عثمان بوطسان - شِعر البشتونيات وجدلية الحُب المُحرَّم

يعتبر الشعر البشتوني من ركائز التعبير الأدبي عند النساء في أفغانستان، لما يتميز به من تنوع ثقافي ووجودي يعبر عن أزمة النساء في مجتمع تحكمه سلطة الذكر والتقاليد والأعراف المتعصبة للحب والحرية. فنساء البشتون، شاعرات متمردات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، و أشعارهُن تعبير صادق عن الحب والشغف الذي حُرمن منه، فكان الشعر سببا في التمرد على قانون الرجال للإفصاح عن الحب. وهذه الأشعار كانت تتناقلها النساء في سرية، يُعبرن من خلالها عن ألوانٍ من الرغبة والوله، واللهفة والألم والقلق والحرمان، والشغف بالطبيعة.

ويعتبر سيد بهاء الدين مجروح من الشعراء الأفغان الذين اهتموا كثيرا بهذا اللون الأدبي، حيث ترجمها إلى الفرنسية بمساعدة مجموعة من الكتاب الفرنسيين. وتكشف مجموعة من المقاطع الشعرية المترجمة عمق الشغف الذي حُرمت منه المرأة الأفغانية وعن حسها الإنساني كمبدعة تحايلت على الظروف.

فنساء قبائل البشتون عشن حياة جحيمية في مجتمع صارم، حيث السلطة العليا للرجل والمرأة كالعبد، لا حق لها، لا في الكلام ولا في التعبير عن أحاسيسها. إن شغف نساء البشتون عالم خاص يختلط فيه الشعر والحب. فالبشتونيات يَجِدنَ في التعبير عن الحب قيمة جمالية لا يقل عن كونه عملا خلاقا بمعظمه.

شاعرات البشتون متيمات، جَعلنَ من الحب حياة بديلة للحياة القاسية التي فرضها عَليهن المجتمع الذكوري. لذلك فالمرأة تستطيع البوح بأسرارها العاطفية، عكس الرجل الذي لا يمكنه التعبير ولا الإفصاح عن حبه

فمن الهوى العذري البريء إلى التعبير الفاضح عن جرح الروح. إن كان الحب ذنبا في مجتمع متعصب، فشعر البشتون جعل من الحب سببا يستحق التضحية، فالحب الصادق أجدر. وإن كان قتلى الهوى ماتوا بسبب التقاليد والأعراف البالية، فسبب تمرد شاعرات البشتون غالبا ما كان التعصب الطائفي والمجتمعي الذي حَرمَهُن من أبسط الحقوق في التعبير عن الرغبة والشغف.

إذا مات حبيبي، لأكن كفنه
هكذا نتزوج الرماد معا
إما أن تكون على صدري دائماً
وإلاّ فالأفضل أن تكون بين ذراعي الأرض المعتمتين

من خلال هذه الأبيات الشعرية، يتضح أن الحب يرتبط أساسا بوجود المحب، وهذا الوجود هو في الوقت نفسه تعبير عن وجود المرأة. وحرمان المرأة البشتونية من التعبير عن هذا الشعور الصادق يحول حياتها إلى سجن حيث كل شيء محرم. وليس غريبا أن تفقد المرأة إحساسها بالوجود في مجتمع يصنفها في خانة العدم. فالشعر تمردٌ، والإفصاح عن الحب تمرد، فكم من الشعراء والشاعرات ماتوا بسبب محبتهم. وتاريخ الأدب الأفغاني حافل بمثل هؤلاء.

إن المرأة الأفغانية تموت في الحب، وفي سبيل الحب رغم المعاناة والأوجاع والألم. وما يميز هذا الشعر الشعبي النابع من عمق المعاناة، هي طريقة البوح التي تعتمدها النساء والتي تُكسر كل الطابوهات، وخاصة إشكالية العلاقة الجسدية التي تسود غالبية الأشعار. فحرمان المرأة من التعبير عن شغفها، دفع بها الى الإفصاح عن رغباتها ونزواتها عن طريق التغزل الجنسي بالحبيب الغائب. فشاعرات البشتون متيمات، جَعلنَ من الحب حياة بديلة للحياة القاسية التي فرضها عَليهن المجتمع الذكوري. لذلك فالمرأة تستطيع البوح بأسرارها العاطفية، عكس الرجل الذي لا يمكنه التعبير ولا الإفصاح عن حبه.

شعر البشتونيات جميل بجمال لغته وعنفوان وعذوبة الغزل والتعابير الوجودية الصارخة التي تمردت في البوح عن نفسها بعمق وبأشجع العبارات.

لو كنت أعرف أن زمن الفراق سيأتي
لأمسكت بيد حبيبي حتى ساحة المعركة
اذهب وقاتل في كابول
يا حبيبي من أجلك
سأحتفظ بفمي وجسدي طاهرين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى