها كثيراً، وخاصة" الجنس في القرآن "، وما في ذلك من مفارقات " على سبيل المثال: منع من عرضه في معرض القاهرة الدولي للكتاب سنة 1994 "، لتعاد طباعته الطبعة الثالثة في القاهرة بالذات عام 2016، وهذه الإشارة تستدعي القيام ببحث منمنماتي في طرق التعامل مع الكتاب وموضوعه، وفي وضع كهذا، حيث نشهد طغيان الديني وما يخص " الإرهاب " وتمازجه به في مسلكه، وخلفية هذا الإجراء. إلى جانب أن الكثير مما تعرضت له كان ميداناً للسطو وليس الاقتباس أوالاستعارة، حتى من قبل أكاديميين عرب، إلى جانب تداوله والتوقف عند هذه النقاط، بصدد الجنس، أو ما ينتمي إليه بعمق: اللواط، السحاق، مواقعة الحيوان في التراث " في المتعة المحظورة ، نموذجاً "، وحضور هذه الكتابة في كتابات نقدية عربية وحتى أجنبية، بغض النظر عن محتواها .
ما أريد الإشارة إليه، وفي هذا التوقيت، كما ذكرت، هو انتشار ما أعتبرها ظاهرة الكتابة الجنسية، إلى درجة تستحق الحفر فيها، وتوظيف الجنس وبنوع من الإباحية في كتابة المسمى بـ" الأدب "، في الرواية والقصة، واعتبار ذلك، بالمقابل: إيروتيكا مناضلة، حرباً على التابو !
لا أخفي، ليس تحفظي- فقط- على هذا المفهوم " الإيروتيكا "، إنما أرى في استعماله أكثر من لبس وحالة ريبة أيضاً، لأن هناك الكثير مما يُمَرَّر بوصفه إيروتيكا " أي الجنس "، إنما بالمعنى الفني تحديداً، ولكن ذلك لا ينزع عنه تحرشاً بالاسم بالذات، وتعدياً على محتواه وموقعه، من خلال استثارة القارىء، والإيحاء إلى صبغة تحرر من التابو الآنف الذكر، أعني بذلك جانب الإقحام في متن النص، كما لو أن الكاتب مهيء نفسه لأن يجهر بمفردات لها جِرس أخلاقي، تعبوي، ونقل رسالة إلى ذلك القارىء بخاصية تمرد أو ثورية فيه، كأن يقول : القضيب: الكس، وليس الفرج تشديداً على إرادة معرفة متنورة، وتنسيبه إلى " الكتابة المضادة ".
هذا ما نشهده في عشرات الأمثلة من الروايات العربية، النسوية الطابع وغيرها " تابعت ذلك بصورة مكثفة في كتابي: زئبق شهريار، بالنسبة للمرأة "، وبالنسبة للرجل في أمكنة أخرى" الأنثى المهدورة "، وكذلك " الجسد الدبق " بصورة أكثر، ومعركة المفاهيم وحساسيتها، حتى بالنسبة للمرأة: بين الحديث عن الكتابة النسوية، أو الجندر، أو الأنثوية، أو : أدب المرأة، حيث تجلو كل عبارة حساسية معينة، تشكّل أحياناً محوراً رئيساً للبحث الخلافي، بينما بيت القصيد هو فيما ينبغي تحرّي أصوله، ومعاينة تلك التعالقات النصية، وملتبَس القول في التجنيس، وربط المنتَج الثقافي: أدباً أم فكراً، أم فناً بمتحولات المجتمع، إلى جانب تتبع مسيرة الكاتب، وأين، وكيف، ومتى يمارس الكتابة، لأن الوسط يمثّل محك اختبار آخر لبنية الكتابة.
ولقد أفصحت وسائل التواصل الاجتماعي، وما إذا كانت دقيقة بمعناها، عن هذا المستسهَل من هو تابوي، وتصعيداً بالكتابات التي تتاجر بالجسد، وتحط من قيمته، بزعم التحرر الفكري، ولعله ضرب آخر من ضروب الاستمناء النفسي والخيلاء العديمة الأثر للجانبين، وحاجة ذلك إلى إعمال النقد الثقافي المتعدد الآليات حتى في المعتمَل الذهني والنفسي لكل من الكاتب أو الكاتبة، ومن يعتمد عبارات جنسية في صفحات مختلفة، ومن ذلك أيضاً صفحة الفيسبوك الشخصية للكاتب، والتداخل بين الكتابة والصور الملتقطة أو المنشورة وأبعادها.
إن من شأن هذه المتابعة النقدية بجانبها المسحي إنارة الكثير من الجوانب أو المغيبات، في إطار اقتصاد اللغة، وسياسة الكتابة، وكيفية معايشة الفن .
وأشير هنا أخيراً وليس آخراً، إلى أنني في نشْر نصوص ذات طابع شعري،وتسميتها بالإيروتيكية، إنما هو ترجمة انشغالي لهمّ بحثي، عدا عن أنني متحفظ مرة أخرى على مفردة/ وصف الإيروتيكا بالنسبة لهذه النصوص، بسبب الصيت السيء للاسم، كما لو أن من " يروتِك "، إن جاز النحت من الإيروتيكا كفعل، يكون متحرراً، وفي أوساطنا الثقافية قبل الاجتماعية، كون الإيروتيكا أبعد مما تعرَف به: الجنس، إنها تمثيل لحياة عامة وخاصة بعمق أكثر، ومن يربطها بـ" الإيروس " والإيروسية " الليبيدوية " سوف يلاحظ هذا الثراء وليس الاختزال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى